الذكاء العاطفي من أهم العناصر المؤثرة في نجاح القيادة الإدارية
نسمع كثيرا بما يطلق عليه "الذكاء العاطفي" .. ما المقصود به، وما أهميته في التعليم والتدريب والقيادة الإدارية؟
علي القحطاني
عبد العزيز الدوسري
الإجابة
تطورت الدراسات السلوكية والنفسية بتطور العلوم الأخرى وانعكس تطورها على البحوث الإنسانية في مجال علم النفس بشكل عام وعلم النفس المعرفي بشكل خاص، وقد حظي موضوع الذكاء والتفكير والإبداع بأهمية خاصة في الدراسات المعاصرة, وجاء مفهوم الذكاء العاطفي ثمرة لهذه الدراسات الجادة والتكاملية والمستمرة حتى وقتنا الحاضر.
مفهوم الذكاء العاطفي
يمكن اعتبار الذكاء العاطفي Imotional Intelligence عملية إدارة العواطف والمشاعر لاتخاذ قرارات سليمة.
ويعرف جولمان Goleman الذكاء العاطفي بأنة القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكـل سلـيم في علاقتنا مع الآخرين.
ويعتبر مفهوم الذكاء العاطفي تتويجا لجهود العلماء في تحديد النظرة الحديثة لتعريفات الذكاء الإنساني وتطبيقاته في مجال السلوك الإنساني وسلوك القادة بشكل خاص نظرا لتأثيرهم كقادة في سلوك الآخرين في التعامل الإنساني في الحياة العملية.
وتعرف العاطفة بأنها الاستعداد النفسي الذي ينزع بصاحبه إلى الشعور بانفعالات معينة تجاه شخص أو شيء أو فكرة ما .. أو هي عبارة عن تتابع من الاستجابات التي تثار آلياً لتجهيز الجسد والعقل للتصرف الملائم حينما تدرك حواسنا أن شيئاً ذا صلة بحياتنا يحدث.
هذا ويعتبر الذكاء العاطفي مفهوم حديث بدئ الاهتمام به منذ نحو عشرين عاما وتطور على يد عدة علماء ، ومازال البحث والتطوير فيه جاريا.
تصنيف الذكاء العاطفي
ويتم تصنيف الذكاء العاطفي، بحسب مجموعات، لكنها تختلف من تصنيف إلى آخر مع وجود نزعة إلى البحث عن وجود عواطف أساسية، تكون قاعدة لتصنيف موحد، وعواطف أساسية على شاكلة الظاهرة الفيزيائية للضوء: أخضر، أحمر، أزرق، وتصبح في هذا الإطار باقي العواطف المتنوعة عبارة عن توليفات من العواطف الأساسية. فالذكاء العاطفي يشمل الذكاء الاجتماعي وأنماطاً أخرى ويختلف مستوى كل ذكاء من شخص إلى آخر. ويعتقد أنه يوجد العامل الوراثي للذكاء العاطفي وهو المزاجية، عكس الذكاء العقلاني الذي يبقى ثابتا في الشخص طوال عمره ، و (الذكاء العاطفي) يمكن أن يتحسن ويتطور بحسب كل شخص وبحسب كل بيئة.. ويساعد التعلم والتدريب على تطويره.
مكونات الدماغ الإنساني وعلاقتها بعملية التعلم والذكاء العاطفي:
يتكون الدماغ الإنساني من أجزاء مختلفة هي جذع الدماغ Brain Stem، والجهاز الحوفي Limbic System، ويتكون من الأميجدالا Amygdala وقرن آمون Hippocampus، والمخيخ Cerebellum، والمهاد Thalamus، وتلافيف الدماغ Cerebrum، والقشرة الجديدة Neocortex، والفص الأماميFrontal Loop، أيضاً النخاع الشوكي Reptilian Brain.
ويعد كثير من الباحثين فهم أجزاء الدماغ مهماً لفهم العملية التعليمية والتدريبية، وكذلك من أجل توضيح المقصود بالذكاء العاطفي.
المعلومات في الدماغ الإنساني
تدخل المعلومات إلى الدماغ عبر الأحاسيس المختلفة: السمع، البصر، واللمس. وتنتقل هذه الأحاسيس إلى المهاد. وقد اكتشف حديثاً أن هناك طريقين منفصلين تنتقل بهما هذه المعلومات: من المهاد إلى الجهاز الحوفي، ومن المهاد إلى القشرة الجديدة. وقد وجد أن الطريق التي تسلكها المعلومات من المهاد إلى الجهاز الحوفي أقصر وأسرع من تلك التي تسلكها إلى القشرة الجديدة، ما يتيح للجهاز الحوفي الفرصة للاستجابة بصورة أسرع وقبل تدخل القشرة الجديدة.
يعد الجهاز الحوفي مركز التعلم والذاكرة. فقرن أمون مسؤول عن إدراك المعلومة بينما تقوم الأميجدالا بإحداث الانفعال المرافق لها. وكل معلومة تختزن مقترنة بالعاطفة الخاصة بها.
وعلى الرغم من أهميتها، فإنها قد تكون في كثير من الأحيان سلبية. فقد يحدث خطأ في الإدراك ولا تكون هناك حاجة إلى حدوث الانفعال المرافق. فإذا ما تباطأ الشخص قليلاً ـ وكلمة قليلاً يمكن أن تكون ست ثوانٍ حسب الدراسات في هذا المجال ـ يسمح ذلك للمعلومة بالوصول إلى القشرة الجديدة في مركز التفكير الذي يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية. وفي حالة وصول المعلومة إلى القشرة الجديدة، تصبح الاستجابة مدروسة، ويعمل الفص الأمامي فيها الذي يتصل بشبكة من الأعصاب بالأميجدالا على كبح جماح الانفعالات وإحداث الاستجابة المناسبة.
ولا بد من منح النفس الإنسانية وقتاً للتفكير قبل الانفعال، وهذا ما يميز البشر ويجعلهم أكثر مسؤولية عن أفعالهم.
ويؤكد الباحثون أهمية مراعاة أنماط التعلم والتدريب في التعليم والتدريب وما يتبعها من تنويع التقييم. وهناك أيضاً أهمية طرح أسئلة مثيرة للتفكير، وربط التعلم والتدريب بالعاطفة، وعملية التأمل الضرورية لكل من المعلم والطالب والمدرب والمتدرب لإعادة النظر في أدائه.
الذكاء العاطفي وعلاقته بالتعلم والتدريب
حيث تتمثل مهمة الذكاء العاطفي في السعي لضبط إيقاع انفعالاتنا وعواطفنا وتوظيفها من أجل تعظيم قدرتنا وفاعليتنا الشخصية على اتخاذ القرارات الرشيدة والمناسبة، كردة فعل لهذه الانفعالات، كما يتضمن ضبط العواطف، وإيجاد العواطف المناسبة عند الحاجة إليها، وكذلك تعديل وتغيير أنماط السلوك المتعلمة، فإن الذكاء العاطفي ـ حسب هذا الوصف لآلية عمل الدماغ - يسعى ويحرص على عدم إعطاء الفرصة للأميجدالا لتولي زمام الأمور، والسماح للقشرة الجديدة بالتدخل لتكون استجاباتنا مدروسة قدر الإمكان وليست تلقائية.
وللذكاء العاطفي ارتباط وثيق بعملية التعلم والتدريب ويستند إلى ثلاثة افتراضات مهمة، هي:
1- ليس هناك تفكير دون عاطفة، وليست هناك عاطفة دون تفكير.
2- كلما كان الشخص أكثر وعياً بتجربته، أمكن التعلم منها أكثر.
3- معرفة الإنسان بنفسه جزء مهم من عملية التعلم.
أثر الذكاء العاطفي
وللذكاء العاطفي تأثيرات واضحة ومهمة في حياة كل شخص وفي طريقة تفكيره وعلاقاته وانفعالاته,, فالتعاون بين العقل والقلب أو بين الشعور والفكر, يبرز لنا أهمية الذكاء العاطفي في التفكير سواء أكان ذلك من خلال اتخاذ القرارات الحكيمة أم في إتاحة الفرصة لنا لنفكر في صفاء ووضوح إذ ما أخذنا في الحسبان أن العاطفة إذا ما قويت أفسدت علينا القدرة على التفكير السليم والحصول على قرارات صائبة.
* أهمية الذكاء العاطفي
تتمثل أهمية الذكاء العاطفي في إدارة انفعالات الإنسان وتصرفاته من خلال:
1- الانسجام بين عواطف الشخص ومبادئه وقيمه, ما يشعره بالرضا والاطمئنان.
2- اتخاذ القرارات الرشيدة في الحياة اليومية.
3- انعكاسه على الصحة الجسدية والنفسية.
4- الإسهام في القدرة على تحفيز الذات وإيجاد الدافعية الذاتية لعمل ما نريده.
5- الإسهام في جعل الشخص أكثر فاعلية في العمل من خلال فريق العمل.
6- الإسهام في توفير حياة زوجية أكثر سعادة.
7- يساعد على قيادة النجاح في الأسرة.
8- يدعم المعاملة الحسنة والاحترام في التعامل.
9- يسهم في تكوين العلاقات والصداقات المرغوبة.
10- يساعد على زيادة مهارات الإقناع والتأثير في الآخرين.
11 ـ يسهم في النجاح الوظيفي.
مكونات الذكاء العاطفي
يرى جولمان Goleman في كتابه Working with Imotional Intelligence أن أهم مكونات الذكاء العاطفي هي:
1- الوعي، وينقسم إلى جزأين:
أ ـ الوعي بالذات: وتشمل القدرة على التعرف وتفهم الشعور الشخصي، ومعرفة المحفزات، وتأثير ذلك في الآخرين. وكذلك الصفات والثقة بالنفس والموضوعية في تقييم القدرات.
ب ـ الوعي الاجتماعي: وتشمل القدرة على التعرف على شعور الآخرين والتعامل معهم وفقا لاستجابتهم العاطفية. كما تتناول الصفات والتعامل بحساسية مع الثقافات والبيئات الأخرى، والقدرة على تقديم خدمة متميزة للزبائن، والكفاءة في تطوير العاملين والاستفادة منهم.
2- الأفعال
أ ـ الإدارة الذاتية: تتضمن القدرة على إصدار الأحكام، والتأني في التفكير والقدرة على التحكم في السلوك الفردي. كما تتضمن وجود الحافز الذاتي لدى الفرد لتحقيق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها بدلا من التركيز على الحوافز المادية. كما يؤكد صفات الصدق والتفاؤل والالتزام وتقبل التغيير، والقدرة على التعامل مع المواقف والدافعية للإنجاز.
ب ـ المهارات الاجتماعية وتتمثل في القدرة على بناء وإدارة العلاقات الاجتماعية بصورة فاعلة. كما تشمل بعض الصفات الأساسية مثل القدرة على قيادة التغيير بفاعلية وقيادة فرق العمل، والقدرة على الإقناع.
انخفاض الذكاء العاطفي
يسبب انخفاض الذكاء العاطفي للأفراد بعض الشعور السلبي مثل الخوف، الغضب، والعدوانية. وهذا بدورة قد يؤثر في طاقة الأفراد، وانخفاض الروح المعنوية، مثل الغياب عن العمل, كما يؤدى إلى السلوك السلبي, ولأن العاطفة دائما تزود الإنسان بالطاقة، فإن العاطفة الإيجابية تخلق قوة إيجابية والعاطفة السلبية تولد طاقة سلبية.
الذكاء العاطفي والقيادة الإدارية
الذكاء العاطفي أسهم في تحسين نظرتنا إلى موضوعات سلوكية عديدة، من أهمها موضوع القيادة والتأثير فهو يشكل أحد المتغيرات الأساسية التي أخذت في البروز كإحدى الصفات الجوهرية للقيادة الإدارية الفاعلة ، فإذا اعتبرنا الذكاء العاطفي مجموعة من القدرات التي تتعلق بكيفية قدرة الفرد على التعامل الذاتي مع مشاعره وعواطفه والقدرة على التعامل مع مشاعر الآخرين. وإذا كانت القيادة هي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين لتحقيق الأهداف المرغوبة، فإن قدرة القائد ونجاحه في القيادة الإدارية مرهونة بمهاراته في التعامل مع عواطف ومشاعر الناس التابعين له (المرؤوسين)، وأسلوبه يمكن أن يسهم في كيفية التعامل مع احتياجات الأفراد وكيفية تحفيزهم بفاعلية.
وكما يرى ـ بعض الباحثين في موضوع الذكاء العاطفي ـ فإن القائد الذي يتمتع بذكاء عاطفي يعتقد أنه أكثر ولاء والتزاما للمنظمة التي يعمل فيها وأكثر سعادة في عملة كما يرى أبراهام Abraham، وذو أداء أفضل في العمل كما يرى جولمان Goleman، ولديه القدرة على استخدام الذكاء الذي يتمتع به لتحسين ورفع مستوى اتخاذ القرار، وقادر على إدخال السعادة والبهجة والثقة والتعاون بين موظفيه من خلال علاقته الشخصية كما يرى جورج George.
ويرى جاكسون ولشا أن الذكاء العاطفي يمثل نحو 85 في المائة من أسباب الأداء المرتفع للأفراد القياديين. كما أن الذكاء العاطفي له تأثير في الأداء المؤسسي، وأنه باستخدام الذكاء العاطفي يمكن مضاعفة إنتاجية الموظفين في بعض الأدوار التي يقومون بها.
الذكاء العاطفي وإدارة الذات
الإنسان خلقه الله كتلة من العواطف والمشاعر والأفكار، والعواطف تعمل على حماية الإنسان من الأخطار والحفاظ على وجوده وتطوير هذا الإنسان، فمن خلال عواطف الحب والقلق والخوف يحل الإنسان مشكلاته التي يتعرض لها، ويسهم تفكيره وشعوره في نوعية سلوكه وتصرفاته.
والذكاء العاطفي هو استخدام الذكاء الإنساني لإدارة العواطف والمشاعر في المواقف الإنسانية. ولكي نتعامل بشكل صحيح مع أي موضوع، علينا أن نفهمه فهما صحيحا، ولا يمكن التعامل مع عواطفنا ما لم نفهمها فهما صحيحا، وما أنواعها، وكيف تتكون في نفوسنا؟ وما وظيفتها؟ وكيف تؤثر في أفكارنا وتسيطر على سلوكنا وتصرفاتنا؟
يستطيع الإنسان من خلال الذكاء العاطفي إدارة ذاته من خلال إدارة مشاعره وعواطفه وأفكاره وفهمها فهما جيدا وصحيحا وذلك من خلال:
أولا- فهم وإدراك العواطف، فالإنسان الذكي عاطفيا هو من يدرك عواطفه, بمعنى أنه يعرف ما يشعر به، ولماذا يشعر به وعلاقة ما يشعر به بطريقة تفكيره وسلوكه وأفعاله التي يمارسها.
ثانيا: التعامل مع العواطف بطريقه إيجابية وابتكارية, إن فهم العواطف وتسميتها من خلال إدراك نوعية هذه العواطف وأهميتها مثل عاطفة القلق والخوف والحب وغيرها من عواطفنا العديدة الإيجابية والسلبية.
والإنسان الذكي عاطفيا هو الإنسان الإيجابي الذي لا يتجاهل عواطفه ولا يكبتها، وإنما يفهمها ثم يتعامل معها بطريقة إيجابية إبداعية، لأن تجاهل العواطف يمنعها من أدائها وظيفتها. كما أن كبت العواطف يؤدي إلى مزيد من التوتر السلبي، وينعكس سلبا على الصحة الجسمية والنفسية.
وهناك قاعدة أساسية في الذكاء العاطفي تقول "نحن لا نستطيع أن نقرر عواطفنا، لكننا نستطيع أن نقرر ماذا نفعل حيالها" فالإنسان لا يستطيع أن يقرر متى يغضب أو متى يقلق أو متى يخاف أو متى يحب، أو متى يكره, ولكنه يستطيع أن يقرر كيف يتعامل مع غضبه أو قلقه أو خوفه أو حبه أو كرهه.
ولا شك أن هناك فروقا فردية بين الناس في شخصياتهم, فهناك الشخص الهادئ وهناك الشخص العصبي وهناك الحساس. وهدف الذكاء العاطفي ليس إلغاء هذه الفروق والاختلافات ـ كما يرى بعض المتخصصين - ولكنه يسعى إلى مساعدة الإنسان على فهم تركيبته العاطفية والتعامل معها بإيجابية ليحقق أكبر قدر من السعادة ويحقق أهدافه في الحياة.
التحكم في المشاعر
حيث إن الشعور يمثل نمطا من التفكير، كما أن الشعور يقود إلى سلوك وتصرفات معينة، والعلاقة بين التفكير والشعور والسلوك هي علاقة تبادلية وتكاملية إيجابا وسلبا.
والذكاء العاطفي يلعب دورا في المساعدة على التحكم في مشاعرنا من خلال التدخل بين (التفكير والشعور) أو بين (السلوك والشعور).
أما التدخل بين التفكير والشعور، فيكون بتغيير نمط التفكير أي تغيير الزاوية التي ننظر من خلالها إلى الأمور.
ونحن عندما نغير طريقة تفكيرنا في موضوع أو قضية ما تتغير مشاعرنا نحوها وبالتالي يتغير سلوكنا نحوها.
أما تدخل الذكاء العاطفي بين السلوك والشعور، فيتمثل في اتباع سلوك معين من أجل السيطرة على شعور ما، مثل رواية نكتة عندما تتأزم الأمور في اجتماع أو تأجيل موعد الاجتماع، أو ممارسة رياضة في حالة التوتر أو الضغوط .. ونحو ذلك.
الذكاء العاطفي يجلب السعادة للذات وللآخرين
إن فهم العلاقة الوثيقة والإيجابية بين (التفكير والمشاعر والسلوك) في الحياة عنصر مهم، وهناك عديد من الطرق الإبداعية التي تساعدنا على فهم هذه العلاقة والتقليل من المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر إيجابية وإنجازات رائعة. وذلك بواسطة تغيير (طرق التفكير أو تغيير وتعديل السلوك).
إن تطبيق الذكاء العاطفي على ذواتنا هو العنصر المهم في جلب الإيجابية والسعادة الشخصية، وهو الخطوة الأولى في التعامل الإنساني الإيجابي مع الآخرين.
رئيس آفاق الإبداع والجودة للتدريب والاستشارات
[email protected]