اختيار الموقع المسجد المناسب في الحي ودور الإمام فيحققان هدف المسجد
أوضح الشيخ علي الشمراني داعية وإمام مسجد سابق في مدينة جدة، أن هناك عوامل معينة على أداء رسالة المسجد، ولعل من أهم الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد، اختيار موقع المسجد قبل بنائه، فعندما يكون مثلا وجوده في وسط الحي فإنه يجعل الوصول إليه دون مشقة وعناء. وقال: إن قربه من جميع السكان يجعل الناس يقبلون على الصلاة دون تكاسل، ولا يكون ذلك مدعاة لتهاونهم وتكاسلهم عن الحضور للمسجد، ويوجد بعض الناس الحريصين الذين يستخدمون السيارات للوصول إلى المسجد، والبعض الآخر يذهب ماشيا رغبة في كسب الأجر والثواب من الله. وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتكى بنو سلمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعد ديارهم من المسجد؛ لأن ذلك يؤدي إلى نوع من التكاسل، ولا سيما لمن كان الوازع الإيماني في قلبه ضعيفاً، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغبهم وحفزهم بإيضاح ما لهم من الثواب في ممشاهم، فلما لمحوا فجر الأجر هان عليهم ظلام التكليف فقالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
وأكد الشيخ الشمراني أن اختيار المكان المناسب للمسجد يسهم في حضور الناس إليه، خاصة إذا كان هو الوحيد في الحي، متأسين في ذلك بخليل الله إبراهيم - عليه السلام - فإنه لما أراد أن يبني بيت الله الحرام استخار ربه في موضعه؛ فبوأ الله له أرض مكة؛ لأنها وسط العالم، وقلب الجزيرة، وقطب الرحى في كيان هذه الأمة، والسر في اختيار هذا المكان؛ حتى يسهل على كل مسلم في أرجاء المعمورة قصد هذا البيت فقال- سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
ويبيِّن الشمراني أهمية وجود المؤذن في المسجد وفي أوقات الأذان، لأنه المعلن عن أوقات الصلاة، وهو المنادي لها، لا بد أن يكون صاحب صوت حسن جهوري، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالاً مؤذناً بليل لأنه صاحب صوت جهوري يوقظ النائم، ويسمعه البعيد، وابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني؛ لأنه كان لا يميز بين الليل من الصبح إلا إذا قيل له أصبحت أصبحت، فخصه النبي - صلى الله عليه وسلم بذلك.
ويشير الشمراني إلى أن دور الإمام كبير في جذب الناس للمسجد بانتظامه في الصلاة، وأيضا إذا كان حسن الصوت، متغنياً بالقرآن لقوله - صلى الله عليه وسلم: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ".
أحد العوامل المهمة في أداء رسالة المسجد أن يكون مؤثراً في المأمومين؛ يعايش أحوالهم؛ ويحل مشكلاتهم؛ ويزور مريضهم؛ ويتبع جنازتهم؛ ويرفق بعاصيهم؛ ويسأل عن غائبهم؛ ويتواضع لهم مقتدياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون قدوةً حسنة تطابق أفعاله أقواله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}.
ويرى أن خطيب المسجد أيضا من العوامل المساعدة على أداء رسالة المسجد وخاصة إذا كان خطيباً مؤثراً، وأن يعرف كيف يضع النقاط على الحروف، وأن يخاطبهم بما يفهمون، بأسلوب حسن، وذاكرة خلابة، وذهن صاف، يجمع بين الترغيب والترهيب، إذا تحدث أصغت الآذان، وسكنت الجوارح، وانشرحت الصدور، هدفه الارتقاء بالقلوب إلى الله علام الغيوب، الحكمة عنده سجية، والزهد له طبيعة، والفصاحة عنده سليقة، وأن يراعي في خطبته توزيع النظرات على الحاضرين، يتوسط بين القصر والإطالة، وأن تكون عنده قدرة على إشباع الموضوع، وإعطائه حقه من التحضير، وقوة الطرح، وحسن التعبير، وأن يتكلم فيما يتقنه لأن قيمة كل امرئ ما يحسنه، ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، نسأل الله أن يوفقنا لإيصال رسائل المسجد إلى قلوب العباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.