أسباب اقتصادية وأمنية لإلغاء التجوال الدولي المجاني
تنبع أهمية الرأي الذي أقدمه ويقدمه زملائي الكتاب على صفحات "الاقتصادية" من خلال تلمسه القضايا العامة التي تهم المواطن، وإحدى الوسائل لتحقيق ذلك، متابعة السياسات العامة التي تصدرها المؤسسات الحكومية وإبراز إما الجوانب الإيجابية لتلك السياسات ودعمها، وإما نقدها بإبراز جوانبها السلبية لنخدم المواطن بالدرجة الأولى، وثانياً المسؤول الذي سيستفيد بشكل مباشر من هذا النقد في تصحيح مسار المؤسسة الحكومية التي يقودها.
لذلك، فإن المسؤول الحريص على تحقيق الكفاءة في إدارة مؤسسته الحكومية، يهتم بمتابعة ما ينشر عنها بشكل يومي في الصحافة وتوضيح أي لبس يتعلق بفهم أي سياسة تم اتباعها أو التحقق من أي قصور في عمل مؤسسته الحكومية. وهذا النوع من التواصل الإيجابي بين المسؤول والإعلام سينعكس بشكل مباشر على الخدمات المقدمة للمواطن وفي تقدم الوطن.
وقد تلقيت اتصالا من الدكتور عبد الرحمن الجعفري محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بخصوص مقال الأسبوع الماضي المتعلق بتبني بعض الهيئات والأجهزة الحكومية سياسات تؤدي إلى تقويض المنافسة العامة في الاقتصاد، وقدمت فيه قيام هيئة الاتصالات بمنع خدمة التجوال الدولي المجاني مثالاً على هذه السياسة.
وتشرفت بإيضاح تفصيلي منه للأسباب والخلفيات التي أدت إلى اتخاذ الهيئة لذلك القرار والذي إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه على متابعة كل ما يطرح عن الهيئة. كما أكد الدكتور الجعفري أن الهيئة تعامل الجميع معاملة واحدة لا محاباة فيها لأحد، بل إنها – أي الهيئة تحرص على ألا يؤدي وضع شركة الاتصالات السعودية كمشغل رئيس إلى التأثير في وضع الشركات الأخرى.
إضافة إلى ذلك، أكد محافظ الهيئة أن وضع هيئة الاتصالات كمنظم لقطاع الاتصالات في المملكة يفرض عليها العمل على تحقيق المنافسة العادلة بين جميع المشغلين مع مراعاة الجوانب القانونية والأمنية والتأثيرات الجانبية الأخرى لأي قرار سيتم اتخاذه. لذلك – وحسب الدكتور الجعفري – فإن الهيئة تخضع جميع القرارات التي تتخذها للدراسة الدقيقة للحد من الآثار السلبية لأي قرار يتم اتخاذه.
وقد بين الدكتور عبد الرحمن الجعفري السبب الرئيسي وراء قيام الهيئة بمنع مجانية خدمة التجوال الدولي المتمثل في أن ذلك سيخلق حافزاً لدى الكثير من المستهلكين للحصول على الخدمة من خارج المملكة ومن ثم استخدامها في الداخل مما سيكون له عدد من الآثار السلبية على المشغلين المحليين، إضافة إلى الآثار الأمنية التي يمكن أن تترتب على ذلك.
فبحكم وجود عدد كبير من المقيمين داخل المملكة، فإن تقديم خدمة التجوال الدولي المجاني يعني أن المستهلك سيدفع فقط قيمة المكالمة المحلية. وعلى هذا الأساس، فإذا كانت تكلفة المكالمة المحلية في السوق السعودية أعلى من تكلفة المكالمة المحلية في أي دولة أخرى يتوافر فيها التجوال المجاني، فإن ذلك سيعني أنه من مصلحة المستهلك الحصول على الخدمة من تلك الدولة واستخدامها داخل المملكة.
وهذا بدوره سيخلق سوقاً رائجة داخل المملكة لبطاقات المشغلين من الأسواق الأخرى لما سيحققه ذلك من ربحية مباشرة للمتاجرين فيها، في حين سيؤدي ذلك إلى التأثير في نشاط المشغلين داخل المملكة ومن ضمنهم الشركات التي قدمت الخدمة. خصوصاً أن تلك الشركات مملوكة لمساهمين من داخل المملكة ومن ثم فلو كانت هناك فائدة ستحصل عليها الشركة الأم المشغلة، إلا أن المشغل المحلي سيتأثر بشكل سلبي ومن ثم سينعكس ذلك التأثير على حقوق المساهمين المحليين في تلك الشركة.
إضافة إلى ذلك – وحسب الدكتور الجعفري – فإن لتقديم خدمة التجوال المجاني آثاراً أمنية يصعب تفاديها. إذ إن استخدام أشخاص داخل المملكة لبطاقات مصدرة من خارجها يجعل من الصعوبة بمكان معرفة مصدر تلك البطاقات مما يخلق فجوة أمنية يصعب تجنبها. لكني لا أعتقد أن الجانب الأمني لخدمة التجوال المجاني يختلف عنه في استخدام خدمة التجوال غير المجاني، إلا إذا كان الدكتور الجعفري يقصد أن توفير الخدمة بشكل مجاني سيوسع من عملية استخدامها ومن ثم سيجعل من الصعوبة بمكان ضبطها أمنياً.
وأخيراً، فقد رأيت أنه من حق القارئ الكريم الاطلاع على ما دار من حوار معه، كما أنه من حق الهيئة عرض وجهة نظرها حول الموضوع لكي تتضح الصورة عن الأسباب الاقتصادية والأمنية لإلغاء الهيئة مجانية خدمة التجوال الدولي واقتصارها على حق المشغل في منح تخفيض لا يتجاوز 50 في المائة من تكلفة المكالمة.