الجمعيات الاستهلاكية.. أمام درس التضخم
ما إن أعلن في المدينة المنورة تأسيس أول جمعية تعاونية استهلاكية في المملكة العام الماضي حتى بدأت العوائق تظهر بشكل واضح للقائمين على الفكرة، ما جعلهم يعاودون النظر في الفكرة بشكل كامل كي لا تخرج الفكرة الوليدة في السعودية كوليد ناقص غير مكتمل النمو.
#3#
ويؤكد محمود رشوان صاحب فكرة أول جمعية استهلاكية في المملكة والمسؤول عن تأسيس الجمعية التعاونية الاستهلاكية في المدينة المنورة على غياب ثقافة العمل التعاوني لدى المجتمع.
«الاقتصادية» تستكمل اليوم حلقات ملف الجمعيات التعاونية التي بدأت مطلع الأسبوع الجاري، حيث نستعرض تجربة انطلقت من طيبة الطيبة «الجمعية التعاونية الاستهلاكية» للحد من تضخم الأسعار والسيطرة عليها، من خلال إيجاد حلول وبدائل للسلع المتضخمة، فإلى التفاصيل:
#2#
غياب الفكر التعاوني
في البداية يؤكد القائم على هذه الفكرة في المدينة المنورة والمسؤول عن تأسيس الجمعية التعاونية الاستهلاكية في المدينة المنورة محمود رشوان أن الثقافة شبه الغائبة شعبيا لمثل النوع من العمل التعاوني هي كما يبدو التحدي الأبرز لأصحاب الجمعيات التعاونية الذين هم بحاجة ليس فقط لرؤوس أموال، بل لمشاركة أفقية كبيرة من طبقات متنوعة من أفراد المجتمع.
لا يقلل رشوان من أهمية رؤوس الأموال التي تأكد لاحقا أن أقلها لإنجاح مشروع الجمعية التعاونية الاستهلاكية يجب أن يتعدى عشرة ملايين ريال لمنافسة أباطرة تجارة التجزئة.
وهنا يشير إلى الحاجة إلى رؤؤس أموال ضخمة لتنافس كجمعية كبار تجار التجزئة العالميين الذين شرعوا منذ العام الماضي في ملء الفراغ في المدينة المنورة وتحتاج تبعا لذلك إلى الثقافة الشعبية لدى المساهمين بجدوى الجمعيات الاستهلاكية.
صعوبة إجرائية
ويلفت رئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية وعضو اللجنة التجارية الوطنية إلى صعوبة الجانب الإجرائي في هذا الجانب، مشيرا إلى أن العمل الإجرائي الروتيني المتمثل في تسجيل الجمعية لدى الجهات المعنية بالشؤون الاجتماعية استغرق وقتا قارب الأربعة أشهر في المدينة المنورة، بينما استغرق الأمر في الرياض حين المراجعة يوما واحدا فقط.
ويقول محمود رشوان رئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية في المدينة المنورة حول هذا الموضوع: «إن حكومة خادم الحرمين الشريفين تولي الجمعيات التعاونية عنايتها واهتمامها يقيناً منها بأن النشاط التعاوني، يمثل جانباً مهماً من جوانب النشاط الاقتصادي الوطني وعنصراً أساسياً في برامج تنمية المجتمعات المحلية، والذي يقوم على أساس من المبادرة الذاتية والمشاركة الجماعية للمواطنين، ويتم بالاعتماد إلى حد كبير على الموارد المادية والبشرية الوطنية».
ويشير رشوان إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بتوجيه الجمعيات التعاونية في المملكة والإشراف على العمل التعاوني من خلال مكاتب الإشراف التعاونية التي يبلغ عددها «15» مكتباً منتشرة في مختلف مناطق المملكة، ويتوافر بكل منها جهاز للإشراف التعاوني ووسائل النقل والأجهزة اللازمة، لتغطية ومتابعة أعمال الجمعيات التعاونية ميدانيا، وتأمين الرقابة والتوجيه والمساعدة على التخطيط لمشاريعها وتحسين مستوى أدائها، وتنشيط أجهزتها الإدارية العاملة والمشاركة في حضور اجتماعاتها وتفقد سجلاتها المحاسبية والإدارية.
وتبدو الجمعيات التعاونية الزراعية هي الأكثر حظا من غيرها من أنواع الجمعيات الأخرى وأبرزها الجمعيات التعاونية متعددة الأغراض وهي التي تباشر جميع فروع النشاط الاقتصادي غير أن الزراعية منها تركز نشاطها على إنتاج السلع الزراعية وتخزينها وتحويلها وتسويقها وكذلك مد الأعضاء عن طريق البيع أو الإيجار بما يحتاجون إليه من أدوات زراعية للنهوض بالإنتاج الزراعي .
التعاونية الاستهلاكية
ويقف رشوان عند الجمعيات التعاونية الاستهلاكية باعتبارها محطة توقف عندها كثيرا «تطور الجمعيات التعاونية في السعودية في السنوات الماضية نتيجة عوائق كثيرة رغم أهمية مثل هذا النوع من الجمعيات للمستهلك وهي التي تقوم بالعمل على البيع بالتجزئة للسلع الاستهلاكية التي تشتريها أو التي تقوم بإنتاجها بنفسها أو بالتعاون مع الجمعيات التعاونية الأخرى».
ورغم تطور النشاط التعاوني في المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلا أن محمود رشوان يلاحظ أن هذا التطور قد تأثر بصورة مباشرة بما طرأ على المجتمع من تغيرات في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فقد حدث هذا التطور الكبير في عدد الجمعيات التعاونية، وعدد المساهمين فيها وفي أرصدة ميزانياتها العمومية، إذ بلغ عدد الجمعيات التعاونية العاملة 161 جمعية تعاونية، وبلغ عدد أعضائها أكثر من 50 ألف عضو ورؤوس أموالها تزيد على 170 مليون ريال واحتياطياتها تناهز 400 مليون ريال وبلغ حجم تعاملاتها ما يقارب 380 مليون ريال وإجمالي موجوداتها تفوق 657 مليون ريال و بلغ إجمالي الإعانات المنصرفة لهذه الجمعيات منذ تأسيسها أكثر من140 مليون ريال.
إعانات اجتماعية
وتخصص الجمعيات التعاونية ما لا يزيد على 10 في المائة من صافي الفائض لديها كإعانات اجتماعية تصرف في وجوه منها المساهمة في ترميم وإصلاح و إنارة المساجد و فرشها وتكييفها إلى جانب المساهمة في إنارة الشوارع و ردم المستنقعات وصرف معونات الشتاء للمحتاجين بما في ذلك الملابس والأغذية والأغطية.
وتصرف هذه النسبة من فوائض الجمعيات التعاونية إضافة إلى ما سبق في منح الجوائز العينية والنقدية لطلبة المدارس المتفوقين تشجيعا لهم وتامين برادات المياه للمساجد والأماكن العامة وتعبيد الطرق وإقامة الحمامات الشعبية وإقامة السدود الترابية لحماية القرى من السيول.
الإسهامات الحكومية
اتسمت علاقة الدولة بالتعاونيات بتقديم الدعم لها وترك مسؤولية إداراتها لمجالس إدارة يتم انتخابها من المساهمين مباشرة ولدعم الحكومة السعودية للجمعيات التعاونية جانبان جانب معنوي وآخر مادي ويتمثل الدعم المعنوي في الإشراف والتوجيه والإرشاد لهذه الجمعيات وإمدادها بالمعلومات ومساعدتها في إجراء الدراسات وتسهيل حصولها على ما تحتاج إليه من خدمات فيما يتمثل الدعم المادي في منح الإعانات النقدية المختلفة التي أجاز النظام تقديمها لها لمساعدتها على تقديم خدماتها والإسراع في تطور أعمالها وبما يتناسب مع حجم عمل كل جمعية تعاونية وفعاليتها.
ويشير محمود رشوان إلى الدعم الحكومي المادي باعتباره دعما يعطى لمرة واحدة لمساعدة الجمعية عقب تسجيلها في نفقات التأسيس على أن لا تزيد تلك المعونات عن خمس رأس المال وقت التسجيل كما تتم المساعدة في بناء المقر للجمعية لمزاولة أعمالها ونشاطاتها على ألا تزيد على نصف التكاليف المقررة للبناء موزعة على دفعات تتناسب مع مراحل التنفيذ .
و تتضمن المعونات الحكومية وفقا لرشوان بندا للإعانات المخصصة لدعم المشاريع التي تتبناها الجمعيات التعاونية وتدخل ضمن اختصاصاتها بما لا يزيد على ربع التكاليف المرصودة للمشروع كما تقوم الدولة بالتعويض بما لا يزيد على نصف الخسارة لمشاريع تعرضت لخسائر فادحة نتيجة ظروف قاهرة. وتشمل المعونات الحكومية الجانب الإداري فيما إذا عينت الجمعية مديرا متفرغا لأعمالها تتناسب كفاءاته ومؤهلاته مع النشاطات التي تؤديها الجمعية بما لا يزيد على نصف الراتب الشهري للعامين الأولين و بما لا يزيد على الربع للعام الثالث إلى جانب إعانة مالية تقدم كمكافأة لمجلس الإدارة للجمعية إذا ما انتظمت اجتماعاته بحيث لا تقل عن 12 اجتماعا في السنة و بما لا يتجاوز خمس الأرباح السنوية للجمعية كحد أقصى للمكافأة هذا إضافة إلى بنود إعانات أخرى .
وتقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية بمنح الجمعيات التعاونية الأراضي الصالحة لإقامة مبانيها و منشآتها عليها كهبة أو بأسعار رمزية فيما تقوم وزارة الزراعة بتقديم المشورة الفنية للجمعيات التعاونية الزراعية ومتعددة الإغراض بما يحقق أهدافها و الاشتراك في وضع الدراسات المسبقة التي تسبق تسجيل الجمعيات حتى تقوم على أسس ثابتة فيما يقدم البنك الزراعي القروض اللازمة للجمعيات التعاونية لشراء الآليات الزراعية و المكائن والمحروقات وكذا صندوق التنمية الصناعية الذي يقدم قرضا لإنشاء المصانع الخاصة بالإنتاج الزراعي كمعاصر الزيتون.
أهمية التعاونيات في التنمية
#4#
ويشير عبد الغني الأنصاري المدير الإقليمي لصندوق المئوية في المدينة المنورة، إلى أن الدولة تبدي اهتماما بالجمعيات التعاونية كونها تعد أجهزة قادرة على المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها مؤسسات لتجميع القدرات وإمكانات الأهالي وتعبئتها لدعم الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن مبدأ التعاون صار أساسا في تطوير وتنمية المجتمعات المحلية وتحقيق خدمات اقتصادية لمرافق حيوية في مختلف شؤون حياة المواطنين في مجالات الزراعة الحديثة ومتطلباتها والمهن الحرفية والتموين الاستهلاكي والإنارة الكهربائية والمواصلات وكذلك العيادات الطبية ورياض الأطفال، كما امتد النشاط التعاوني ليقدم خدمات اجتماعية متعددة لتحسين أوضاع البيئة ورفعة شأنها بالشكل الذي يليق بالمواطن السعودي.
ثبات أسعار السلع
ويعود محمود رشوان صاحب فكرة أول جمعية استهلاكية في المملكة ليشير إلى أهمية وجود الجمعيات الاستهلاكية باعتبار ذلك يعد ضمانة كافية لثبات الأسعار في السلع والخدمات خاصة في القرى التي أنشئت بها جمعيات تعاونية علاوة على توفير هذه السلع والخدمات وتعزيز ما اصطلح على تسميته «ثقافة التعاونيات»، التي سجلت نجاحا متفاوتا في عديد من القطاعات على الصعيدين المحلي والعالمي. ويلفت رشوان إلى نقطة ذات أهمية بالغة في هذا الصدد إذ توفر الجمعيات التعاونية الاستهلاكية السلع بأسعار مخفضة إلى جانب تلبية رغبات المواطن الملحة في الاستثمار في ذات الوقت ما يقود لتحقيق فرقا كبيرا في مستوى خدمة احتياجات المواطنين اليومية.
متطلبات النجاح
يجمع الاقتصاديون والمهتمون بهذا الشأن على عدد من الخطوات لإتمام نجاح مثل هذا النوع من الجمعيات بدءا بإعداد دراسة جادة للجدوى الاقتصادية وأن تكون محددة النشاط ونطاق الخدمة إلى جانب أهمية مباركة شخصيات عامة وكبار المسؤولين للفكرة كنوع من التزكية.و ذلك لكي تنطلق الجمعية تحت مظلة رسمية.
ويضيف محمود رشوان رئيس اللجنة التجارية في غرفة المدينة: بعد المباركة يتم التعريف بالجمعية في مختلف المحافل والجهات لاسيما الأمر للجمعيات الاستهلاكية التي تحتاج إلى رأسمال كبير وعدد كبير أيضا من المساهمين (مثل إدارات التعليم و المستشفيات والجامعة والعسكريين وخلافه بالتنسيق مع جهاتهم .
كما يجب التركيز – بحسب رشوان - على السلع الأساسية والسلع التي يمكن أن تسجل فيها الجمعية ميزة تنافسية مثل السلع الأساسية ( اللحوم والأرز والخضراوات والزيوت والحليب.....) حيث إنها ستحصل عليها بأسعار تنافسية لأنه في الغالب تحصل عليها من مصادرها الأصلية وبكميات كبيرة سواء من الداخل أو الخارج.
دراسات جدوى
يشير عبد الغني الأنصاري عضو لجنة السياحة في غرفة المدينة المنورة إلى أهمية رأي رشوان في ضرورة عمل دراسات جدوى اقتصادية بشكل جماعي أو شبه جماعي مثل مجلس الغرف السعودية أو الغرف التجارية بشكل مجتمع لأكثر من غرفة في منطقة إدارية واحدة أو أوسع من ذلك لإقليم واحد متقارب ومتجانس حتى يتم الخروج بنتائج جيدة ويمكن معها إقامة أكثر من جمعية في مدينة كبرى أو منطقة إدارية بحيث يمكن التعاون فيما بينهم كأن يوزعوا بينهم المهام فتقوم على سبيل المثال إحداها بالبحث عن مصادر متعددة وبدائل منافسة لسلعة معينة تتولى كل جمعية سلعة أو حزمة سلع متجانسة لتوفيرها للجميع و الأخرى كذلك، ثم يتم بعد اكتمال المعلومات وتحديد أفضل المصادر والبدائل والأسعار وشروط التوريد وخلافه.
سياسة الشراء الموحد
ولفت الاقتصاديون إلى أهمية سياسة الشراء الموحد حيث يتم بعد الخطوة السابقة كنوع من الاتفاق القيام بعمليات الشراء الموحد بحيث تشتري الجمعية (س) على سبيل المثال كميات ضخمة من الأرز من مصدره لصالحها ولصالح الآخرين فتحصل على أفضل المكتسبات في ذلك من ناحية الخامات والأسعار وخلافه فيما تقوم الجمعية (ص) بذلك الأمر لسلعة أخرى والجمعيات الأخرى بالأدوار نفسها لسلع أخرى فيتحقق للجميع ميزات تنافسية عديدة تعود بالخير على جميع مساهمي تلك الجمعيات.