نصيحة إلى طلاب الثانوية
تهتم الثانويات والجامعات في الغرب بالإشراف الأكاديمي لدرجة أنها تخصص مشرفين متخصصين لمساعدة الطلاب على اختيار التخصصات المناسبة، ثم متابعتهم للتأكد من اختيار الخطوات المناسبة للوصول إلى الهدف المنشود. ثم تقوم الجامعة في مرحلة متقدمة بربط الطالب بمكتب خاص بالتوظيف تابع للجامعة مهمته مساعدة الطالب وإعداده للمقابلات مع الشركات والدوائر الحكومية وغيرها، وعقد مهرجانات هدفها اللقاء المباشر بين ممثلي التوظيف في الشركات والطلاب. وذهب عدد من الجامعات إلى أبعد من ذلك، حيث خصصوا لكل أستاذ عددا من الطلاب يشرف عليهم خلال دراستهم الجامعية، كما تم الربط بين خريجين سابقين أصبحوا قادة في مجالاتهم وبين الطلاب الذين ينتمون إلى قراهم ومدنهم. النتائج كانت مبهرة لدرجة أن درجة التوظيف بلغت 100 في المائة من الخريجين في عدد من الكليات، علما بأن البيانات تشير إلى أن جزءا لا بأس به يستقل بأعماله الخاصة خلال السنوات العشر الأولى من التخرج. وأضافت بعض الجامعات أشياء أخرى تعزز من قدرة الخريجين على الحصول على وظائف والترقي بسرعة، كما تعزز قدرتهم على تأسيس شركاتهم الخاصة, منها اعتماد الكتابة جزءاً أساسياً من كل مادة مهما كانت، وإدخال خطط تأسيس الشركات والمؤسسات في أغلب المواد، بما فيها المواد الهندسية والصناعية وغيرها من المواد العلمية.
لا شك أن كل جملة مما سبق تحتاج إلى مقال منفصل لشرحها، ومقال آخر للتعليق عليها، إلا أننا لسنا في صدد وضع خطة تعليمية هنا. السؤال الذي يطرح نفسه في بلادنا هو: كيف يمكن لطالب الثانوية، أو طالب جامعة في السنة الأولى، أن يسلك المسار الصحيح في ظل أنظمة تعليمية تفتقد كل ما سبق؟ فيما يلي بعض الأفكار التي استقيتها من خلال تجربتي الخاصة بعد المشاركة في إنشاء بعض البرامج المذكورة أعلاه في بعض الجامعات الأمريكية:
اختيار مهنة عالمية
على الطالب أن يختار تخصصا "عالمياً" ومهنة "عالمية" تتناسب مع عصر العولمة. أهم المهن في هذا المجال هي المهن "المعرفية" التي تعتمد على ثورة المعلومات (الهندسات) وثورة الجينات (العلوم الطبيعية والطب) لأن المستقبل هو للشركات والدول التي تملك تكنولوجيا المعرفة. هذا يعني تحول سوق العمل بالنسبة لهذا الطالب من سوق محلي يقتصر على مدينة أو دولة إلى سوق عالمي. فسوق العمل لا يقتصر على مدينة الرياض مثلاً، بل يشمل كثيراً من المدن والعواصم العالمية. يترتب على هذا الخيار ما يلي:
* اختيار تخصص مطلوب عالمياً.
* المنافسة مع خريجين من مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يتطلب الإبداع في مجال التخصص، ضرورة تعلم اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثاً والتفوق فيهما لأنها اللغة العالمية الآن، وتحسين المستوى العلمي والمعرفي.
* احتمال التنقل والسفر والعيش في بلاد غير البلد الأم.
* من أهم منافع "المهنة العالمية" أن هناك فرصا توظيفية أوسع بكثير من الفرص في البلد الأم برواتب قد تبلغ أضعاف الرواتب والمزايا في البلد الأم. وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أنه يمكن لهذا الشخص "العالمي" أن يعمل في بلده الأم بالرواتب والمزايا العالمية، إلا أن الرؤية "العالمية" في البداية هي السر للوصول إلى هذا المستوى.
العلوم الشرعية والاجتماعية توفر فرصاً عالمية أيضاً
على الطلاب الذين يصرون على أنه لا قدرة لهم على الرياضيات والفيزياء والكيمياء أن يعيدوا تمركز تخصصهم ضمن الفكرة السابقة: كيف يمكن الاستفادة من هذا التخصص عالمياً؟ إن المهن العالمية برواتب عالمية لا تقتصر على المتخصصين في تكنولوجيا المعرفة، ولكنها تغطي كل شيء طالما أن الرؤية معروفة وواضحة. فيمكن لمتخصص في العلوم الشرعية أن يدرّس في جامعة أمريكية أو أن يعمل مستشاراً لمؤسسة مالية في بريطانيا .. هذا أيضاً من ضمن "اقتصاد المعرفة". ويمكن لمتخصص في اللغة العربية أن يعمل في جامعة كندية أو مستشاراً لشركة يابانية تنتج الحواسيب .. وهذا أيضاً يقع ضمن "تكنولوجيا المعلومات" و"اقتصاد المعرفة". ويمكن لمحام أن يعمل مستشاراً للعديد من الشركات والحكومات للتأكد من مناسبة العقود لقوانين الدول المختلفة، بما في ذلك قوانين البلد الأم. والأمر نفسه ينطبق على خريجي الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا وغيرها. الرابط الأساس بين كل هذه المهن هو الرؤية العالمية للحياة، واللغة العالمية: الإنجليزية.
لا بد من إتقان اللغة العربية
إن النجاح في المستقبل يتطلب أن يكون الطالب "عالمياً" على مستوى الدراسة والمهارات وذا رؤية عالمية بالنسبة لنموه الشخصي، وأن يكون بارعاً في اللغة الإنجليزية. لكن تجربتي الشخصية أثبتت أن جزءاً من هذا النجاح يعتمد أيضاً على البراعة في اللغة الأم والثقافة الأم. فالشركات العالمية تحاول توظيف مواطنين برواتب ومزايا عالمية، ليس فقط لأنهم يتكلمون الإنجليزية أو لديهم مهارات تقنية معينة، وإنما أيضاً لإتقانهم اللغة الأم وفهمهم الثقافة المحلية. إذا كان تعلم اللغات الأجنبية يوسع الإدراك، فإنه من الأولى تعلم اللغة الأم. ولدي الكثير من الأمثلة التي توضح كيف فشل الكثير من العرب الأمريكيين في الحصول على وظائف كبيرة في البلاد العربية، أو الاستمرار فيها، بسبب ضعفهم في اللغة العربية أو عدم فهمهم الثقافة العربية بسبب نشأتهم الغربية. إن فشل الحكومة الأمريكية في ملء آلاف الوظائف في قطاعات مختلفة يعود إلى عدم وجود أعداد كافية ممن يتقنون اللغتين العربية والإنجليزية معاً، رغم وجود الملايين من العرب الأمريكيين.
دور جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
نظرة سريعة لرؤية واستراتيجية هذه الجامعة توضح أنها ستمكن طلابها من تطوير مهارات عالمية تؤهلهم للعمل في أي مكان، وقيادة شركات عالمية مهما كانت جنسيتها، خاصة أنها تعتمد على بناء اقتصاد معرفي يستمد قوته من الثورتين: ثورة المعلومات وثورة الجينات. وتوضح إعلانات الجامعة التي نشرت في الصحف أن هدفها هو التمركز ضمن أشهر الجامعات في العالم. لهذا فإن تطوير مهارات الطلاب في هذه الجامعة يعني بالضرورة أن يحصل هؤلاء الطلاب على وظائف قيّمة ذات مرتبات عالية ومزايا ممتازة لسبب بسيط وهو أنه يمكنهم المنافسة عالميا، وبالتالي يمكنهم العمل في أي مكان. نتيجة لذلك، فإن وفاء الجامعة بالتزاماتها تجاه الطلاب لا يعني بالضرورة أن يؤثر ذلك إيجابياً في الاقتصاد السعودي إلا إذا ارتقى القطاع الخاص لمستوى هؤلاء الخريجين وأتاح لهم فرصاً وظيفية تماثل ما يمكن أن يحصل عليه هؤلاء الطلاب في بلاد أخرى أو ما تعرضه عليهم الشركات الأجنبية العاملة في المنطقة. باختصار، ستسهم الجامعة في رفاهية خريجيها بسبب قدرتهم على المنافسة عالمياً.
عزيزي الطالب، سر نجاحك يكمن في أمرين: النظرة العالمية وتعلم اللغة الإنجليزية. البديل هو "كرتونة" على الحائط ووظيفة براتب منخفض تجعلك محبطاً مدى الحياة. من الممكن لأي شخص أن يحصل على وظيفة، ولكن فجوة الدخل بين من ينافس عالمياً وبين من ينافس محلياً من حملة الشهادة نفسها سيكون كبيراً لدرجة أن زكاة أموال الأول ستكون أعلى من دخل الثاني!