الغبار .. ما أسبابه ومسبباته وكيف ومتى يتكون؟
كانت الأجواء المكفهرة والمشبعة بالغبار العالق هي السائدة خلال الأيام الماضية بسبب تمخض السماء لولادة موسم الربيع, وستظل هذه التخلخلات هي السائدة خلال الأيام المقبلة حتى يتمايز فصل الربيع من الشتاء, علما أن التوقعات المناخية غير المؤكدة تشير إلى أن هذه السنة من السنوات الغبارية بسبب قلة الأمطار في صحراء العراق وإيران والكويت, الأمر الذي جعل التربة مخلخلة في هذه المناطق, وهي القنطرة التي تلج منها الرياح إلينا, والغبار له دورة كحال عناصر المناخ الأخرى.
ولقد تأثرنا بمرتفع جوي قادم من الشمال من بطاح سيبيريا في روسيا وصلت سرعة الرياح فيه نحو 60 كيلو مترا في نهاية الأسبوع الماضي, وهذا المرتفع مر على مساحات واسعة وشاسعة وحمل معه الغبار والأتربة الخفيفة من الصحاري التي قل فيها سقوط المطر, وعند انخفاضه إلى مستوى سطح الأرض نفث الغبار الذي في جوفه فأثر ذلك في مناطق الشمال ومناطق الوسطى تدنت معها الرؤية مع انخفاض ملحوظ في درجة الحرارة بسبب برودة المناطق القادم منها.
والغبار ظاهرة طبيعية تحدث عندما يزيد مستوى عصف الريح, وهو من الأمور الفجائية فلا أحد يدري من أي نقطة يهبّ ولا في أي ساعةٍ سيتبدّد, وأن أسباب حدوثه قائمة ودائمة تتجمع أحياناً، وتتفرق أحيانا أخرى, لكنها تصْنعه وتُثيره عوامل عدة, وفي هذه السنة تكاتفت العوامل فأصبح قرين وجه السماء خلال الفترة الراهنة وغالبا يخرج الغبار من رحم الرياح الموسمية, وتنشأ هذه الرياح نتيجة لاختلافات محلية في نظام الضغط الجوي بسبب وجود كتل يابسة كبيرة إلى جوار مسطحات مائية واسعة, ما يؤدي إلى اختلاف حاد في نظام الضغط الجوي على كل منهما في الصيف والشتاء.
ومن عادة الرياح إذا اشتدت اشتدت معها إثارة الغبار, وكذلك فإن حرارة الشمس السطحية إذا اشتدت فإنها تزيد من شدة إثارة الغبار.
والغبار تتبع كثافته نوع الأرض التي يمر عليها أو يثار منها, ومؤثرات الغبار لا تكون على وتيرة واحدة فهناك المؤثرات الثانوية الأخرى مثل الرطوبة أو انحراف الريح أو المنخفضات أو المرتفعات الجوية.
وعندما تمر الرياح الغبارية على أي مكان فإنه يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية عند سطح الأرض إلى الصفر, كما يؤدي إلى ترسيب طبقة سميكة من الغبار الناعم على كل ما يقع في طريقه, وفي فصل الربيع كثيرا ما يعقب مرورها سقوط بعض الأمطار مما يساعد على تنظيف الجو من الغبار.
ومن مواسم الغبار الرتيبة في منطقتنا رياح البوارح حيث تشتد الريح في شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) مع ارتفاع في درجة الحرارة السطحية, ورياح البوارح هذه رتيبة لا تتسم بعنصر المفاجأة, فعندما تطلع الشمس وترسل بأشعتها الحارة إلى سطح الأرض يتخلق الغبار, لأن من عادة الحرارة أنها ترفع الأشياء إلى الأعلى فتثير بذلك الغبار, وكلما اشتدت الحرارة مع هبوب الريح ازداد الغبار, وعندما تغرب الشمس يترسب الغبار على الأشياء, وأحيانا يثار الغبار في غير موسم الحرارة, وذلك بسبب شدة الريح أو موقع أو جهة هبوبها, وهذا ما نلاحظه حتى أيام الشتاء الباردة . ولا ننسى أن جفاف الجو يساعد على إثارة الغبار عكس الجو الرطب. ومن مواسم الغبار أيام السرايات في فصل الربيع كما هو حاصل الآن حيث التفاوت بين درجتي الحرارة والرطوبة, فالتشويش يحدث الاضطراب, وهذا من شأنه أن يثير الغبار وغبار رياح البوارح في منطقتنا أشهرها حيث شدة الريح والجفاف والحرارة, أما غبار الخريف فيأتي متعثرا بسبب تعثر الغبار نتيجة الحرارة والرطوبة, وفي فصل الشتاء ربما يثار الغبار نتيجة شدة هبوب الريح والجهة التي يهب منها.
والغبار من الظواهر المألوفة في كل البلاد العربية تقريبا وتكثر في البلاد الواقعة على أطراف الصحاري عندما ينقطع المطر ويزول الغطاء النباتي الذي يكسو التربة, ويختلف موسمها في البلاد المتأثرة بمناخ البحر الأبيض المتوسط عنه في البلاد المتأثرة بالمناخ المداري الممطر صيفا, ففي البلاد الأولى تكثر الزوابع الترابية عادة في أواخر الربيع وأوائل الصيف مثل سهول وسط السودان وشماله فإنها تكثر بصفة خاصة في الربيع وأوائل الصيف.
وتتوقف شدة الغبار على عدة عوامل أهمها:
1- كثرة الأتربة أو الرمال الناعمة المفككة على سطح الأرض وانتشارها في مساحات واسعة.
2- جفاف الجو حيث إن هذا الجفاف يساعد على تفكك الرمال والأتربة.
3- نشاط التيارات الهوائية الصاعدة ما يؤدي إلى ارتفاع الأتربة والرمال الناعمة.
4- هبوب رياح سطحية تحمل معها الأتربة والرمال الصاعدة.
وتحدث العمليتان الأخيرتان عادة عندما تمر جبهة هوائية باردة على أرض دافئة, ففي هذه الحالة تسخن الأجزاء السفلى من الهواء البارد وترتفع بشكل تيارات صاعدة تحمل معها الأتربة والرمال الناعمة التي تدفعها الرياح أمامها.
ومن الزوابع الترابية ذات الصفات المميزة في الوطن العربي تلك الزوابع التي تشتهر بها السهول الوسطى والشمالية للسودان التي تعرف محليا باسم (الهبوب) وهي تظهر بصفة خاصة في أواخر الربيع وأوائل الصيف حيث يكون الجو عندئذ حارا جافا وتكون التربة مفككة وخالية من الحشائش ويتقدم الهبوب عادة بشكل جبهة متصلة يسهل تميزها عن بعد.