ديناميكية المملكة في التفاعُل مع المُتغيرات الاقتصادية الدولية!!

عظيمةٌ هي الأمة برجالها المخلصين الذين لا يألون جهداً في تسخير إمكاناتهم وقدراتهم لخدمة أمتهم، وعظيمةٌ هي الحكومة التي تتعامل مع المُستجدات الدولية بكل واقعية وتعمل على تسخيرها لخدمة شعبها وتحقيق مصالحها. ما إن بدأت المملكة خطواتها الجريئة في مسيرة الإصلاح التنموي الشامل خلال العقد الأخير من هذا القرن عن طريق توفير الفُرص اليانعة للمستثمرين الوطني والأجنبي وتهيئة الفرص المناسبة، وذلك بسن القوانين والأنظمة وإنشاء المجالس والهيئات التي تبعث على الطمأنينة وتُشيع جو الشفافية، حتى نما الاقتصاد الوطني بمعدلات فاقت 6 في المائة باستثناء هذا العام، وتحسن أداء المؤشرات الاقتصادية عامة، حيث استطاعت المملكة التغلب على عقبة كؤود وهي الدين العام الذي تراجع إلى مستويات قياسية، حيث لم يتبق منه إلا النزر البسيط والمُقدر بحدود الـ 18 - 20 في المائة من إجمالي الناتج الوطني الإجمالي. لا شك أن المملكة تتمتع بثقة وسمعة عالية مكنتها من القيام بدور ريادي مبني على المصالح المشتركة وروابط الأخوة والإنسانية، ويأتي هذا تتويجا لجهودها الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي فالمملكة قلب العالم الإسلامي النابض ومركز الثقل في العالم العربي، فهي وبإمكاناتها الدينية، السياسية، والاقتصادية لها تأثير نافذ، ناهيك عن مكانتها في السوق البترولية الدولية كأكبر احتياطي عالمي، 25 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف، ودورها الإقليمي والدولي في الأسواق المالية العالمية. من الثابت أن القيادة الحكيمة تدعو إلى تضافر الجهود الدولية بأبعادها كافة لخدمة الإنسانية جمعاء في أي زمان ومكان، ولا يفوتنا مشاركتها ودعمها السخي بالأقطار كافة بمساهماتها في الصناديق العربية والدولية كافة ودعمها المنظمات الإقليمية والدولية كافة أما مشاركة المملكة في القمم العالمية فما هي إلا تعبير عن حجم الدور الذي تلعبه المملكة اقتصاديا وسياسيا وعن امتنان المنظومة الدولية لما قامت وتقوم به من جهود على الساحتين العربية والدولية ما رسخ لها موطئ قدم على الساحة الاقتصادية والمالية العالمية، وأصبح ولله الحمد لها مكانة مرموقة في مختلف المجالات والهيئات والمنظمات الدولية.
ومن المعروف ضمن هذا السياق أن العالم مر ويمر بفترات عصيبة، وقد كان لنا نصيب من ويلاتها فبدايةً من حربي الخليج الأولى والثانية مروراً بالأوضاع الصعبة في دول الجوار، وما نتج عنها من مصاعب مالية جمة جراء القلاقل والحروب وانخفاض عوائد النفط وانتهاء بالأزمة المالية العالمية التي لا تزال تُلقي بتبعاتها على دول المنطقة والعالم بأسره. لقد خضع العالم لتداعياتها وبحث عمن يسنده ويقف بجانبه ممن هو على مستوى المسؤولية والملاءة المالية، فكان للمملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، شرف حضور قمتي الـ 20 اللتين عُقدتا في واشنطن ولندن لدراسة تداعيات الأزمة المالية العالمية الطاحنة التي ضربت الاقتصاد العالمي برمته، حيث نُوقشت فيها الأسباب بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة، حيث أبدت المملكة مرئياتها باعتبارها ممثلاً للاقتصادات الخليجية والعربية والإسلامية حيال هذه الأزمة وكيفية علاجها بما فيها صياغة نظام مالي دولي جديد تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، الصين، الهند، وبقية الدول المؤثرة على الساحة الاقتصادية الدولية ومن ضمنها المملكة بما تملكه من ثقل اقتصادي عالمي، وبما هو معروف عنها من اعتدال في المواقف الإقليمية والدولية، خاصة في ظل الارتفاعات الحادة في أسعار النفط حيث نادت المملكة ولا تزال بأن تكون الأسعار عادلة، وبما يُحقق أهداف المنتجين والمستهلكين، وجاهزيتها للمساهمة ماليا وحسبما تراه مناسبا حسب إمكاناتها ومصالحها.
من المعلوم وجود فرصة سانحة للدول الخليجية مجتمعة وعلى رأسها المملكة للصعود لمنبر العالمية من خلال تشكيل كيان كبير ذي نفوذ عالمي، مستندا إلى قاعدة اقتصادية ومالية صلبة وفرض نفسه على المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمشاركة في صنع قراراتهما مقابل المساهمة في التخفيف من آثار هذه الأزمة العالمية.
من المؤكد أن الأزمة المالية العالمية شكلت المحور الرئيس للاهتمام الدولي عن طريق وضع تصورات للخروج منها وذلك بدعم المؤسسات المالية الدولية ومعالجة مواطن الخلل والضعف في النظام النقدي الدولي في إطار ما حددته كثير من الدراسات التي ركزت على توسيع الحدود التنظيمية والرقابة على الأنشطة الاقتصادية والنقدية وليس على المؤسسات، ضبط إيقاع السوق وخاصة المؤسسات التي تتولى تقدير المخاطر، وتوفير المعلومات عن كل الأنشطة المالية والاقتصادية وما يتعلق منها بالمشتقات المالية، وكذلك زيادة التعاون على المستوى المعلوماتي من خلال المؤسسات المالية الدولية. من هذه الرؤية، المملكة تُشدد على الأهمية الارتكازية للتفاؤل كمخرج من هذه الأزمة لأن التشاؤم سيخلق جوا من عدم الثقة وسيجعل الأزمة تلقي بمزيد من الظلال على الأسواق العالمية، وبإذن الله خلال عام 2010 ستؤتي كثير من السياسات الإنفاقية، الرقابية، والتنظيمية ثمارها، وسينعكس إيجاباً على الاقتصادات العالمية، خاصة أن الدول غدت مقتنعة بأهمية التعاون الدولي دون استثناء، صغيرها وكبيرها، غنيها وفقيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي