تركي الرشيد.. عندما تكون الإعاقة بوابة نحو التفوق والإبداع
تركي بن بندر الرشيد شاب لم يتجاوز عمره 13 عاماً من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم تمنعه إعاقته الحركية من مواصلة دراسته، بل والتفوق على أقرانه وزملائه في المدرسة، حتى أصبح مرجعاً لزملائه في الفصل، فيستعينون به ليقوم بشرح الدروس لهم، تغلب على صعوبة المشي والنطق، وكل الظروف التي صاحبته، معتمداً على الله سبحانه وتعالى، ومن ثم تشجيع ورعاية والديه له.
يدرس تركي في الصف الثاني متوسط، نجح بتفوق على زملائه وانتقل إلى الصف الثالث متوسط بتقدير ممتاز، طموحه كبير، وأمله مواصلة دراسته، ونيل درجة الدكتوراه في العلوم الشرعية.
«الاقتصادية» زارت تركي في منزله ورأت في وجهه الطموح والأمل، استقبلنا بابتسامة لم تفارقه طيلة اللقاء معه، وكأنه يعرفنا منذ زمن، رفض الحديث إلينا إلا بعد أن نتناول الضيافة، بعدها تجاذبنا الحديث معه عن إعاقته والمدرسة وهوايته وأصدقائه.
بداً تركي في حديثه عن إصابته بقوله: «الحمد لله على قضاء الله وقدره، فإصابتي أعاقتني عن الحركة ولم تعقني عن التفكير ومشاركة أقراني في الدراسة وممارسة هوايتي، فرغم إلا إعاقتي الحركية التي تدرجت معي منذ الصف الرابع الابتدائي إلى الآن إلا أن كل هذا لم يحبطني ولم يحزنّي، حيث كان والدي ووالدتي دائماً ما يرددون على مسامعي قول النبي صلى الله عليه وسلم «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير» هذا الحديث دائماً ما استذكره للتخفيف عن آلامي، والمضي قدماً للتفوق والحصول على الدرجات العليا».
وأضاف:» وجدت كل العناية من والد الجميع المحبوب الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، حيث أمر بعلاجي على حساب الدولة في أرقى المستشفيات المتخصصة في الإعاقة الحركية في فرنسا، وبدأت تتحسن حالتي، فله مني الدعاء والحب، فهو بالنسبة لي أب لي».
وتابع:» لم أشعر يوماً من الأيام بالوحدة أو بالإعاقة لأن الجميع حولي فوالدي هو صديقي، يشاركني في أفكاري، يوجهني، ووالدتي –حفظها الله- تساعدني في متابعة واستذكار دروسي، فبهما استمد طاقتي، فأنا أمارس هوايتي كأي شاب في عمري غير مصاب».
وعن برنامجه اليومي قال» برنامجي يبدأ من صلاة الفجر في المسجد، ومن ثم الاستعداد للذهاب للمدرسة، وفي العصر أذهب بصحبة بعض زملائي إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المسجد المجاور لمنزلي، ومن ثم آخذ قسطا من الراحة في ممارسة بعض الهوايات المحببة لي كالسباحة ومشاهدة مباريات كرة القدم، وتصفح الإنترنت، بعدها استذكر دروسي، ومن ثم الخلود للنوم والاستعداد ليوم جديد».
وعن تعامل معلميه وزملائه معه ذكر أن المعلمين في المدرسة يعاملونه بكل احترام وتقدير مثله مثل زملائه الآخرين، وأنه لا يشعر بأي تميز بسبب إعاقته، مشيداً بالتعامل الراقي من مدير المدرسة عبد الرحمن الحبردي الذي سهل له كل الصعوبات بتعامله الراقي، الذي يجسد مثالاً حسناً للعاملين في الميدان التربوي، كما أثنى على برنامج «الدمج» الذي تعمل به وزارة التربية والتعليم، الذي أزاح الفارق بين ذوي الاحتياجات الخاصة والآخرين.
ويعد تركي المدرسة بيته الثاني حيث تعرف على أصدقاء له يحبهم ويحبونه، أمثال نايف وبدر الهشبل وخالد الحبردي، حيث يشاركونه في أفراحه وأحزانه.
وأشار تركي الرشيد إلى أنه وضع هدفاً في حياته وهو تحقيق درجة الدكتوراه في العلوم الشرعية، وتخصيص رسالة الدكتوراه في نشر ثقافة الحوار، مبيناً أنه يسعد بخدمة وطنه في أي مجال.
ودعا تركي كل ذوي الاحتياجات الخاصة إلى التغلب على إعاقتهم، وألا يستسلموا لها، فالتاريخ خلد لنا أسماء كثيرة من العلماء والعباقرة من ذوي الاحتياجات الخاصة ارتقوا بأوطانهم وشعوبهم، كما طالب المجتمع بأن يمنح ذوي الاحتياجات الخاصة الفرصة، وألا ينظروا لهم نظرة ضعف.
من جانبه، يذكر بندر الرشيد والد تركي أن أبنه يتصف بحبه للخير، فهو حريص على الصلاة وحضور المحاضرات في المسجد رغم صعوبة تحركاته، محبوب بين زملائه وفي الحي، أفكاره أكبر من سنه.
وأكد أبو تركي أنه حرص على تسجيل ابنه في مدرسة مع طلاب أصحاء لكي يكسر حاجز الخوف من نظرة الناس لدى ابنه، مشيراً إلى أن نظرة الناس اختلفت عن السابق، وأن هناك ثقافة عالية في المجتمع في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، مستشهداً بالجهود التي تبذلها الدولة لهذه الفئة، ومعتبراً الأمير سلمان بن عبد العزيز صاحب الأيادي البيضاء لذوي الاحتياجات الخاصة. وأشاد الرشيد بالجهود الكبيرة والدعم الذي يجده تركي من قبل الأمير عبد العزيز بن سلمان.