السعودية بحاجة إلى 2.4 مليون وحدة سكنية خلال 20 عاما
يعد القطاع العقاري من أهم الأدوات الاستثمارية التي يمكن أن تعتبر متوسطة المخاطر التي تجتذب كثيرا من الرساميل، ومن خلال قراءة تاريخية للتنمية العقارية في السوق المحلي نجد أن الكثير من رجال الأعمال برزوا من خلال الاستثمار في العقار، وذلك لحجم النمو الكبير الذي حققه فهو على المدى المتوسط والبعيد يحقق عوائد ممتازة للمستثمر.
ولكن بعد الأزمة التي مرت على العالم, وذلك بسبب أزمة الرهن العقاري التي عصفت باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم أوروبا ومن ثم آسيا، فلم يسلم من آثارها معظم اقتصادات العالم, سواء المتقدم منها أو النامي إذ إنها أزمة عمت الجميع بشكل مباشر أو غير مباشر، فبعد هذه الأزمة أصبح هناك شيء من القلق على مستقبل الاستثمار العقاري, سواء في السوق المحلي أو حتى أسواق دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا القلق من الممكن أن يكون مبررا, خصوصا أن المنطقة شهدت نموا عقاريا كبيرا في بضع السنوات الأخيرة أعاد للأذهان سنوات الطفرة الماضية للإقبال الكبير على الاستثمار في هذا القطاع.
وهذا القلق وإن كان مبررا إلا أنه لا بد ألا يكون قلقا مبالغا فيه، إذ إن العوامل الأساسية لنمو الاستثمار والتطوير العقاري ما زالت موجودة، فلو أخذنا على سبيل المثال التطوير العقاري من خلال توفير الوحدات السكنية للأفراد سنجد أن عوامل نمو هذا القطاع اليوم هي أفضل اليوم من أي وقت مضى, فلو أخذنا على حجم النمو السكاني لسكان المملكة العربية السعودية سنجد أن عدد المواطنين في عام 1992 كان 12.31 مليون نسمة، ثم إنه في عام 1999 بلغ 14.873 مليون نسمة وفي عام 2004 بلغ 16.1 مليون نسمة، ومازال عدد السكان في المملكة في نمو متواصل، وليس الأمر يقف عند ذلك بل إن المجتمع السعودي مجتمع شاب, حيث تبلغ نسبة من هم أقل من 30 عاما 75 في المائة من تعداد السكان, ونسبة تملك المواطنين في الخطة التنموية السادسة بلغ 65 في المائة. في حين أن هذه النسبة انخفضت في الخطة التنموية السابعة لتبلغ 55 في المائة, ما يشير إلى أن فرص التمويل المتاحة في الخطة السابقة كانت أكثر فاعلية منها في الخطة السابعة، وهذا كان واضحا في الدور الذي كان يؤديه صندوق التنمية العقاري الذي استفادت منه الكثير من الأسر إلا أنه فقد هذه الفاعلية بسبب تأخر الصندوق في توفير التمويل للأفراد إلى مدد طويلة.
ومن خلال قراءة للخطط التنموية الحالية والقادمة نجد أنه يتوقع أنه في الخطة التنموية فيما بين العامين 1425 و1430 سيحتاج الأفراد إلى 512 ألف وحدة سكنية. بينما في الخطة التنموية فيما بين العامين 1430 و1435 سيحتاج الأفراد إلى 567 ألف وحدة سكنية. أما في الخطة التنموية فيما بين العامين 1435 و1440 سيحتاج الأفراد إلى 633 ألف وحدة سكنية. وفي الخطة التنموية فيما بين العامين 1440 و1445 سيحتاج الأفراد إلى 710 آلاف وحدة سكنية. بمعنى أنه في الفترة ما بين 1425 و1445 وخلال عشرين عاما, فإنه يتوقع أن الأفراد يحتاجون إلى 2422 ألف وحدة سكنية.
وهذا يدل على الحاجة الكبيرة للوحدات السكنية، والحاجة إلى الاستثمار في قطاع التطوير العقاري، كما أن هناك حاجة أيضا إلى الاستثمار أيضا في التمويل العقاري ليتمكن الأفراد من شراء الوحدات السكنية، وهذا يعنى أنه بالإمكان تضافر جهود الكثير من المؤسسات, سواء الحكومية أو القطاع الخاص أو حتى المؤسسات غير الربحية في تمويل الأفراد لشراء المساكن.
من المعلوم أيضا أن المملكة مقبلة على فتح مجالات الاستثمار للمستثمرين المواطنين وغير المواطنين وهذا يتطلب توفير بنى تحتية واستثمارات عقارية كبيرة لتوفير احتياجات تلك الاستثمارات وهذا كان واضحا من خلال إنشاء المدن الاقتصادية ودعمها، وقد كان لذلك دور في استقطاب استثمارات كبيرة إلى السوق المحلي. إضافة إلى أن هناك حاجة في السوق إلى وجود استثمارات وتطوير عقاري لتلبية الاحتياجات المتزايدة للأفراد، حيث إن المملكة العربية السعودية تحقق اليوم نموا سكانيا عاليا، وهذا كله يتطلب أن يكون استمرارا للاستثمار والتطوير في قطاع العقار.
ما سبق كله كان جزءا يوضح الحاجة إلى الاستثمار في القطاع العقاري ورغم أن العالم اليوم يشهد تحولا في المعطيات الاستثمارية ونوعا من الانكماش الاقتصادي، وركودا في الكثير من القطاعات الاقتصادية، إلا أن العوامل السابقة تعطي شيئا من الانطباع إلى أنه حتى مع وجود هذا الركود في الاقتصاد إلا أن الحاجة الملحة للاستثمار في التطوير العقاري قد تواجه هذا التباطؤ في مناحي الاقتصاد العامة، وقد يكون فرصا تعوض هذا الركود، خصوصا أنه وكما سبق أن المسألة حاجة ملحة وليست نوعا من الترف.
ويبقى أنه مع وجود هذه الحاجة لا بد أن يأخذ الاستثمار في التطوير العقاري منحى يلبي بشكل واقعي احتياجات الأفراد حسب المعطيات الموجودة لديهم، فلا بد أن يكون الاستثمار يراعي إمكانات الأفراد المالية وحاجات القطاعات الأخرى بمعنى أنه وعلى سبيل المثال ينبغي ألا يكون التركيز في إنشاء الوحدات السكنية على إنشاء وحدات لذوي الملاءة المالية العالية، إذ إن ذلك لا يتناسب مع إمكانات الجزء الأكبر من الأفراد ما قد يؤدي إلى عدم وجود سد حقيقي لحاجة الأفراد، ولكن لا بد من التركيز في هذه المرحلة على الوحدات السكنية ذات التكلفة المنخفضة ومثل هذا النوع من الاستثمار له عدد من المهتمين به حتى على مستوى الأسواق المتطورة عالميا، إذ إن ذلك يدخل ضمن الاستثمار بما يسمى بالوحدات السكنية منخفضة التكلفة affordable housing، وهذا النوع من الاستثمار يركز على إنشاء الوحدات السكنية بمواد منخفضة التكلفة، وفي الوقت نفسه ذات جودة متوسطة إلى جيدة بحيث تراعي توفير حاجة الأفراد لمنازل منخفضة التكلفة توفر أغلب احتياجات ألف فرد وهذه الوحدات ذات جودة مقبولة.
فالخلاصة أن وجود أزمة اقتصادية في العالم اليوم ينبغي ألا توقف العمل والاستثمار في حاجات المجتمع الأساسية، وأنه حتى مع وجود هذا الركود إلا أن هذه القطاعات ستبقى تحقق شيئا من النمو بسبب حاجة الأفراد المتزايدة لها. كما أن العقار ومن خلال قراءة تاريخية سنجد أنه يحقق نموا على المديين المتوسط والبعيد حتى مع وجود تقلبات اقتصادية.