شراكاتنا مع الحكومات تحمينا من مخاطر الأزمة المالية وتمنحنا امتيازات وتسهيلات
أكد رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة بيت التمويل الخليجي الدكتور عصام الجناحي أن إدخال الحكومات في شراكة في المشاريع التي تنفذها شركاته حدت من المخاطر التي تتعرض لها المشاريع من تداعيات الأزمة المالية العالمية, كما تمنح الشركة امتيازات وتسهيلات لا تحصل عليها من الشراكة مع الأفراد.
وأكد في حواره مع " الاقتصادية " أن شركاته لم تؤجل أو تلغي أي مشاريع من المشاريع التي أطلقتها وإن كانت قد خفضت من رؤوس أموالها في ضوء التطورات التي تفرضها ظروف الأزمة.
وأشاد بتجربة المدن الصناعية والاقتصادية في السعودية, مؤكدا أنها محط أنظار المستثمرين, كما أن جولات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حول العالم تستهدف الترويج للإمكانات الضخمة التي توفرها السعودية للمستثمرين, علاوة على نقل واجتذاب التكنولوجيا. وهذا نص الحوار:
بداية هل تعرضت استثماراتكم لأية خسائر من جراء الأزمة المالية ؟
في بعض الدول لدينا استثمارات استراتيجية، وتستثمر الدولة معنا بما نسبته 40 في المائة فتخفف هذه الشراكة من المخاطر، أما بالنسبة للمخاطر السياسية فبالإمكان التأمين عليها، كما أنه في بعض الاستثمارات ندخل في شراكات استراتيجية مع مستثمرين أجانب، وبالتالي نحتاط في أكثر من جانب وأكثر من مستوى، بهدف التقليل من احتمالات المخاطر التي قد تلحق بنا في هذه الدولة أو تلك. كما أن توقيع العقود مع الحكومة والحصول على التسهيلات من الدولة وإعادة أموال الاستثمار إلى خارج الدولة كلها تصب في مصلحتنا ومصلحة التقليل من المخاطر المحتملة، وكذلك الهيكل التنظيمي للاستثمار.
هذه السنة "صعبة على الجميع" ونحن نتعامل مع المزاج العام للمستثمرين، وبالتالي عندما يكون المزاح العام ليس جيداً فإنك تعمل على تأجيل بعض الاستثمارات، وبالمقابل نعمل على الدخول إلى أسواق جديدة مثل بعض الدول الإفريقية التي تحتاج إلى كثير من المشاريع وكذلك هو حالها بالنسبة للصناديق السيادية.
لكن يمكن القول إننا قلصنا حجم مشاريع معينة وتحديداً فيما يتعلق برأس المال, مثال على ذلك لنقل إن هناك مشروعا يحتاج إلى نصف مليار دولار، قمنا بإعادة جدولته بحيث يكفي مبلغ 300 مليون دولار لإنجازه في المرحلة الآنية. وبالنسبة لعامل الربحية يمكن الإشارة إلى أن الأسعار اختلفت وقلت التكاليف وبالتالي تم تقليص رأس المال لبعض المشاريع، وهذا أفضل من توقيف المشروع بحيث نحافظ على نصفه أو ثلثه بدلاً من إلغائه، ونحن لم نلغ أي مشروع حقيقة.
السوق السعودية داعمة
ما تقييمك للأسواق الخليجية عموماً والسوق السعودية خصوصاً؟
بالنسبة للسوق السعودية هي سوق إيجابية وداعمة لنا، ولكن هناك من يقول إنها ذات طابع ومردود سلبي, وعلى العموم من الممكن القول إن هناك في الأسواق أشياء تساعدنا وهناك أشياء لا تساعد، مثال على ذلك النظام المالي في الرهونات العقارية، ساعد السعودية على ألا تصل الأزمة إلى المؤسسات المالية، من ناحية فهذا عامل إيجابي، وبالتالي فإن النظام العالمي عرف جيداً حيثيات النظام المالي الخليجي، وعرفوا أن هناك فروقات بين النظام المالي العالمي والنظام المالي الخليجي, والسؤال هنا: هل استقطبت أسواق المال المساعدات ؟ نعم في السنوات الأخيرة، وهذا عامل إيجابي لكن المهم ما الفرصة الحقيقية للاستثمار لدى الدول الخليجية؟
هل ترون فرصا في الأسواق الخليجية حالا في ضوء تداعيات الأزمة المالية ؟
بالتأكيد هناك فرص, ففي السابق لم يكن هناك إمكانية للدخول في الاستثمار في بعض المجالات، ولم يكن لدينا في السعودية غير شركتين مدرجتين في سوق المال واحدة منهما "سابك"، ولذلك عندما نسمح بالمساهمة من قبل الخليجيين للدخول فهذا عامل مشجع للمستثمر الخليجي، على الرغم من وجود بعض المضاربين، لكن هناك من يسعى إلى تحصيل حصة استراتيجية في بعض الشركات المدرجة.
وما يساعد على موافقات على عملية الإدراج، كما كان في السنوات السابقة، أن التوقيت مهم، بمعنى، متى ستكون في السوق لإدراج الأسهم. لكن ما كان في بداية التسعينيات من إدراجات للأسهم استمر في نهاية التسعينيات، لكن زادت وتيرتها بعد عام 2005، في ضوء استقطاب رؤوس أموال جديدة على الرغم من أن بعضها كان ناشئاً، وغالبيتها بتروكيماويات ومن ثم اتصالات.
واليوم بسبب ازدحام السوق أصبح المساهم متحفظاً في دخول السوق واليوم الأسعار شبه عادلة والمستثمر يريد الاستفادة من حركة الأسهم، لكن عندما تهبط الأسعار فمن الصعب أن يدخل المستثمر للسوق، ولنأخذ مثلاً فرصا أخرى في السوق مثل قطاعات التصنيع في المملكة التي تتميز بوجود كثير من المناطق الصناعية، لكن سوق الأسهم المدرج مدار بصورة غير حقيقية، وبالتالي ما عاد هناك جدوى لدراسة المشاريع الصناعية خصوصاً عامي 2004 و2005، وبالتالي كانت الفرص العقارية والأسهم ذات مخاطر أقل وأرباح أكثر وأسرع، بينما التصنيع يحتاج وقت طويل لتحقيق الربح، حيث يمر بمراحل عديدة، وبالتالي لجأ المستثمرون إلى الابتعاد عن التصنيع واتجهوا نحو الأسهم والبورصة.
لكن هل السوق السعودية عقارات وأسهم فقط ؟
بصراحة الأغلبية هناك أسهم وعقارات في الغالب، حتى كبار المستثمرين ركزوا على سوقي الأسهم والعقارات، ومعظم كبار الأثرياء جاءت ثرواتهم من سوق العقار، خصوصاً بعد دخول المستثمرين الاستراتيجيين ومن ثم المدن المتخصصة والصناعية وشركات المقاولات والتشييد، كل هذا زاد من أهمية سوق العقار ومن ثم الأسهم، لأن المردود الإيجابي واضح وسريع، ولا يحتاج إلى جهد كبير، فهو من نوع السهل الممتنع.
لكن هذا لا ينفي وجود مصنعين، على الرغم من أن سعر السهم نزل، ومع هذا هناك طلب يزيد على بعض المنتجات، والمستهلك يخضع لموضوع التنافس في ضوء التنوع في مختلف دول الخليج، لكن الأزمة بصراحة عمت مختلف القطاعات.
وعلى العموم يمكن الحديث عن الاستثمار في المملكة، أنه مر بمراحل عديدة وليست سهلة، من صعود وركود وشبه ركود، فهو منحنى متغير خصوصاً بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وتحول الاستثمارات إلى المنطقة، وغلب الطابع المحلي على الأسواق السعودية والخليجية، ونظراً لقلة البدائل، تم التوجه إلى سوق الأسهم والبورصة والعقارات. وأصبحت أرباح الأسهم خيالية وكبيرة في فترة زمنية قصيرة.
كيف تقيم كمستثمر المدن الصناعية والاقتصادية السعودية؟
أولاً هناك عامل مساعد في السوق السعودية وهو صندوق الدعم والتنمية، إضافة إلى القوانين واللوائح والمستثمرين الاستراتيجيين والمال الوفير والتكنولوجيا والخبرة ورأس المال، كل هذا يشكل تربة خصبة ومناخا مناسبا وجاذبا للدخول في السوق السعودية.
ومن المهم الإشارة إلى زيارات الملك عبد الله، لكثير من دول العالم من أجل استيراد التكنولوجيا وتوضيح الإمكانات الضخمة المتوافرة في المملكة التي تهم وتغري المستثمر الأجنبي. إضافة إلى أن السعودية أكثر دولة خليجية يوجد فيها مناطق صناعية، ما يعني أنها محط أنظار كثير من المستثمرين فالمنحنى الذي مرت به السعودية منحنى جيد، وكانت الأسعار خصوصاً فيما يتعلق بالطاقة مرتفعة.
لكننا اليوم نشهد تنافساً كبيراً. ولو نظرنا إلى 40 سنة ماضية، فإننا نستطيع القول إنه لم يكن لدى السعودية مدن صناعية كاملة كما هي عليه اليوم، لكن عمليات التسريع التي شهدتها المملكة، وبعد الأزمة في الدول الآسيوية أصبحت المدن الصناعية السعودية مركز جذب مهم في ظل تنوع تلك المدن، والشراكات الاستراتيجية، ووجود رؤوس الأموال في تلك المدن الاقتصادية موزعة من ناحية استراتيجية جغرافية، وضرورة تنميتها بصورة اقتصادية متكاملة إضافة إلى جوانب الترفيه والسياحة، وتنويع وتوزيع في مختلف المناطق إضافة إلى الخريجين فإنها تعد نموذجاً مهماً. خصوصا أنه لم يكن هناك أعداد كبيرة من الخريجين في المجال الاقتصادي والصناعي من أبناء المملكة في سبعينيات القرن الماضي، لكن المشهد اليوم مختلف تماماً. كما أن المعاهد المهنية هي جزء من الحل.
ما من شك في أن مثل هذه المدن فيها من الميزات والتسهيلات والامتيازات ما يغري المستثمر، خصوصاً أنها أقرب ما تكون إلى المناطق الحرة, لكن حقيقة معظم استثماراتنا في السوق الخليجية وشمال إفريقيا وآسيا وغيرها، وقد كانت علاقاتنا الاستراتيجية مع حكومات تلك البلدان، ونحاول أن نوزع ونوسع استثماراتنا خارج منطقة الخليج.
هل تخافون من الدخول في السوق السعودية؟
بصراحة جربنا بعض الفرص في السعودية، لكنها لم تكن ذات منفعة, لذلك نحن حذرون في الدخول للسوق السعودية. ومن ثم الأهم في كل ذلك هو العائد من الاستثمارات.
لماذا تركزون في استثماراتكم على التعامل والشراكة مع الحكومات؟
أولاً من خلال الحكومات نحصل على امتيازات خاصة، لا يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليها إلا من خلال علاقات استراتيجية مع الحكومات، كما أن الاستثمار في المناطق الحرة يكون مرتبطا بصيغة أو بأخرى بالحكومات المحلية لهذه الدولة أو تلك. وبناء عليه يكون التعامل أكثر سهولة وأفضل مردودا بالنسبة لنا. وإمكانية الحصول على قطعة أرض لنوع الاستثمار الذي نريده لا يمكن غالباً أن نحصل عليها إلا من خلال الحكومة أو المؤسسات شبه الحكومية.
وإذا تكلمنا عن استقطاب رؤوس الأموال فمن خلال العلاقة مع الحكومة تتم العملية بسهولة قياساً على جهات أو مؤسسات أخرى غير حكومية إضافة إلى أن هناك عمليات تسهيل لبعض الإجراءات والتعقيدات التي قد تواجهك خلال التأسيس أو في أي مرحلة لاحقة. كما أن البدايات في العلاقات مع الحكومة كانت صعبة حيث كانت تتم من خلال وسطاء ومؤسسات أخرى، ما يعني أننا حققنا امتيازات لا نريد التنازل عنها أو التخلي عنها ومن ثم أسسنا لنموذج عمل في كل قطاع استثماري يكون هو دليلنا ومرشدنا في العلاقة مع الحكومات، وبالتالي سهلت الأمور أمامنا بناء على تلك النماذج.
خسائر صناديق الاستثمار
كيف تنظرون إلى الصناديق الاستثمارية والخسائر التي ترتبت عليها؟
الصناديق الاستثمارية عادة معظمها معروضة من قبل مؤسسات مالية كبيرة والمودع الذي ينظر إلى الصندوق الاستثماري كأنه إيداع وبيع قد تلحق به أضرار وخسارات، على اعتبار أن الأصول ضاعت في معظمها لأنها مدرجة في السوق.
وفي الحقيقة فإن الأمر يعتمد على نوع السوق وكيفية تقييمه والتعاطي معه، وقد انخفضت القيم أكثر من 50 في المائة، فمثلاً لو كانت استثماراتي في صندوق معين تبلغ نصف مليار فقد تمكن الصندوق من الاقتراض عليها نحو مليار, ما يعني أنه أصبح لدي في الصندوق مليار ونصف، أي أن حجم المحفظة في هذه الحالة أصبح مليارا ونصف، وقيمته في السوق انخفضت 50 في المائة، ما يعني أن المبلغ الرئيسي تبخر، في ضوء الاستثمار في السوق.
وبالتالي أصبحت النظرة العامة والثقة بالصندوق كحالة استثمارية شبه معدومة في تسعينيات القرن الماضي معظم البنوك التي استثمرت في الأسهم تضررت في ضوء انخفاض قيمة الأسهم، لكن تلك التجربة شكلت حالة معرفية وأنتجت خبرة مهمة لديهم، ناهيك عن أن الأزمة والمزاج العام للمستثمر في ظل الأزمة الأخيرة تركت ظلالها على الجميع، لكن هناك مؤشرات تبشر بنوع من التحسن والإيجابية, الأمر الذي يشكل حالة تشجيع لبعض المستثمرين. ومن تتوافر لديه السيولة أخذ يتحرك في ضوء بعض المؤشرات الإيجابية للأسواق العالمية، حتى أن صغار المستثمرين دخلوا في هذا المجال بعيداً عن المخاوف والضغوط السابقة.
هل طرقتم باب التجربة الزراعية الاستثمارية؟
في السعودية هناك تجربة زراعية لكن المشكلة في شح المياه الجوفية، والقطاع الزراعي مهم وحيوي، وهي ضمن الرؤية والبعد الثالث في عالم الاستثمار بالنسبة لنا، وكنا رصدنا ثلاثة مليارات دولار للاستثمار في عالم الزراعة، ضمن ثلاثة تخصصات رئيسة نقوم بها من خلال فريق متخصص وعملنا على تأسيس بنك استثماري زراعي يقوم بالمهمة، ومن ثم الاستصلاح للأراضي الزراعية وهو ما قمنا به مع الحكومة التركية قبل أسبوع وسنقوم باستثمارات زراعية في إفريقيا وتركيا مهمة للدخول للسوق الأوروبية وهناك ميزات وامتيازات إيجابية تشجع في تركيا.
كما نعمل على دخول السوق الآسيوية في القطاع الزراعي. والمجال الثالث في القطاع الزراعي هو قطاع التكنولوجيا، وهو أحد القطاعات الرئيسة في القطاع الزراعي والجميع يحتاج إليه في المنطقة. ومن ثم إنتاج الأغذية التي ستتم خلال شهر مع شركة أخرى، وبالتالي فإن إجمالي الصورة في القطاع الزراعي لا تتأثر كثيراً كبقية القطاعات، خصوصاً بالنسبة للأسعار لأن الغذاء مرتبط بالسكان.
ماذا عن الاستثمار في القطاعات الأخرى والتعاون مع الآخرين؟
حقيقة تعد قطاعات الطاقة مغرية للدخول فيها، خصوصاً أن عديدا من شركات النفط المحلية والعالمية توقفت عن الاستثمار ومشاريعها التوسعية، وهذا يمنحنا فرصة جديدة مرة أخرى، ونرى كيف تتفاقم الأسعار لنكتشف أن المطلوب أعلى كثيراً من المعروض، خصوصاً أنه منذ فترة ليست قصيرة تم الاستثمار في مجال وقطاع إنتاج النفط.
استثماراتكم في مجال الطاقة في ليبيا وغيرها، هل تركز على ما هو غير النفط؟
في ليبيا دخلنا مع صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بنسبة 40 في المائة بدعم من شركة النفط الوطنية، وأكثرها مجمعات تجارية في القطاع نفسه وسكنية وبورصة، لكن الفرص في الطاقة البديلة طرقنا أبوابها، وحالياً ننظر على عديد من المشاريع في الطاقة البديلة، بالتعاون مع مؤسسات عالمية ونعمل على معرفة جدواها الاقتصادية في دول معينة، وقريباً سنحقق بعض ما نصبو إليه في مجال الطاقة البديلة.