شارع الخزان.. قصة عمرها 50 عاما لا يعرفها إلا القليلون !
يعد شارع الخزان من أقدم شوارع مدينة الرياض الذي يضم بين جنبيه العديد من القصص والأحداث التاريخية التي اندثرت مع الماضي، وبقيت محفوظة في ذاكرة أبنائه، وبين أزقة المباني، فعندما تتجول في الشارع ترى عشرات المباني التي يذكر منظرها الخارجي وطريقة تصميمها ببداية النهضة العمرانية في المملكة التي بدأت منذ عشرات السنين، وكما يبلغ عدد مباني الشارع نحو 68 مبنى، كما يوجد مسجد الجوهرة الذي بني منذ عقود ماضية وظل يتطور مع الزمن بكل خطوة، وشارع الخزان في السابق كان يقطنه كبار شخصيات البلد آنذاك.
"الاقتصادية" تجولت ميدانياً في الشارع وتعرفت على قصته التي يجهلها الكثيرون.
يتميز شارع الخزان الذي يتجاوز عمره نصف قرن، بالكثير من الخصائص، لعل من أبرزها المباني التاريخية، كعمارة "الباخرة"، التي أنشئت منذ أكثر من ربع قرن لتعكس الفن المعماري المتميز، بمحاكاتها شكل باخرة في الصحراء. أما تصميم المحال التجارية، والطرق البدائية في عرض البضائع، فتشكل عامل تميز آخر، يشعر المار بالحنين إلى الماضي، والعودة إلى الوراء 25 عاما، وتصل في مجملها إلى 322 محلا.
وتتعدد جنسيات قاطني شارع الخزان من الوافدين، إذ تغلب عليه الجنسيات المصرية، السورية، واليمنية، وعندما يتجول الزائر في الشارع فكأنه يرى شعوب العالم العربي بأكملها موجودة فيه.
ويشد الانتباه محل لبيع المواد الغذائية في شارع الخزان، لا يبيع إلا البضائع المصرية، والعاملون فيه، هم أيضا مصريون، فضلا عن أن نوعية المواد الغذائية الموجودة فيه، لا توجد في أي محل آخر في الرياض، مما يجعل المصريين يتسابقون إليه بشكل كبير، إذ يلبي حاجياتهم الخاصة.
وبالتأكيد فإن معظم زبائنه من الجنسية المصرية، أو من عشاق الأغذية المصرية عموما، وهذا ما يلاحظه المتجول في الشارع، إذ يجيب صاحب المحل ، بأن فكرته جاءت متوافقة مع جنسية قاطني منطقة شارع الخزان الذين تغلب عليهم الجنسية المصرية، بحيث يوفر لهم المحل مختلف المنتجات المصرية من المواد الغذائية التي يحتاجون إليها، ويشير صاحب المحل إلى أن زبائنه المصريين يتوافدون من جميع أنحاء الرياض، ما يؤكد نجاح الفكرة والأرباح الكبيرة التي يجنيها المحل.
فهد الشويرخ أحد كبار السن، تحدث عن قصة الشارع والحقبة الزمنية التي مرت عليه، وكان في طريقة إلى بيته الذي يبعد بضعة أمتار عن مسجد الجوهرة، أحد معالم الشارع، وقال"انتقلت إلى شارع الخزان مع أسرتي منذ أكثر من 40 عاما وكان شارع الخزان في وقتها لا يسكنه إلا الأمراء وكبار الشخصيات في البلد، فكان شارعا مشهورا بالقصور، وأيضا كان الناس قليلين في وقتها، فقد كان مكان العمائر السكنية الموجودة حاليا، قصور ومباني حكومية، وعلى ما اعتقد أن آخر من ترك شارع الخزان من الأسرة الحاكمة هي الأميرة العنود بنت عبد العزيز منذ أكثر من ربع قرن، مضيفا أن الملك فيصل رحمه الله كان يأتي إلى الشارع لزيارة أخته العنود وقتها", وأوضح الشويرخ أن سبب تسمية الشارع بهذا الاسم يعود إلى خزانات كبيرة وقديمة موجودة في نهاية الشارع من جهة الغرب، كانت تغذي سكان مدينة الرياض بالمياه، نافيا أن تكون التسمية كما يفهم البعض اليوم نسبة لبرج المياه، أحد معالم مدينة الرياض المعروف، الذي يقع بالقرب من الشارع، وذكر الشويرخ أن شارع الخزان قد سُمِّي في وقت ماضي بشارع الباخرة، نسبة إلى إنشاء عمارة الباخرة منذ أكثر من 30 عاما، إلا أن تلك التسمية لم تدم طويلا، إذ رجع إليه اسمه القديم "الخزان"، لاعتياد الناس على تسميته بهذا الاسم, ويضيف الشويرخ أن من أبرز المباني القديمة في الشارع هو مسجد الجوهرة، وقال "أذكر عندما انتقلنا إلى شارع الخزان، أن مسجد الجوهرة كان مشيدا من الطين، قبل أن يعاد بنائه على الطراز الحديث، والذي يستوعب حاليا الكثير من المصلين بخلاف حجمه في السابق، إذ كان صغيرا وكنا نصلي أحيانا خارجه لضيق حجمه".
وتطرق الشويرخ إلى المنشآت الترفيهية في الشارع، مشيرا إلى حديقة كانت تسمى "الفوطة"، موضحا أن هذا الاسم أطلقه عليها مهندس سوري فسميت الحديقة "الغوطة"، نسبة إلى منطقة الغوطة في بلاد الشام وهي منطقه مشهورة بخضرتها ومياهها ومناظرها الخلابة، فأصبح القارىء للاسم يغير حرف الغين إلى الفاء فتغير اسمها مع الزمن، فأصبح يطلق عليها اسم "الفوطة" بدل "الغوطة"، وهذه الحديقة هي أول حديقة في مدينة الرياض وكانت مشهورة بخضرتها والمسطحات الخضراء الموجودة فيها، وحاليا قامت أمانة مدينة الرياض بإعادة استصلاح وتطوير وتأهيل الحديقة.
وتطرق الشويرخ إلى أهم المنشآت الرياضية الموجودة آنذاك في الشارع فقال "من أهم المنشآت الرياضية، التي كانت في شارع الخزان ناديان لفريقين عريقين في المملكة، وهما ناديا الهلال والنصر السعودي، فقد كان مقرا الناديين فيما مضى في شارع الخزان، حيث يقع الهلال في الجهة الغربية من الشارع، والنصر في الجهة الجنوبية منه، فكان الشباب في وقتنا يحبون الشارع، وكذلك زادت شهرته لوجود الأندية الرياضية فيه, وكان "الخزان" أيضا يعتبر نهاية المدينة السكنية للرياض تقريبا، فلقد كانت مدينة الرياض في السابق صغيرة، فكل ما تراه من تطورات لا يتجاوز عمره 30 عاما تقريباً، ولله الحمد، حتى في وقتها كان الذي يذهب إلى شارع "إنكاس" خالد بن الوليد حاليا، والموجود في حي الروضة، كان بمثابة الذاهب في رحلة برية لبعده عن الرياض المدينة حينها.
وأشار الشيخ الشويرخ إلى أن سكان الرياض كانوا يذهبون في السابق إلى التنزه، وينصبون خيامهم هنالك, ويحكي الشويرخ قصة طريق الملك فهد الذي يقسم شارع الخزان إلى قسمين، فيقول "لقد كان في طريق الملك فهد نفسه مجرى للأمطار والسيول من الشمال باتجاه الجنوب، مبينا أن الدولة حينها ثمنت بعض البيوت، تمهيدا لإنشاء مشروع طريق الملك فهد.
ويقول الشويرخ "أذكر وقتها عندما بدأوا وضع الآلات وأحضروا الأسفلت، فظننا قلنا أن الحكومة ستنشئ مطارا هنا، لضخامة المشروع فقد كان عرض الأسفلت أكثر من 100 متر، ومنذ ذلك الوقت والدولة تسعى وتجتهد لتطوير مدينة الرياض وغيرها من مدن المملكة, فكوني من أحد الناس الذين عايشوا المملكة قديما وحديثا، ألمس تغيرا كبيرا، وقد لا يصدق من لم يعش في هذه الحقبة، أن المملكة وخاصة الرياض ستصبح من أوائل الدول، تقدما وتحقق تقدمها في وقت قياسي، فهذه نعمة من الله بها علينا، فالشكر لله"
وتحدث حمد الفهاد مدير قسم التأجير في "أبراج الخالدية"، ثالث معالم الرياض المعمارية بعد المملكة والفيصلية، وتقع في نهاية شارع الخزان من الجهة الشرقية، فأشار إلى أن "الأبراج" بنيت منذ أكثر من 25 سنه ويبلغ عددها أربعة، ثلاثة منها سكنية وواحد تجاري، ويراوح عدد الأدوار من 23 إلى 30 دور في البرج الواحد، أما الأبراج السكنية، فيبلغ عدد الشقق في البرج الواحد منها بين تسع وعشر شقق، تستوعب أكثر من خمسة آلاف ساكن. وأضاف الفهاد أنه يوجد برج خاص بالطالبات والموظفات أي برج خاص بالنساء، ويحظى برعاية خاصة من منسوبي البرج لمراعاة ظروف الطالبات وذوات الدخل المحدود في البرج من ناحية رسوم التأجير.
وهكذا أصبح شارع الخزان في عام 2007 م، حيث يعرف حاليا بشارع "الإمام فيصل بن تركي" ومع تغيير اسمه إلا أن أغلب سكان الرياض ما زالوا يطلقون عليه اسم شارع "الخزان"، فقد اقترن به هذا الاسم على مدى 40 عاما، وما زال كبار السن يشعرون يحنون إلى نمط الحياة القديمة خلال زيارتهم للشارع، وكذلك الأمر بالنسبة للكثيرين من أبناء العاصمة.