غاب التكوين الأدبي وتوارى النقد .. مهرجان «الرواية» التجريبي يتسع للجميع
لم يعد باب الظهور الإعلامي موصدا أمام أشباه المواهب ، كما لم يعد إطلاق الألقاب مستحيلاً حتى على أولئك الذين لا يمكن الحسم بقدرتهم على ''فك الخط الكتابي'' فضلا عن تأسيس خط إبداعي، الآفاق هنا مجانية ايضاً وشاملة لكل من ضاقت بهم الثقافة بما رحبت ذائقتها قبل أن يتحول الامر إلى ما يشبه حفلة افتراضية لأدب بلا ملامح يدخله كل من يشاء كيفما أراد، هناك من ازدحام صالة الكتابة السردية نتحدث عن كعكة الرواية التي مازالت تكفي الجميع على كثرتهم دون أن يسمن ذلك أو يغني عن جوع أدبي.
''الرواية للجميع'' قد يكون العنوان الذي يقترحه استسهال الكتابة وغياب المعايير لحفل تكون الدعوة فيه عامة غالباً لكل نمط كتابي مجهول المصدر ليدخل ضمن مفهوم هذا الفن الذي يقوم على عناصر فنية متكاملة كما لو كان مساحة لتجريب كل ما يمكن كتابته كيف ما كان. مساحة لاستعراض ما لا يستحق المشاهدة غالباً، الاقتصادية تتساءل فقط ''من جعل الرواية كتابة من لا كتابة له؟''
تعتقد الناقدة الدكتورة ميساء خواجة إن كلمة '' التجريب '' قد فتحت الباب واسعا لكثير من المحاولات الكتابية ولكثير من المتعارفين بالرواية. مؤكدة أن التجريب لا يعني الجهل وعدم الوعي ، وتضيف ''كتابة الرواية ترتبط أساسا بثقافة روائية ومعرفة بشروط كتابة هذا الفن ومقوماته، بل إنها تتطلب ثقافة في مجالات متعددة كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها ، ومن ثم قد تأتي محاولة التجريب وهي مشروعة شرط اقترانها بالوعي . ما نتحدث عنه هنا هو دخول بعض الهاوين مجال الكتابة الروائية وبعضهم لم يقرأ رواية في حياته .من ثم بدأنا نغرق في هذا الفيض من الأعمال التي تنشر تحت اسم '' رواية '' ويتهافت البناء فيها تحت اسم '' التجريب '' ، ويغطي بعضهم ضعفها بمضامين صادمة تعتمد على تناول المحظور'' .
وحول غياب النقد في تقنين هذه الظاهرة تعلق الخواجة ''من الصعب الحديث عن دور الناقد قبل صدور العمل لأن ذلك يعني الاطلاع على مسودات العمل ومن ثم إعطاء الرأي للكاتب ، وهذا أمر يندر حدوثه ، وإن حدث يكون غالبا في حالات فردية . بعد صدور العمل فأنا ممن يميلون غالبا إلى عدم الكتابة عن الأعمال الضعيفة فنيا إذ إن الكتابة عنها تعني تسويقها وتقديم مشروعية لها ولو بطريقة غير مباشرة . في المقابل هناك من يرون ضرورة غربلة تلك الأعمال بتوضيح ضعفها . في الحالتين أعتقد أن العمل الجيد هو ما يفرض نفسه في النهاية ويضمن لنفسه البقاء''.
#2#
بينما تعلق الروائية والإعلامية سمر المقرن بقولها :لا يوجد من يكتب فجأة , لكن المسألة تكمن في ظهور الكتابة الأولية المبدئية أم الاكتفاء بها للذات وعدم نشرها.كثيرون يبدأون بقصص , مذكرات ,خواطر ,لكنهم يحتفظون بها لأنفسهم وعندما تصدر روايتهم الأولى يعتقدها البعض ابتكارا لم يسبقه الكثير من البناء والهدم والتجريب الذاتي . الروائي عبد الله بن بخيت مثلا أصدر روايته –شارع العطايف- أخيرا. لكننا لا نستطيع أن نقول إنها رواية أتت من فراغ ولم يسبقها عديد من المقدمات الإبداعية فضلا عن الثقافية . المحك في التقييم هنا هو الرواية الثانية وليست الأولى فهي التي تثبت قدرة الكاتب على الاستمرارية من عدمها. أما الذي يتوقف عند الرواية الأولى فقدراته الإبداعية مشكوك فيها. ولا نستطيع أن نقول إن استسهال الكتابة الروائية والضخ الكمي المستمر فيها هو سبب وجود ذائقة أو مستوى هابط فنيا لأن العملية نسبية فما يراه البعض سيئا يراه آخرون متقنا جدا . كما أننا لا نستطيع كذلك أن نقول إن هذا الكم الروائي الهائل هو محض تجريب ونضع كل الروايات في سلة واحدة أو أن نقول إن الرواية السعودية أصبحت عملا تجريبيا لكن يمكننا أن نحدد عملا ونحكم عليه من منظور إبداعي أو تجريبي. الأديبة الدكتورة هناء حجازي من جانبها ترى أن الكتابة قائمة في مبدأها وأساسها على الحرية وتتساءل: كيف لنا أن نكون بهذه الديكتاتورية وأن نطالب كل من يكتب بأن يبدأ من منطلق ثقافي وخطوات إبداعية أولية توصله إلى عمل روائي أول؟ وتضيف :''ليس من حقنا أن نكون أوصياء على ما يستحق أن يصدر ومالا يستحق أو على ما يجب أن يسبق هذا الصدور.المشكلة لا تكمن في إصدار العدد الهائل من الروايات, لأنه رغم كل هذا فإن ما يصدر لدينا لا يقارن بما تصدره أصغر دولة أوروبية. المشكلة تكمن في شقين:الأول هو من يمثل الرواية لدينا من روايات وكتاب ونقاد ؟ بالتأكيد ليست كل هذه الروايات بمستوياتها المتباينة تمثلنا .معروف أن هناك مستوى رديئا أو ليس كافيا ليكون صوتا إبداعيا مسموعا لكن هذا لا يعطي الحق في كتم هذا الصوت . لأن انخراطه في هذه التجربة – النشر- ستخلق لهذا الكاتب – وخاصة الشباب ممن استسهلوا الرواية – آفاق جديدة سيضر معها لمواكبة الأحداث الثقافية وتطوير نفسه ليحاول الاندماج والانصهار في بوتقة الكتاب المميزين أو أنه سينسحب بعد التجربة الأولى وتبقى في النهاية الأصوات الأميز. الشباب لديهم رغبة قوية في الكتابة والاطلاع فلماذا نحجم هذه الرغبة بعوائق نظرية ؟ أكبر دليل على الرغبة السائدة في الكتابة هي الأعداد الهائلة التي تستخدم ما يعرف بالـ (بلوق) للكتابة وللتعبير عن المكنون الذاتي ,فضلا عن الأعداد الهائلة التي تتابع هذه البلوقات رغبة في القراءة لماذا لا نتيح لهؤلاء أن يدخلوا دائرة النشر . دخولهم وتجريبم سيفتح آفاق لهم ليطوروا ما لديهم وليس كما هو شائع من أن تجريبهم سيخلق رواية ركيكة و ذائقة مختلة ومن هنا أدخل في الشق الثاني من المشكلة التي بدأتها بأن العدد الهائل للمجربين الجدد ليس المشكلة . المشكلة حقا هي في الصوت النقدي والإعلامي الفاسد الذي يجعل المستوى الهابط يسود ويظهره لمصالح شخصية وشللية بدلا من أن يعين المجربين أو الكتاب الجدد على تطوير أنفسهم بإمدادهم بالنقد البناء الصريح'' .
الروائية ميساء سعد تعلق على ظهور أسماء غير مؤسسة روائيا في الساحة بقولها :كقارئه تجربتها الوحيدة في عالم الكتابة رواية (يعني عادي) ..لطالما سألت نفسي إياه كلما تصفحت رفوف المكتبات المكتظة بالروايات والقصص العصرية: هل أصبحت حقا الرواية أمرا سهلا تترنح بين سطورها أقلام الفضفضة غير الواعية أو الحبر المستعبد بالتقليد الأعمى والتحايل على ذلك بتغيير بعض حروف في اسم أو عنوان؟ وربما ملأتني حسرة كذلك على من يسهر ليله وينفق ثروته ويهدر حرفه ليخرج كتابا هدفه النقد والتجريح ليس إلا. والحقيقة أني قبل أن أبدأ تجربتي الروائية تأملت طويلا كيف بقيت كلماتنا منسجمة مع عوامل تلوث البيئة وهبوط الذوق وفساد التربة التي لم تعط للكلمة أي وقت في البذر والرعاية قبل ريها بثقافة الاستماع والقراءة حتى تستفئ مكتباتنا تحت ظل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. نحن في حاجة فعلا إلى رواية تؤتي أكلها كل حين.
#3#
ومن وجهة نظر نقدية عامة يتحدث الدكتور صالح المحمود عن هذه الظاهرة قائلا ''دعينا منذ البدء نعترف بأننا مفلسون روائيا ، ليس لأننا بلا إنتاج ، ولكن الأعمال الهابطة فنيا قد طغت واستبدت في عددها وشيوعها فقضت على الأعمال الجيدة وهمشتها مع الأسف. نحن مفلسون روائيا إذا كانت أعمال كحب في الرياض والإرهابي وبنات الرياض وسعوديات وحب في العاصمة وهلم ''سخفا'' .. إذا كانت هذه الأعمال تمثل منجزنا الروائي الجديد .
هذه الأعمال خلوٌ من أي خصيصة فنية يمكن أن يتصف بها العمل الروائي. أنا أرفض إطلاق مصطلح (التجريب) على ما يقدمه هؤلاء ، لأن التجريب يطلق على فعل واعٍ يحاول المبدع من خلاله اكتشاف قدراته والإفادة من تجارب الآخرين ، بينما الذي يحدث في واقعنا مجرد (نزوات) لا علاقة لها بالإبداع ولا تمت إليه بصلة ، هي مجرد محاولات أعترف بكل حسرة بأنها ناجحة للظهور والإثارة .
ويضيف المحمود'' لم يعد النقد يؤدي دورا محوريا تفاعليا مع المنجزات الإبداعية ، ولست هنا ألوم النقاد كثيرا ، فالناقد مفطور على قراءة مشهد إبداعي مميز ، المشكلة هنا ليست في عدم التفاعل النقدي ، بل هي في التفاعل السلبي الذي يؤديه بعض النقاد مع أعمال لا تستحق ، ومن الواضح أن بعض نقادنا ليسوا أقل من الروائيين المزيفين حبا وطمعا في الشهرة والضوء ، وهو ما دعاهم إلى محاولة الاحتفاء بتلك المنجزات الرديئة ''.