قاطعوهم.. و (خلوها تكرف)! (2)
بين "الأولوية" و"الثانوية" مساحة تنظير أرحب من كل المرافق الرملية المهملة في أحيائنا بحجة إقامة حديقة! ولن أشارك بهذه الزاوية في إهدار المزيد..! والإخوة الذين قالوا إن الأولوية هي السيارة وإن الحاجة الثانوية هي الخادمة ذهبوا إلى تعميم "فرضي" مرده الأنا و"الحدس الشائع"، ولا يمكن لحدس العموم أن يؤخذ مقياساً ما لم يتم إخضاعه للبحث العلمي، وهذا، حسبما يظن صاحبكم، لن يكون ضمن أولويات وزارة الاقتصاد والتخطيط أو حتى الشؤون الاجتماعية، لذا لن نعول كثيرا على البقاء في منطقة الانتظار!
إلى من يعتقدون أن الأولوية هي السيارة، أقول:
* كيف تكون السيارة أولوية للغالبية وهم قادرون على صيانة ما لديهم والوصول إلى مقاصدهم؟
* كيف لا يكون احتفاظكم بسيارة (شبه) قديمة، وإعراضكم عن شراء جديدة، صنفاً من صنوف المقاطعة؟
* كيف ستكون السيارة أولوية فردية لو أن وزارة النقل وفرت حافلات وقطارات كهربائية لنقلنا ونقل نسائنا وبناتنا؟
من هذا، ننتقل إلى الفرق بين الأولوية والثانوية ومكياليهما، وإلى إخوتي القراء ممن اعتقدوا أن الخادمة أمر ثانوي، أوضح:
من منا قادته الصدفة أو حتى الممارسة اليومية إلى فرصة التحدث إلى متقاعد يعول أكثر من خمسة أطفال أصحاء وطفلة سادسة تعاني من إعاقة قاسية، كلفه الله بشرف رعايتها؟ كل هذا وهو مواطن لا يتجاوز راتب تقاعده الشهري الثلاثة آلاف ريال، ودأب الكهل طوال عام كامل على تجميع ما يكفي لاستقدام خادمة تعين على الاهتمام ببعض الأطفال بـ "التسعيرة" القديمة، وعندما ذهب لتحقيق الحلم، وجد أن ما جمع من مال لا يكفي لاستقدام خادمة "زائرة" بعد أن تضاعف المبلغ في مكاتب الاستقدام!
ترى ما الحل وقد تعذر الوصول إلى مراكز تأهيل لاحتواء ابنته؟
هل هو مطالب باعتبار ما يحصل له مصاباً ثانوياً، والأحرى به أن ينغمس في الانضمام للباحثين عن سيارة جديدة بتصميم حديث؟
ثانياً، إذا اتفقنا مع ما خرجت به الإحصاءات من أن متوسط رواتب الموظفين السعوديين هو 4000 ريال، فكروا ولو للحظات فيمن توفيت زوجته ولديه عدد من الأطفال في سن الحاجة إلى رعاية! هل يحضر زوجة أب على الفور؟ وكم سيكلفه هذا؟ أم هل يفكر فوراً في استقدام خادمة تتولى إطعام الأطفال والاهتمام بهم؟
أعتقد أن الخيار الأخير هو الأنسب، ولكن كيف سيتمكن الرجل وهو موظف بسيط ويسكن في بيت مستأجر من توفير تكاليف الاستقدام المستحدثة؟ وهل يحتمل وضعه أن ينتظر لعام كامل أو أكثر لحين تجميع ما يزيد على العشرة آلاف ريال؟
من ناحيتي، لن أتجنى وأقول إن الرجل يجب أن يفكر جدياً في الخروج من المنزل والانضمام إلى قوافل الاحتجاج على ارتفاع أسعار السيارات بعد أن اكتشف أن "سيور" مراوح سيارته بحاجة إلى تبديل، وأن هذا سيساعده على الخروج من حالته المزاجية الصعبة بسبب ساعات بقائه الطويلة في المنزل ورعاية أطفاله الأيتام!
الآن، أعلم أن السيارة معشوقة أثيرة على قلب الرجل، ولكن هل يعتقد بعضنا أنه تواق إليها أكثر من مواطن يمتهن نقل الخضار من مزارع في القصيم؟ أو مواطن لا دخل مادي لديه سوى من الحافلة التي ينقل عليها المعلمات؟ أعتقد أن هؤلاء هم أكثر من تضرر فعلياً من رفع الأسعار، وأن الفرق سيعطل حياتهم العملية بالكامل، خصوصاً إذا كانت السيارة التي هي مصدر رزقه الوحيد لا تقبل إصلاحاً لأنها "وانيت" موديل 84 أو "فان" (15 راكبا) موديل 88! أليس هذا وذاك هم المتضرر الحقيقي من عدم تخفيض الأسعار؟
لن تسعفني المساحة من جديد، وستكون لنا وقفة ثالثة وأخيرة مع سؤال مهم يقول: (متى نتأهل للمقاطعة؟)