ساسة وحقوقيون ومثقفون عرب: المبادرة السعودية تعكس سماحة الإسلام
اتفقت رؤى مثقفين عرب حول جدوى فكرة حوار الأديان الذي يعقد بمبادرة سعودية تحت مظلة الأمم المتحدة وعدوا المشروع بالكامل ذاهبا في اتجاه تكريس وحدة أفضل للأسرة الإنسانية، ويرى عديد منهم أن مبادرة الملك عبد الله لعقد المؤتمر تعد تأكيدا على سماحة الإسلام، وبدء مرحلة نوعية من العلاقة بين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى.
وأشادت شخصيات فكرية وأكاديمية وثقافية بمضامين البيان الختامي الصادر عن مؤتمر الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في الجمعية العامة للأمم المتحدة معتبرة هذا البيان وثيقة عالمية لجميع المشاركين. وقال المفكرون والمختصون بالقضايا الإسلامية إن كلمة خادم الحرمين الشريفين حملت المعاني الصافية التي تعبر عن سماحة الدين الإسلامي والمنطلق العقدي للمسلمين.
وبين المثقفون الذين استطلعت "الاقتصادية" رؤاهم عقب إعلان بيان الحوار بين أتباع الأديان والثقافات أن الحوار المنشود لابد أن ينأى عن سيناريوهات الصراع الثقافي والديني التي انتشرت في العالم خلال العقدين الماضيين كما أنه لابد لهذا الحوار أن يسعى إلى تأسيس فهم مشترك للاختلافات الثقافية بين الشعوب وترسيخ احترامها واستيعابها ضمن منظومة الحضارة الإنسانية.
#4#
يصف الحقوقي والمثقف السوري الدكتور جورج جبور رئيس رابطة الأمم المتحدة في سورية، فكرة حوار الأديان بأنها "فكرة ممتازة"، معتبرا " منطقتنا من العالم ذات ريادة فيما يتعلق بأدبيات الحوار والتاريخ يشهد أن العرب والمسلمين لهم قصب السبق في هذا الميدان إذ شهدت أيام الرسول الكريم الكثير من الرسالات المتبادلة بينه وبين مجموعة من الحضارات المتجاورة وجسد ذلك كله في الحوار الحضاري مع ملك الحبشة النجاشي وحوارات أخرى جسدها كتاب المدينة".
ويصف جبور العهد التاريخي الشهير في مكة المكرمة في أواسط القرن السابع الميلادي والمعروف بحلف الفضول بأول وثيقة وهيئة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم حتى يثبت عكس هذه المعلومة لافتا إلى أن منظمة اليونيسكو صادقت على إلحاقها بالمورثات الأدبية والتاريخية العالمية باعتبارها واحدة من أقدم وثائق حقوق الإنسان إن لم تكن الأقدم.
وألمح المفكر السوري إلى أن الحوار المنعقد في نيويورك كان بإمكانه الإشارة إلى مثل هذه الموروثات التاريخية باعتبار ثقافة حقوق الإنسان حق للجميع لا يختص به قوم عن غيرهم مشيرا إلى عدد من المطالب التي قد تسير بالمشروع إلى أهدافه الكاملة.
#3#
لا مجال للتراخي أمام المتطرفين
يؤكد داهم القحطاني ـ صحافي سياسي كويتي ـ ، أن مؤتمر حوار الأديان يعد "بداية جيدة تحسب للسعودية ودورها المهم في ريادة العالم الإسلامي، مشيرا إلى أن الحوار "عودة لأصل العلاقات بين الأديان"، وأن ذلك يأتي مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن).
وزاد إن العالم يعيش حاليا في عصر التطرف، في العالم الإسلامي والغربي، و"الكل يعتقد أنه الفرقة الناجية من النار". وأضاف إن العالم بحاجة إلى عمل مشترك، "وهاهي السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين تؤدي هذا الدور المهم... وقامت به في عقر الحضارة الغربية، وعلى مرأى من العالم بأسره"، وأنه متيقن من أن ذلك ليس عملا شكليا " بل إن الضرورة أصبحت تحتم ذلك، فلم يعد هناك أي مجال للتراخي ضد أصوات التطرف".
وقال إن الحرب على المتطرفين يستوجب أن تكون حرب فكرية، "فيجب أن يقوم المثقفون بشتى انتماءاتهم الفكرية والعقائدية "بدك هؤلاء (المتطرفين) بالحجة والمنطق، وقصفهم بالتفاسير الحقيقة للإسلام، واقتحام معاقلهم بالحكمة. فإذا كانت لغة الآخر أيا كان في العالم الغربي أو الإسلامي التخوين والتهويل، فيجب تجفيف هذه المنابع بالعودة إلى حقيقة الإسلام".
ونبه القحطاني إلى أن السلام "الذي بدأ بالتسامح والانفتاح على الآخر"، استشهد بأن الرسول انطلق من مكة إلى خارجها ليقيم الحجة، "وليس كما يتم حاليا... يتم تسييس الدين والأيدولوجيا لتحقيق مصالح...". ولفت إلى أن الحضارة الإسلامية في أوج رقي الدولة العباسية، و"حينما كانت جيوش الفتح الإسلامي في أطراف أوروبا وآسيا، كانت بغداد تشهد مناظرات بين الصابئة والمسلمين حول حقيقة الخلق ووجود الإله، فلك أن تتخيل مدى الانفتاح في العالم الإسلامي"، معللا ذلك بأن العقيدة في تلك العصر نقية وخالصة "فلم يكن هناك خوف عليها".
وهو يرى أنه في هذا العصر "وقد اختفى الجوهر وبقى المظهر، فليس علينا إلا أن نقارع الحجة بالحجة والرأي بالرأي.
وألا نجعل من يحاول خطف الدين مرتاحا".
ويأمل القحطاني أن تواصل السعودية عن طريق مؤسسات المجتمع المدني، الدعاة، والمفكرين ممارسة دورها في تعزيز الحوار مع الآخر، والتواصل ميدانيا وبصفة متكررة مع الدول العربية"وحتى الغرب"، مؤكدا الحاجة الملحة "لإيقاف هذا الفهم الخاطئ للإسلام، وأن نتصدى لكل ما يسئ للإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم، ونقدم النموذج الإيجابي عن الإسلام".
#2#
تشجيع على حوار الحضارات
يقول النائب السوري الدكتور محمد حبش إن الجميع يشجع حوار الحضارات وهو مشروع إيجابي يسعى لتكريس وحدة الأسرة الإنسانية ورفع الظلم عن كاهل الأمم والشعوب لأن الظلم هو سبب شقاء العالم وهو سبب الحروب مشيرا إلى أن عداوة العرب مع اليهود لم تولد بسبب اختلاف الأديان وإنما بسبب المظالم التي ألحقها أبناء صهيون بالأمة العربية .
ويشير حبش إلى اللقاء الأول لحوار الأديان الذي عقد في مكة المكرمة باعتباره كان إيجابيا جدا لبناء موقف إسلامي موحد في النظرة إلى الآخر والعالم بشكل عام.
يقول الدكتور عبد الله حرويل المفكر الإسلامي، إن توصيات المؤتمرين جاءت مختصرة ومفيدة للجميع، مشيرا إلى أن كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح المؤتمر وضعت قادة العالم أمام مسؤولياتهم التاريخية والدينية وحملهم مسؤولية مستقبل الشعوب إن لم يحققوا للأجيال المقبلة الأمن والأمان والاستقرار من خلال مصالحة شاملة بين أتباع الديانات وأصحاب الحضارات.
وتابع أن خادم الحرمين الشريفين بدعوته إلى حوار الأديان ورعايته الكريمة له هدف إلى تعزيز مسيرة حوار الأديان والثقافات والحضارات، على أسس علمية بعيدا عن التعصب والانغلاق، وبروح من التسامح وقبول الآخر، وتعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والحضارات والاعتراف المتبادل فيما بينهم بدور كل ديانة أو ثقافة في إثراء الحضارة الإنسانية وخير البشرية عبر العصور، ولقد بذل خادم الحرمين الشريفين منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين أمام الديانات الأخرى جهود كبيرة لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين وناضل أمام العالم لنزع اي تشوهات لحقت بصورة الإسلام والمسلمين، مؤكدا أن حوار الأديان الذي دعا إليه ورعاه في مكة ومدريد ونيويوك فتح الطريق أمام خلاص البشرية من معاناتها بما يرسم حياة أفضل للأجيال المقبلة.
وزاد حرويل أن البيان دعا إلى التزام جميع الدول، وفق ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بما في ذلك حريات العقيدة والتعبير دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين ولابد من تفعيل الحوار بالإقرار بوجود مشكلة في التواصل بين الشعوب والثقافات المتعددة ويمكن تحديد دور الدول على مستويات عدة فعلى المستوى المحلي الداخلي لابد من السعي إلى القيام بدور مباشر في نشر ثقافة الحوار والتوعية بأهميته ووضع السياسات التي يمكن تبنيها لتشجيع على مواجهة كراهية الآخر ومواجهة ورفض تنميط صورة الآخر لدى كل جانب.
وتابع حرويل أن الحوار المنشود لابد أن ينأى عن سيناريوهات الصراع الثقافي والديني التي انتشرت في العالم خلال العقديين الماضيين كما أنه لابد لهذا الحوار أن يسعى إلى تأسيس فهم مشترك للاختلافات الثقافية بين الشعوب وترسيخ احترامها واستيعابها ضمن منظومة الحضارة الإنسانية.
وقال الدكتور نبيل جبرائل المفكر الإسلامي ورئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان( أحد المشاركين في حوار مدريد) لقد ركز البيان الختامي لاجتماع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المعتبرة بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالدعوة للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في العالم إلى نقاط مهمة حيث أكد البيان على التأكيد على أصحاب الديانات المختلفة رفضها لاستخدام الدين لتبرير قتل الأبرياء أو لارتكاب الأعمال الإرهابية أو العنف والإكراه التي تتناقض بشكل مباشر مع التزام جميع الأديان بالسلام والعدل والمساواة ولابد من تغير الخطاب الديني بأن يكف عن مهاجمته الدين الآخر وأتباعه واتهامه بالكفر وتغليب دين على آخر بل يكون وسيلة هذا الخطاب هو الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة.
وحث على السعي لدى الجهات الدولية بالتعاون مع المنظمات الدولية لإنشاء ووضع قانون جنائي لمحاكمة كل من يزدري دين من الأديان سواء كان فردا أو جماعة أو هيئة أو دولة وإنشاء محكمة جنائية دولة لمحاكمة هؤلاء على غرار المحكمة الجنائية الدولية لمجرمي الحرب وتابع نحن نؤمن جميعا بأن الأديان جوهرها المودة والرحمة والمحبة والشفقة ومكارم الأخلاق وتقديم الغير ونبذ الأنا ونجدة الضعيف وأنصاف المظلوم ورفع الغبن عن المقهورة وتحرير النفس من الذات وتجنب استغراق الجسد في الملذات والشهوات كل هذه مبادئ وقيم ومثل لا يخلو منها أي دين من الأديان ومهما اختلفت العقائد في بعض جمهورها لأن القاسم المشترك هو نظرتنا جميعا وأيماننا جميعا بالإله الواحد خالق البشر والسماء والأرض وحوار الأديان الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين لابد أن يكون له هدف فهو وسيلة وليس غاية.
وقال إن الحوار قد يوصلنا إلي نتائج مشتركة أو قد يوصلنا إلى مرحلة مهمة من مراحل التقارب أو لا يؤدي بنا إلى ما نتفق عليه جميعا ولكن المهم أن يصل بنا في النهاية إلى أرضية الاحترام المتبادل حتى مع أوجه الاختلاف. إن الحوار في نظرنا يجب أن يكون غايته ووسيلته تغطية المساحات التي يمكن أن نشترك ونتفق عليها أكثر من المساحات التي نختلف فيها ويجب ألا يأخذ الحوار شكلا مظهريا في صورة يقدمها المتحاورون للعالم بأنهم يسعون إلى الحوار لتقلقل الفجوة بين المختلفين.
وقال الدكتور فهد المانع، أستاذ الثقافة الإسلامية في مكة المكرمة، إن البيان الذي أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عقب اجتماع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المعتبرة بمبادرة خادم الحرمين الشريفين جاء في صيغ رسائل مختصرة للعالم، مشيرا إلى أنه ركز على مجموعة من النقاط المهمة في الحوار مثل التسامح والتمييز والعنصرية والكراهية والمضايقات التي تتعرض لها الأقليات الدينية في كل المعتقدات حيث إن الحوار لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر، فالحوار بمعناه احترام حرية الآخرين واحترام الرأي الآخر والهدف من الحوار هو خلق أرضية من التعاون بما يعود على جميع الإطراف بالخير والبحث عن القضايا المشتركة والاتفاقية التي تشكل الأساس المتين للتعاون البناء بين الأمم والشعوب.
وأضاف أن الحوار قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها كثقافة مجتمعية قومية على جميع المستويات لخلق نوع من التعاون والتعرف بين الشعوب وهذا ما يؤكده الإسلام في القرآن الكريم فقد ورد في القرآن الكريم ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) فنص الآية صريح خلقناكم شعوبا لتعارفوا وليس خلقناكم شعوبا لتصارعوا والتعارف من خلال الحوار حتى تعرف الآخر ولذلك فالإسلام يؤكد ضرورة خلق ثقافة مجتمعة إسلامية هي ثقافة الحوار وعلى ذلك هناك تكليف إسلامي لكل الشعوب الإسلامية وخاصة المشتغلين بالفكر والثقافة وغيرهم من رجال الدين وعامة الشعب بالحوار ومناقشة الفكر بالفكر بعيدا عن التجريح الشخصي الذي لا صلة له بالنقاش الموضوعي.
إيجابية من جميع الجهات
يشرح المدرب الدولي المعروف في مجال التنمية البشرية الدكتور زياد أبو زنادة عملية ردود الفعل الطبيعية من جانب الآخر تجاه مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بالحوار مع جميع الأديان المعتبرة بالقول : تبدو الفكرة إيجابية من جميع الجهات إذ أن الآخر سيجد نفسه أمام فكرة متكاملة ومبادرة شجاعة تتطلب منه بذل المزيد أو ذات الدرجة من الشجاعة للتقدم في مسيرة أهداف المبادرة ما يعني بمشيئة الله خروج من قوقعة التعصب والقتل والحروب .
ويلفت أبو زناده إلى أن مبادرة الملك عبد الله تمنحه بحق لقب "أمير المؤمنين" الذي يعبر بالفعل عن أفكار ورؤى أمته التقدمية تجاه العالم، مشيرا إلى تفاعل العالم والصحافة العربية والعالمية مع هذه المبادرة والتي أثنت في مجملها على توجهاتها كونها تخرج من رجل عرف عنه منذ ظهر على الساحة الدولية الشجاعة والصراحة اللازمتان لجعل أي من مبادراته تأخذ تأثيرها الذي تستحقه عالميا .