فرنسا بين منع ارتداء الحجاب وتحويل باريس إلى عاصمة للتمويل الإسلامي
بينما يدور الجدل في فرنسا حول منع ارتداء الحجاب، تقود الحكومة توجهاً لجذب استثمارات تقدر بالمليارات من البلدان الإسلامية، عبر تحويل باريس إلى العاصمة الأوروبية للتمويل الإسلامي.
ووافق البرلمان الفرنسي هذا الشهر على تعديل بعض القوانين من أجل السماح بإصدار الصكوك أو السندات الإسلامية، وتقدم بنك قطر الإسلامي بطلب ليكون أول بنك إسلامي يفتح مركزاً له في فرنسا.
ونظراً لوجود أكبر أقلية مسلمة فيها بين البلدان الأوروبية، تأمل فرنسا في أن تزيح لندن باعتبارها المركز الأوروبي للمصرفية الإسلامية، عبر تقديم منتجات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وتفي باحتياجات كبار المستثمرين وجلهم من البلدان الخليجية.
غير أن هذا التوجه يثير موجة من المشاكل، حيث إن بعض السياسيين من المعارضة يتهمون الحكومة بتدمير العلمانية الفرنسية التي عادت على البلد بفوائد كثيرة من أجل استقطاب الشركات الثرية. وقال النائب الاشتراكي هنري إيمانويلي: «عندما يتعلق الأمر بالمسلمين الأثرياء، فإننا نرحب بهم ولكن عندما يكونون فقراء، فإننا نضعهم على الطائرات ونرحلهم». وبعد أن أخفقت المعارضة الاشتراكية في جمع عدد كاف من الأصوات لإفشال مشروع القانون، عمدت إلى الطعن في قانونية التشريع الجديد الخاص بنظام التمويل الإسلامي أمام المجلس الدستوري.
وقال إيمانويلي: «لا يجب أن نسمح بإدخال مبادئ الشريعة الإسلامية أو أخلاقيات القرآن إلى القانون الفرنسي». يشار إلى أن الشريعة الإسلامية تحرم جني الأموال من الأموال كتقاضي الفائدة الربوية، والاستثمار في الشركات التي تعمل في المشروبات الكحولية والقمار والتبغ.
وتركز جزء كبير من الجدل حول فتح السوق الفرنسية أمام الصكوك التي تستند إلى الموجودات ولا تدفع فائدة ربوية، بل يتلقى المستثمرون كوبونات تساوي جزء الأرباح التي يحققها الأصل الذي يستند إليه السند.
ويقول الخبراء الاقتصاديون إن الأموال التي يتم جمعها عبر نظام التمويل الإسلامي يمكن أن تساعد على دفع تعافي فرنسا الذي هو في بداياته بأدوات تعتبر أسلم مالياً من المشتقات عالية الخطورة التي أدت إلى الانهيار العالمي في عام 2008.
ويقدر إلياس جويني الذي أعد تقريرا قدم إلى الحكومة الفرنسية في العام الماضي، أن فرنسا يمكن أن تحصل على 120 مليار يورو على شكل رأسمال من التمويل الإسلامي عبر إجراء تعديلات على قوانينها الضريبية والمصرفية.
ويمكن جمع سبعة مليارات يورو فقط من هذا المبلغ داخل فرنسا وذلك من مسلميها البالغ عددهم خمسة ملايين شخص.
وأوضح جويني قائلا: «توجد احتياطيات مالية بالغة الأهمية في البلدان الخليجية وفي بلدان منطقة جنوب شرق آسيا، كما أن هذه البلدان مستعدة للاستثمار في أي بلد ولكن لديها قواعد محددة على الصعيد الأخلاقي وعلى صعيد اختيار الاستثمار. وإذا أرادت فرنسا أن تجذب رأس المال هذا إلى اقتصادها فيجب عليها أن توفر الإمكانية لهؤلاء المستثمرين للعمل وفقاً لقواعد التمويل الإسلامي».
ومن المقرر أن تخاطب كريستين لاجارديه وزيرة المالية وكريستيان نوييه محافظ البنك المركزي مؤتمراً رئيسياً في باريس هذا الأسبوع قد يسفر عن صدور بعض الإعلانات حول تشجيع استخدام نظام التمويل الإسلامي في الاقتصاد الفرنسي.
وشجبت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا نظام التمويل الإسلامي باعتباره يشكل «خطراً على المجتمع» بسبب الهجرة. وقال جويني إن معارضة التغييرات المقترحة تنبع من «الخوف من المجهول».
وأضاف جويني: «هناك خلط بين كلمة إسلامي والإسلام المتشدد، كما أن كلمة الشريعة تثير المخاوف لأن البعض يعتقدون أن النساء مجبرات على تغطية أنفسهن. كما أن كلمة فتوى تثير المخاوف لأن البعض يفكرون عند ذكرها بسليمان رشدي، لكن الفتوى ليست أكثر من رأي».
ويواصل جويني الحديث: «إن نظام التمويل الإسلامي مأخوذ من المبادئ الأخلاقية للشريعة الإسلامية»، ولكنه يتوافق مع قوانين البلاد وليس فيه خروج عن حدود الشريعة أو المجتمع المدني».
وجاء التوجه الفرنسي لفتح الباب أمام نظام التمويل الإسلامي عندما كانت لجنة برلمانية تنظر في اتخاذ تدابير لحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في فرنسا، ما أشعل موجة جديدة من الجدل حول مكانة الإسلام في ذلك البلد.