تعرفة "الكهرباء".. رغبة صريحة في الزيادة

تعرفة "الكهرباء".. رغبة صريحة في الزيادة

أود بداية أن أشكر عبد السلام اليمني نائب رئيس الأول للشركة السعودية للكهرباء على تجاوبه مع الموضوع الذي طرحته من خلال هذا العمود في العدد رقم 5598 بتاريخ 7/2/2009 بعنوان "زيادة رسوم الخدمات.. تلميح ثم تصريح"، والمتعلق بالإعلان الذي نشرته الشركة السعودية للكهرباء في وقت سابق المتضمن تحليلاً لمتوسط نسب استهلاك المشتركين السكنيين، منها أن ما نسبته 36 في المائة من المستهلكين لا يتجاوز متوسط قيمة استهلاكهم الشهري من الكهرباء 50 ريالاً.
وأكد اليمني دقة المعلومات التي حددت بموجبها النسب الظاهرة في الإعلان، على الرغم من عدم منطقيتها بالنسبة لي، خصوصاً إذا ما علمنا أنها تتضمن التعرفة الشهرية الثابتة لقراءة وصيانة العداد وإعداد الفاتورة، وعرض مشكوراً تزويدي بالمعلومات اللازمة للتأكد من صحة هذه البيانات، الذي إن دل على شيء فإنما يدل على المستوى العالي من الشفافية الذي تنتهجه إدارة الشركة، لكنني وأملاً في مزيد من الشفافية في نقل المعلومة، أتمنى من إدارة الشركة نشر هذه المعلومات على موقع الشركة على الإنترنت كي يتسنى لي ولغيري من الباحثين الاستفادة منها في مجالات تتعدى عملية احتساب النسب المشار إليها في الإعلان، إذ إن تلك النسب، إن صحت، تعطي مؤشراً عن نوعية السكن وسوء توزيع الدخل في المملكة، فعلى اعتبار أن مستوى الاستهلاك للكهرباء مرتبط بنوع الوحدة السكنية، فهذه النسب تعني أن نحو 80 في المائة من سكان المملكة، مقيمين ومواطنين، يسكنون في مساكن شعبية وشقق، وما نسبته 36 في المائة يسكنون في مساكن شعبية صغيرة قد لا يتجاوز عدد الغرف فيها الغرفة الواحدة. هذا مع عدم أخذ الأعداد التي لا يصل إليها التيار الكهربائي في القرى والهجر في الحسبان، ومن ثم فإن ذلك يعد مؤشراً خطيراً على انخفاض مستوى المعيشة في المملكة.
لكن ما أسعدني أن خطاب اليمني أكد ما أشرت إليه من أن هدف الشركة السعودية للكهرباء من الإعلان هو الدعوة بشكل ما إلى رفع تعريفة استهلاك الكهرباء حتى ولو لم يكن ذلك في إطار صلاحياتها المباشرة، إذ برر ذلك بالحاجة إلى استثمار ما لا يقل عن 25 مليار ريال سنوياً لمواجهة الطلب المتزايد سنوياً التي ـ حسب قوله (لن تتمكن الشركة من تأمين هذه المبالغ في ظل التعريفة الحالية التي اعتمدت من قبل الدولة عام 1421هـ التي راعت فيها عدم ارتفاع التعرفة على المشتركين السكنيين، ولم يطرأ على هذه التعرفة أي تغيير، على الرغم من الارتفاع الكبير في تكاليف التشغيل والصيانة ومواد صناعة الكهرباء والمشاريع الرأسمالية).
وهذا دعاني إلى البحث في تقارير الشركة المنشورة على موقعها الإلكتروني وآخرها التقرير السنوي عام 2007، الذي أظهر أن الشركة حققت أرباحاً صافية بلغت 1552 مليون ريال عن عام 2007 وبنمو مطرد عن الأعوام السابقة، وهو ما يشير إلى الإدارة الحصيفة لنشاط الشركة، التي حتماً ستعود بالنفع على الوطن والمواطن، وهذا يقودنا إلى التأمل في المبرر الذي ذكره اليمني في خطابه المتعلق "بارتفاع التكاليف"، إذ إن ارتفاع التكاليف يفترض أن يؤثر بشكل كبير في مستوى نمو أرباح الشركة، التي لم يظهر أنها تأثرت بارتفاع التكاليف، بل إنه حسب ما أشار إليه تقرير الشركة، نمت الأرباح في عام 2007 وبشكل يفوق العام الذي قبله. ثم إن اليمني في سياق الإشارة إلى ارتفاع التكاليف، أشار إلى الارتفاع في تكاليف التشغيل وتكاليف الصيانة، لكنه لم يشر إلى التكاليف الإدارية، فهل ظلت التكاليف الإدارية التي من ضمن ما تتضمنه رواتب العاملين في الشركة ثابتة لم تتغير؟
إضافة إلى ذلك، وفي سياق ارتفاع التكاليف نفسه، يشير تقرير الشركة إلى استمرارها في تنفيذ برنامج إيصال الكهرباء للقرى والهجر، على الرغم من عدم جدواه الاقتصادية، إذ يشير بالنص إلى الآتي: (يجد منا إيصال الخدمة الكهربائية للقرى والهجر اهتماماً كبيراً، على الرغم من إدراكنا أن تقديم هذه الخدمة غير ذي جدوى اقتصادية)، فإذا كان تقديم هذه الخدمة غير مجد اقتصادياً، فلماذا تستمر الشركة فيه؟ وإذا كان ذلك من باب المسؤولية الاجتماعية، فمن الأولى للشركة أن تركز على تحقيق الكفاءة لمقابلة الطلب المتزايد الذي سيتطلب استثمارات تقدرها بـ 25 مليار ريال سنوياً. ثم ألا يمكن للشركة أن تعد حصول المواطن على الكهرباء بتكلفة منخفضة من باب المسؤولية الاجتماعية أيضاً؟!
وأتفهم أن الشركة سعياً منها إلى زيادة الكفاءة تحاول أن تدير أمورها بطريقة ربحية، وهذا ما يدعوها إلى المطالبة برفع الأسعار لمواجهة الطلب المقبل، لكن ما لا أستطيع أن أفهمه، ويشاركني فيه الكثير من المواطنين، هو هذا الحجم الكبير من المستحقات التي لم تحصلها الشركة بعد، الذي تجاوز 13 مليار عام 2007، أو ليس الأجدر بالشركة أن تعمل على زيادة كفاءة التحصيل تحقيقاً للعدالة في معاملة المستهلكين بدلاً من تحميل (البعض منهم) تكاليف مشاريعها الاستثمارية المقبلة التي سيستفيد منها جميع المستهلكين؟ فضلاً عن أنه يمكن للشركة عمل الكثير لتخفيض التكاليف وترشيد الاستهلاك وهو ما يمكن ملاحظته في جوانب كثيرة في تقرير الشركة تستحق التوقف عندها.
على سبيل المثال، هذا النمو الكبير في أعداد الشوارع التي تمت إنارتها والبالغ 5.9 في المائة خلال الفترة من 2000 - 2007 ألا يمكن الحد منه لكي يتم تخفيض تكاليف التشغيل؟ أضف إلى ذلك أن تقرير الشركة لم يشر إلى أي تقديرات عن الهدر في الكهرباء والناتج عن استفادة البعض من الخدمة دون الاشتراك فيها، وماذا عملت الشركة للحد منه؟ مع العلم أنه يحدث في كل أنحاء العالم. ثم ألم يمكن للشركة أن توفر قيمة الإعلان الذي نشرته وتستبدله بلقاء أو تصريح لأحد مسؤوليها لتخفف من تكاليفها الإدارية؟!
إن الشركة السعودية للكهرباء تتميز بميزة احتكارية للسوق يفترض أن تمكنها من تحقيق وفورات الحجم Economics of Scale ، التي يمكن أن تخفض من تكاليفها بشكل كبير. كما أن الشركة تحصل من الدولة على قروض حسنة وميسرة الشروط لتمكنها من مواجهة متطلباتها الاستثمارية، وهذا بحد ذاته يفترض أن يكون دافعاً لها لتحقيق أفضل الخدمات وبأقل التكاليف، لكن يبدو أن الشركة تفضل التوجه إلى الخيارات السهلة المتمثلة في رفع التعرفة على القطاع السكني.

الأكثر قراءة