وضع المقابر لا يسر .. أهالي المتوفين يستعينون بالمخلفات لتحديد القبور

وضع المقابر لا يسر .. أهالي المتوفين يستعينون بالمخلفات لتحديد القبور
وضع المقابر لا يسر .. أهالي المتوفين يستعينون بالمخلفات لتحديد القبور
وضع المقابر لا يسر .. أهالي المتوفين يستعينون بالمخلفات لتحديد القبور
وضع المقابر لا يسر .. أهالي المتوفين يستعينون بالمخلفات لتحديد القبور

كبار سن تحمل لهم الكراسي ليجلسوا عليها، حرارة شمس شديدة يحتمي منها الكبار داخل السيارة إلى حين الانتهاء من دفن الميت واستقبال المشيعين، تجمهر حتى لا تستطيع أن ترى القبر، بل يمتد هذا التجمهر ليقف بعض على قبور فيها متوفون، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى، فتجول ببصرك على القبور لترى إطار عربة وضع على ناصية قبر، علب مياه فارغة، شماغ، سطول بلاستيكية، علب معدنية، كتابات بالدهانات على جدران المقبرة، علامات مختلفة ومبتكرة تحيط بتلك القبور وأخرى تعتليها.

''الاقتصادية'' رصدت مشاهد غير مقبولة رغم أنها مألوفة، وذلك بسبب الحاجة إلى الاستدلال على القبور، ما ألجأ بعضهم للبحث عن علامة فارقة يستدل فيها على قبر أي متوفى له، والمشهد في النهاية صورة مقززة.

يروي أحدهم أنه بعد دفنه لوالده ''يرحمه الله'' في مقبرة النسيم ـ شرقي الرياض، أشار عليه أحد أقاربه أن يقوم بوضع علامة يستدل فيها على القبر عند رغبته في زيارة القبر أو غيره من إخوته وأقاربه، فما كان منه إلا أن أخذ غطاء لعلبة الماء البلاستيكية ذات اللون الأزرق وقام بغرسها في طرف القبر الذي لا يزال طريا، مشيرا إلى أن والده متوفى منذ ثلاث سنوات ولا يزال يستدل بهذه العلامة حتى اليوم.

فيما آخر قام بوضع إطار عربة على رأس قبر قريب له، ليسهل عليه الوصول عند الزيارة، مشيرا إلى أن ما دعاه لذلك هو تشابه المقبرة، وعدم وضوح المواقع.

#2#

الدكتور عبد الوهاب بن ناصر الطريري نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم علق على تلك الصور والمشاهد بقوله ''الحديث عن المقابر وما يجري فيها حديث عن وضع استثنائي لا نزال نعيش حيرة معرفة سبب هذا الوضع بكل سلبياته''، وأضاف ''دعني وإياك نتساءل عن منظر المشيعين وهم متجمعون حول القبر، وتنظر إليهم وكأنهم متجمعون أمام حادث سير، لا يوجد مظلات تقي الواقفين حرارة الشمس، ولا كراسي يجلس عليها كبار السن، وكأن العناء جزء من شعائر الدفن والتعزية، ولا يعلم إنس ولا جان ما هو المانع أن توجد مظلة يستظل فيها الناس الذين لا يشاركون في الدفن، بدلا من تجمهرهم وقوفًا تحت حرارة الشمس بعد صلاة الظهر أو العصر، وأما كبار السن؛ فيتركون في السيارات، فلا يوجد ما يمكن أن ينزلوا فيجلسوا عليه، حتى إذا فرغ من الدفن وجاءت التعزية رأيت حال التدافع والازدحام والفوضى والعناء على المعزيين ومَن يتلقون العزاء بسبب فوضى المكان، وكأن الدفن يتم في صحراء لا يمكن أن تصل إليها وسائل الإعانة والراحة''.

ويضيف الدكتور الطريري ''إن الناس في هذا الوضع أحوج ما يكونون إلى ما يخفف عناءهم ومعاناتهم، ومع ذلك تغيرت كل أنماط الحياة إلا هذا الوضع الذي تغيب أمانات وبلديات المدن عن حله''.

#3#

وعن إشارات الاستدلال على القبور التي يلجأ لها بعضهم، فيقول نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم ''إن علامات القبور والتي يتفنن الناس بوضعها على أشكال غاية في الغرابة والعجب، فمن إطارات السيارات، إلى أغطية البراميل، إلى بقايا الأوعية والأواني، فإن هذه ضرورة ألجأت الناس إليها غياب البدائل الصحيحة المناسبة وغياب دور البلدية في ترقيم القبور، ولذلك، فإن الناس سيحتالون كل حسب ما تتفق عنه مواهبه ويسعفه أي شيء يجده ليجعل منه شارة يعرف فيها قبر والديه أو عزيز لديه''.

وعن أهمية وضع علامات تحت إشراف من الجهات ذات العلاقة بالمقابر، أكد الدكتور الطريري أن وضع علامات تحمل أرقام القبور يريحنا من هذه الأنصاب التي توضع على القبور بأشكال متنوعة ويحفظ ناحية أخرى مهمة، وهي الناحية الأمنية فربما دفن شخص ثم اكتشف بعد ذلك أن صاحب الاسم ما زال حيا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وإذا احتاج الأمر إلى كشف الجثة وتحليل عينة منها، فإن ذلك سيكون ضربا من المستحيل، فأين ستعرف في هذه المتاهة من القبور، والتي لا يوجد ما يميزها، ولقد وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - صخرة على قبر عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - وقال ''أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات مِن أهلي''.

#4#

فقوله: ''أتعلم بها'' إشارة إلى أن كل علامة يمكن أن تقوم مقامها، وأدق العلامات الآن وأضبطها هو الترقيم، أو كتابة الاسم وأما رواية النهي عن الكتابة على القبور في حديث جابر - رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها).

فهي رواية ضعيفة، ولذا قال الحاكم عنها ''ليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف''.

وقبر الشيخ صالح بن عثمان القاضي شيخ العلامة ابن سعدي في عنيزة عليه لوح حجري مكتوب عليه اسمه، وكذا قبر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والعلماء متوافرون بمن فيهم الشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله.

وعن رأيه، فيمن يرى أن زيارة المقبرة تكفي عن زيارة قبر بعينه، بين نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم أن زيارة القبور سنة نبوية حث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ''زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة''.

وقد تكون الزيارة زيارة للمقابر عامة، كما زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبور أهل بقيع وشهداء أحد، وقد تكون زيارة خاصة لشخص بعينه، كما زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، كما في صحيح مسلم.

وكما كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يزور قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فيقف ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. فخص كلًا منهم بسلام خاص.

ولذا فإن وضع المقابر يحتاج اليوم إلى تصحيح من ناحية إجراءات الدفن، بحيث تكون لائقة بأهل الميت والمشيعين، ومن ناحية تعليم القبور، بحيث يكون الترقيم بطريقة تحافظ على تحديدها، وتظهر بمنظر لائق يدل على الإعلام، وليس على التعظيم.

الأكثر قراءة