صحتنا بين التسمم والجهات الرقابية

بعد أن ثبت تسمم أنواع من معجون الأسنان جاء الدور على أنواع من الشامبو التي ثبت أيضا احتواؤها على مادة مسرطنة ويبقى الباب مفتوحا أمام تلك الجهود التي تبذلها هيئة الغذاء والدواء لحماية صحة الإنسان للكشف عن أي غذاء أو دواء يمكن أن يكون ضارا بالإنسان ولأن تلك الأنواع التي يفترض عدم دخولها البلاد أصلا موجودة في الأسواق منذ فترة طويلة ولها وكلاء أو موزعون فإن التعامل مع أضرارها يطرح سؤالا مهما حول جدية المساءلة القانونية واقتضاء التعويض المجزي لمن ثبت تضررهم من استعمال تلك المنتجات الضارة بصحة الإنسان ولأن مساءلة الوكيل أو الموزع منفردا وبمعزل عن الجهة المصنعة تبقى غير محققة لغايتها العقابية حيث ينتفي في الغالب ركن الجريمة المعنوي وهو العلم أن المادة المستوردة هي مادة سامة وضارة بصحة الإنسان وهذا احتمال وارد لأن الجهة المصنعة لن تفصح عن محتويات ما تنتجه وترغب في بيعه.
إن السمعة التجارية هي رأس المال الحقيقي ولكن هناك من المنتجين من لا يقيم لهذا المبدأ أي وزن، فالواقع يشهد بتجاوز مصانع الإنتاج في بعض الدول الضوابط الصحية للإنتاج الغذائي البشري وكذلك الدوائي دون تفكير في الضحايا والعواقب الفادحة التي تترتب على إنتاج وتصدير تلك المنتجات الضارة، ولقد سارعت بعض المنظمات الصحية ووسائل الإعلام في دول صناعية إلى التحذير من رداءة صناعة الغذاء والدواء في دول صاعدة تحاول استقطاب مزيد من العملاء والمنافسة على الأسواق بتقديم منتجات ذات سعر منخفض ولكن بجودة منخفضة أحيانا وأحيانا بتجاوز شروط وضوابط الإنتاج للاستعمال البشري، وفي الجانب الآخر هناك من قام بتفسير ذلك بأنه محاولة لإساءة سمعة منتجات منافسة لأغراض تجارية بحتة.
ومن المؤكد أن وجود هيئة الغذاء والدواء سيكون لها الكلمة الفصل في الحكم على سلامة الغذاء والدواء في المملكة، حيث ترتفع عقود الاستيراد ومن مختلف دول العالم، ولأن ما أعلنت عنه الهيئة يعطي الدليل على أن الفحص اللاحق للاستيراد لم يعد مجديا حيث يجب الانتقال إلى الإجراءات الوقائية السابقة فالوقاية خير من العلاج، ويجب عدم أخذ ما قبل إنشاء هيئة الغذاء والدواء على أنه بمثابة سند مشروعية لوجود وبيع تلك المواد الغذائية الضارة بصحة الإنسان لأن الموضوع يتعلق بصحة الإنسان ويرتبط بسلامة أفراد المجتمع إلى تعاون دولي في الدرجة الأولى ومع حكومات الدول المصنعة والتي عرفت بعض منتجات دولها بعدم الاكتراث بالضوابط الصحية.
إن المتتبع لجهود حماية المستهلكين في الدول الصناعية ليذهل للتطور الهائل والسريع والأهمية المتعاظمة التي تحظى بها تلك الحماية، ولقد بلغ تدخل الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ذروته من أجل ضمان سلامة المستهلكين للغذاء والدواء وجميع المنتجات والخدمات، وذلك للمخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها العملية الاستهلاكية في جميع مراحلها أيضاً لأن جماعة المستهلكين تشكل السواد الأعظم في المجتمع فإن الحاجة للحماية تشكل ضرورة ملحة ومطلبا عاماً لا يمكن بأي حال أن يهمل إذ إننا جميعا مستهلكون وكلنا نحتاج إلى الخدمات وشراء السلع وبشكل دوري ومستمر، بل إن الدعاية لا تعطي للمستهلك مجالاً للتفكير في التفريق بين جودة المنتجات، حيث تكرس الدعاية فكرة الثقة والائتمان لكل المنتجين وكل المنتجات.
ولعل التجربة المريرة مع بعض المنتجات الغذائية والدوائية المستوردة من الخارج وما ترتب عليها من أضرار تدفع هيئة الغذاء والدواء إلى أن تخطو خطوات واسعة نحو إعادة النظر في إجراءات حماية المستهلكين وخصوصاً من مخاطر الأغذية والأدوية والمستلزمات الشخصية المستوردة من الخارج التي تشكل بوابة الخطر على المستهلكين، كما أن من المؤمل أن تكون هناك قناة اتصال دولية تتبناها هيئة الغذاء والدواء لتفعيل فكرة حماية المستهلك في المملكة من تجاوز ضوابط وشروط الإنتاج الصحي، فحماية الإنسان أمر لا يمكن التنازل عنه وإن من المؤمل أن ترقى جهود حماية المستهلك في المملكة إلى مستوى حجم العملية الاستهلاكية فيها وإلى مستوى طموحات المستهلكين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي