وكلاء السيارات.. احتكار أم جشع أم ...؟

عاصفة استراتيجية تقصف صناعة السيارات الأمريكية. فمنذ عام 2006 وشركات هذه الصناعة تعلن خسائر فادحة، حيث أعلنت جنرال موتورز، أكبر مصنّع للسيارات في العالم خسائر بلغت 38.7 مليار دولار عام 2007 وقبل ستة أشهر تعلن إقفال أربعة من مصانعها. وفي عام 2006 بلغت خسائر كرايسلر 1.5 مليار دولار، وتقدمت بخطة لصرف 13 ألف عامل ضمن برنامج لإعادة الهيكلة. وأعلنت شركة فورد، ثاني أكبر شركة أمريكية في صناعة السيارات تكبدها خسائر بلغت 129 مليون دولار في الربع الثالث من العام المالي الحالي مؤكدة أنها ستستغني عن 10 في المائة من الوظائف. لماذا كل هذا؟ لأن ارتفاع أسعار الوقود بدّل بشكل "جذري ودائم" رغبات المستهلكين فلقد تغير مفهوم السيارات الفارهة.
ومع اقتراب حلول عام 2009 تبدو الأمور أكثر سوءا على فخر الصناعة الأمريكية، فصناعة السيارات تعتمد على سوق الائتمان سواء في عقود الإيجار Lease أو عقود التقسيط، ومع تدهور هذه الأخيرة، فإن صناعة السيارات في الولايات المتحدة تواجه أزمة إفلاس، فالنقود تكاد تنفد من أيديهم – على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز. ولذلك لجأت هذه الشركات للاستفادة من خطة الإنقاذ المالية التي نجحت إدارة بوش في تمريرها، حيث تطلب جنرال موتورز 18 مليارا وفورد سبعة مليارات وذلك لتنفيذ تغيراتها الهيكلية.
ما معنى كل هذا؟ إنها تعني ببساطة أن أزمة صناعة السيارات الأمريكية ليست وليدة اللحظة، وليست نتيجة مباشرة لأزمة الائتمان، وإن كانت قد زادت من حدتها. فخطط الشركات لإعادة الهيكلة بدأت منذ اندفاع موجة ارتفاع أسعار النفط وظهور نظرية نهاية النفط الرخيص، وبدء مرحلة جديدة للبحث عن بدائل حقيقية للنفط. ومن المعروف أيضا أن مصانع السيارات الأمريكية كانت، وما زالت تواجه انتقادات هائلة حول دورها في رفع حرارة الأرض، وأن عليها مسؤوليات بيئية يجب أن تقوم فيها. أي أن مصانع السيارات الأمريكية كانت تضع في مخططاتها ومنذ مدة كل هذه الإجراءات الهيكلية الكبيرة بدءا من خطط تسريح موظفيها وإغلاقها عددا من خطوط الإنتاج والمصانع، حتى إعادة خططها التنافسية. وقد ازدادت هذه التوجهات مع انخفاض حصص هذه الشركات أمام نظيراتها اليابانية. ووفقا لهذه الصورة، فإن الكثير من الأحداث اللاحقة تبدو مفهومة ومتوقعة جدا، ومع ذلك، فإن ما يصعب فهمة وتوقعه أن ترتفع أسعار هذه السيارات لدينا بنسبة تزيد على 10 في المائة! إن ذلك "يشبه" تعهد من وكلاء الشركات الأمريكية لها ألا تخسر شيئا في السوق السعودية وأنه يمكنها تمويل مشاريعها من أموال الشعب السعودي. لم لا إذا كان باستطاعة هؤلاء الوكلاء رفع الأسعار كيفما يشاءون، ولا يهم إذا أغلقت الشركة الأم مصانعها، وخفضت الأسعار في جميع أنحاء العالم فهم لم يغلقوا معارضهم ولن يخفضوا الأسعار.
يدعي "الوكلاء"، لاحظ كلمة "الوكلاء"، أن هناك عقودا مبرمة يعود تاريخها إلى مطلع عام 2008 بمئات الملايين من الدولارات على الكميات المستوردة للربعين الأول والثاني من عام 2009، ونظرا للأحداث الاقتصادية المتطورة بشكل سريع والكساد الذي تفشى في معظم اقتصاديات الدول، فإن الخطة الموضوعة لن تتغير". لا أفهم كيف أن تفشي الكساد والأحداث الاقتصادية لن يغير شيئا في "الخطط" الموضوعة "لنا"؟ ظهرت كلمة "وكلاء" كثيرا عند ورود أنباء عن نفي أي تخفيض في أسعار السيارات. واعتراضي عليها أن الأمر بدأ يظهر كفعل احتكاري وأن هناك اتفاقيات ضمنية بعدم إجراء أي تخفيض- "أمر دبر بليل". وهذه قضية شديدة الخطورة. أما قولهم أن هناك عقودا منذ مطلع 2008، فإن أخبار خسائر صناعة الشركات الأمريكية كانت قبل عام 2006، وأن تأثر حصص هذه الشركات في الأسواق العالمية كان متوقعا وأن هناك احتمالات بإعادة الهيكلة وإغلاق المصانع غير المربحة، فكيف يمكننا قبول فكرة توقيع عقود بأسعار باهظة تزيد على الأسعار الحالية مع كل هذه الأحداث وكل هذه الأنباء والتوقعات السيئة، إلا إذا كان يراد من السوق السعودية أن تمثل "فرصة" لتصريف المخزون بتغيرات شكلية لا تكاد تذكر.
يعاني الاقتصاد السعودي من تفشي ظاهرة الاحتكارات فقد تعرضنا لضغط شركات الحديد التي أخرت بجشعها بعض مشاريعنا التنموية في وقت كان يمكننا الاستفادة من وفورتنا. استغلت شركات الألبان الوضع حتى أصبحت جميع مدخلاتها الصناعية مستوردة فجأة. ومحتكرو الأرز لا يريدون إجراء أي تخفيض برغم الكساد الذي بدأ يلف العالم، حتى شركات الأسمنت – وبكل... – تطالب بحصتها في الاحتكارات ورفع الأسعار وتعترض على تدخل وزارة التجارة. احتكارات في كل مكان لا ترعى مصالح المجتمع ولا الشعب السعودي البسيط. وللحقيقة فقد أبلت وزارة التجارة بلاء حسنا في محاربة ارتفاع أسعار الحديد حتى أعادتها إلى رشدها بقبضة حديدية وحاربت التخزين غير المشروع. واليوم – وهو أمر مستغرب – تسمع وترى وكلاء السيارات يتفقون على المجتمع وتبقى صامته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي