الفرق بين قطع العلاقات الدبلوماسية وتجميدها
وقع في الأسبوع الماضي تصرفان دبلوماسيان من دولتين من دول المغرب العربي, الأول إعلان وزارة الخارجية المغربية أن المملكة المغربية قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران اعتبارا من السبت 7/3/2009, والحدث الثاني إعلان موريتانيا قفل السفارة الإسرائيلية في نواكشوط وطرد الدبلوماسيين الإسرائيليين تنفيذا لقرار تجميد العلاقات الذي اتخذته موريتانيا في 16 كانون الثاني (يناير) 2009 أثناء انعقاد مؤتمر الدوحة الذي دعت إليه قطر إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, والذي حضرته بعض الدول العربية والإسلامية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويثور هنا تساؤل عن الفرق بين قطع العلاقات الدبلوماسية, وهو الإجراء الذي اتخذته المغرب وتجميد هذه العلاقات وهو الإجراء الذي اتخذته موريتانيا.
قبل أن نجيب عن هذا التساؤل لا بد أن نشير في عجالة إلى أن كتب فقه القانون الدولي العام تناولت بالدراسة أحكام وقواعد القانون الدبلوماسي من شتى جوانبه المختلفة إلا أنها ركزت بالتفصيل على قواعد نشوء واستمرار العلاقات الدبلوماسية بين الدول, وتناولت باختصار شديد قطع أو إنهاء هذه العلاقات وما يترتب على ذلك من آثار, ثم أخرج الدكتور أحمد أبو الوفاء محمد أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة القاهرة كتابا عام 1991 (1411هـ) بعنوان "قطع العلاقات الدبلوماسية" مكونا من 231 صفحة تناول فيه هذا الموضوع بالدراسة والتحليل التفصيلي الشامل فسد بذلك نقصا في المكتبة القانونية, وعلى هذا الكتاب نعتمد في تحديد الإطار القانوني لموضوع هذا المقال.
وبادئ ذي بدء نشير إلى أن القانون الدولي العام لا يلزم الدولة بأن تستمر في علاقاتها الدبلوماسية مع دولة أخرى, فلكل دولة الحق في أن تضع في أي وقت حدا لهذه العلاقات بإرادتها المنفردة حتى لو لم تقم الدولة الأخرى بأي اعتداء أو خرق لقاعدة من قواعد القانون الدولي, وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في أحد أحكامها, إذ قالت إنه "لا تلتزم أي دولة بأن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع دولة أخرى" والدولة ليست ملزمة ببيان أسباب قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة أخرى, ولكن جرى العمل على بيان هذه الأسباب. وأسباب قطع العلاقات الدبلوماسية عديدة ومن أبرزها نشوب حرب بين الدولتين, إذ غالبا ما تؤدي الحرب إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول المتحاربة, وقد يكون قطع العلاقات بسبب رد فعل أو إجراء مضاد لانتهاك حق معين مثل تجميد أموال الدولة المودعة في بنوك الدولة الأخرى أو مصادرة أموال رعايا الدولة أو قيام أعضاء البعثة الدبلوماسية بالتجسس في الدولة المعتمدة لديها أو التدخل في شؤونها الداخلية. وقد يكون قطع العلاقات الدولية تطبيقا لمذهب تقرر سلفا ومثاله مذهب هالستين الذي أعلنه هالستين عندما كان وزيرا للخارجية في ألمانيا الاتحادية "الغربية" والقاضي بقطع دولته علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة غير شيوعية تعترف بدولة ألمانيا الشرقية التي نشأت بعد تقسيم ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية لأن ذلك الاعتراف يعد طبقا لهذا المذهب بمثابة إجراء غير ودي ومخالف للمصالح الحيوية للشعب الألماني. كذلك قيام المغرب بقطع علاقاته الدبلوماسية مع يوغسلافيا عام 1984 على أثر اعتراف هذه الأخيرة بالجمهورية العربية الصحراوية. وقد يكون قطع العلاقات الدبلوماسية تنفيذا لقرار منظمة دولية اتخذته كجزاء ضد الدولة المطلوب قطع العلاقات معها, ومثاله قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1962 المتضمن التوصية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة جنوب إفريقيا إبان خضوعها لحكم الأقلية البيضاء, وذلك كرد فعل على سياسة التمييز العنصري التي كانت تطبقها حكومة تلك الدولة آنذاك. وقد يكون قطع هذه العلاقات علامة من علامات التضامن مع دولة أو دول أخرى ومثال ذلك أنه في الفترة ما بين 21 أيلول (سبتمبر) و8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1973 قامت 20 دولة إفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل تضامنا مع الدول العربية الساعية إلى تحرير أراضيها التي احتلتها إسرائيل في حرب سنة 1967.
ويترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية إنهاؤها وبالتالي تتوقف تماما القنوات العادية للاتصال بين الدول المعنية ومن ثم يتم إغلاق السفارات والبعثات الدبلوماسية للدولتين المعنيتين واستدعاء أعضاء تلك البعثات.
أما تجميد العلاقات الدبلوماسية فإنه يعني وقف أو تعليق هذه العلاقات SUSPENSION, فالوقف لا يضع حدا نهائيا لهذه العلاقات وإنما هو انقطاع مؤقت وعارض للعلاقات الدبلوماسية لا يصل إلى حد القطع النهائي لها, فضلا عن ذلك ففي حالة قطع العلاقات الدبلوماسية فإنه لا يمكن استئنافها إلا بموجب اتفاق جديد بين الدولتين المعنيتين بينما لا يشترط ذلك في حالة الوقف, كما أنه لا يشترط في حالة استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد وقفها إصدار خطابات اعتماد جديدة.
ويترتب على قطع أو وقف العلاقات الدبلوماسية آثار قانونية عديدة يضيق المجال هنا عن سردها ونكتفي بالإشارة إلى وضع مقار البعثات الدبلوماسية, حيث نصت المادة 45 من اتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات والحصانات الدبلوماسية على ما يلي:
"في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين, أو إذا تم استدعاء البعثة بصفة نهائية أو مؤقتة:
1 ـ تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حالة النزاع المسلح باحترام وحماية مقار البعثة وكذلك أموالها ومحفوظاتها.
2 ـ يمكن للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مقار البعثة وكذلك الأموال الموجودة فيها ومحفوظاتها إلى دولة ثالثة تكون مقبولة من جانب الدولة المعتمد لديها.
3 ـ يمكن للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح رعاياها إلى دولة ثالثة تكون مقبولة من جانب الدولة المعتمد لديها".
بعد هذا الاستعراض السريع لبعض ملامح مفهوم قطع العلاقات الدبلوماسية ووقفها, نعود إلى موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران حيث حدد المغرب أسباب قطع هذه العلاقات فيما يلي:
1 ـ رد الفعل الإيراني غير اللائق دبلوماسيا حيال موقف المغرب المتضامن مع البحرين ضد التصريحات الإيرانية التي تمس عروبة البحرين وسيادتها واستقلالها, إذ بثت وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية بيانا تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب. ولقد اتخذ المغرب قرار قطع علاقاته مع إيران بعد تسعة أيام من استدعائه القائم بأعمال سفارته بالوكالة في طهران للتشاور بهدف الاحتجاج على "عبارات غير مناسبة" لإيران بشأن دعم الرباط للبحرين, كما أبلغ وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري السفير الإيراني في الرباط وحيد أحمدي أن دعم البحرين يستند إلى التزام المغرب بالقانون الدولي.
وجاء في بيان للخارجية المغربية أن "المملكة طلبت كذلك توضيحات من السلطات الإيرانية التي سمحت لنفسها بالتعامل بطريقة متفردة وغير ودية, ونشر بيان تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب إثر تضامنه مع البحرين, على غرار عديد من الدول بشأن رفض المساس بسيادة هذا البلد ووحدته الترابية".
وتابع "بعد انقضاء أجل أسبوع لم تتوصل المغرب إلى أي تفسير عن هذه التصرفات".
2 ـ السبب الثاني سعي إيران إلى نشر مذهبها الشيعي في المغرب والإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمغرب والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي.
3 ـ ويوجد سبب ثالث لم يرد ذكره في البيان الرسمي المغربي وأشار إليه بعض المحللين السياسيين وهو استمرار تأييد إيران لجبهة البوليساريو على الرغم من تعهدها عام 2002 بإغلاق مكتب ممثلية هذه الجبهة في طهران إلا أنها لم تسحب أو تجمد اعترافها بالجمهورية الصحراوية, وأن إيران قايضت سحب الاعتراف بهذه الجمهورية بإعلان المغرب موقفا مساندا لها بشأن قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران منذ عام 1971, وأن المغرب رفض هذا الابتزاز الإيراني.
أما أسباب قرار موريتانيا تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل, فهي كما سلف القول تنحصر في التضامن مع الشعب الفلسطيني إزاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الذي بدأ في يوم 29/12/2008. وجدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين نشأت في أعقاب "اتفاق واشنطن" الذي وقعه في تشرين الأول (أكتوبر) 1999 وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي مع وزير الخارجية الموريتاني أحمد سيدي أحمد في عهد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع.
ووصفت أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هذا الاتفاق بأنه "دليل على بداية عهد جديد من السلام بين العرب وإسرائيل". وواقع الحال يؤكد أن هذا السلام ما زال سرابا, كما أن موريتانيا قد خاب أملها في أن تؤدي هذه العلاقات إلى تدفق الاستثمارات الأمريكية والإسرائيلية إليها ولم تحصد موريتانيا من هذه العلاقات شيئا ذا بال, ولعل أكبر منجزات هذه العلاقة بعثة طبية أوفدتها إسرائيل واقتصر نشاطها على عيادة عيون وقيل في حينه إن الطبيبين فيها كانا يختبران أدوية إسرائيلية. والواقع أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كان مطلبا ملحا للشعب الموريتاني, الذي رفض إقامة هذه العلاقات وظلت غالبية أحزابه ومنظماته المدنية تطالب في كل مناسبة بإنهاء هذه العلاقات, بل وصل الأمر إلى حد أنه في يوم الجمعة 1/2/2008 أطلقت مجموعة مسلحة النار في اتجاه مبنى السفارة الإسرائيلية في نواكشوط, ولذلك فقد كان طبيعيا أن ترحب تلك الأحزاب والمنظمات المدنية الموريتانية بتجميد هذه العلاقات واعتبرتها خطوة مهمة إلا أنها غير كافية ولا بد أن يتبعها قطع نهائي لهذه العلاقات ومنع أي مسعى لاستئنافها من جديد.