من وحي الاقتصاد السلوكي: احذر المحاسبة الذهنية

تصور معي الحالة التالية: أنت في مكتبة وقررت شراء قلم جديد، فوجدت أن سعر القلم الذي ترغب بشرائه 250 ريالا، ولكنك سمعت من متسوق آخر أنه وجد القلم نفسه في مكتبة أخرى تبعد عنك نحو عشر دقائق وبسعر 150 ريالا، فهل ستذهب لهذا المحل الآخر؟ معظم الأشخاص سيفعلون ذلك، إذ يرون أن توفيرا بقدر 40 في المائة يستحق المشوار.
لكن ماذا لو غيرنا المثال قليلاً، فلنفترض أنك في المكتبة نفسها لتشتري كمبيوتراً جديداً بدلاً من القلم، والكمبيوتر الذي استقرت عليه سعره 5.000 ريال. وكما في المثال الأول تسمع من متسوق آخر أن الكمبيوتر ذاته موجود في محل آخر بسعر 4.900 ريال (أي بتوفير قدره 100 ريال)، فهل أنت مستعد للذهاب لهذا المحل الآخر في هذا المثال؟ معظم الناس أقل استعداداً لتكبد العناء الإضافي مقابل توفير زهيد لا يكاد يبلغ 2 في المائة.
السؤال في كلتا الحالتين هو «هل أتكبد مشوار عشر دقائق في سبيل توفير 100 ريال؟» لكن الجواب يختلف عادة بحسب المبلغ الذي نوفر منه وبحسب نسبة التوفير المتحققة (مع أن ذلك ينبغي ألا يؤثر في قرارنا)، وهو ما يعرف بالمحاسبة الذهنية، إذ يقوم الإنسان لا شعورياً بتأطير المعلومة (توفير 100 ريال من الأمثلة السابقة) بطريقة مختلفة بحسب الظروف المحيطة بها، مما يؤدي لأن يعطيها قيمة مختلفة باختلاف تلك الظروف. وهذا مثال حي للأخطاء الكثيرة التي يقع فيها بنو البشر عند اتخاذ قراراتهم المالية. هذه الأخطاء كانت مهملة في علم الاقتصاد التقليدي الذي كان يفترض أن الناس يتصرفون دائماً في غاية المنطق والعقلانية، ولكنها أصبحت تؤخذ في الحسبان مع انتشار علم الاقتصاد السلوكي (الذي تحدثت عنه في مقال سابق بعنوان: «المال والسعادة...بعض التأملات من علم جديد»، المنشور في 16/08/2009م).
فكيف لنا أن نوظف هذه الأفكار في حياتنا اليومية؟
* عندما تفكر في التوفير، ستجد أن توفير نسب ضئيلة من مصاريفك الكبرى عادة ما يحقق منفعة أكبر من أعمال التوفير اليومية التي تمارسها في العادة. فكثيراً ما نرى ربات البيوت يسارعن للبحث عن العروض الخاصة في تسوقهن الأسبوعي، ولكنهن يتكاسلن عن البحث عن أفضل العروض عند شراء طقم مجوهرات (والذي قد يحقق لهن توفيرا أكبر).
* عند قيامك بأي صرف كبير، كن حذراً من أي مواصفات إضافية يحاول البائع تقديمها لك، فكثير من الناس الذين يقومون بشراء سيارة بسعر 150.000 يقتنعون باختيار الموديل ذي المقاعد الجلدية ونظام الملاحة بسعر 180.000 ريال، دون أن يلاحظوا أن السعر الإضافي يزيد على تكلفة طقم الكنب في منزله، وأنه يمكن الحصول على أفضل جهاز ملاحة بما يقل عن 1.000 ريال من مختلف محال الإلكترونيات. وكذلك الحال في حالة الضمان الإضافي، الذي تحاول بعض الشركات بيعه على منتجاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي