فرنسا تؤكد تذليل الصعوبات أمام التمويل الإسلامي

فرنسا تؤكد تذليل الصعوبات أمام التمويل الإسلامي
فرنسا تؤكد تذليل الصعوبات أمام التمويل الإسلامي

خطوات مهمة، لها ما بعدها، تأخذ طريقها في ترسيخ أقدام صناعة المالية الإسلامية في فرنسا. في سبيل ذلك عقدت فرنسا في الثالث من الشهر الجاري ندوة مهمة في مبنى وزارة المالية الفرنسية، في باريس برعاية وحضور وزيرة المالية ''كريستين لاغارد'' وعدد كبير من المهتمين ورجال الأعمال، والبرلمانيين، وممثلي البنوك، حيث نوقشت مسائل مهمة في المالية الإسلامية ومستقبلها في فرنسا، وألقت وزيرة المالية كلمة في غاية الوضوح تؤكد اهتمام الحكومة بتذليل كل الصعاب القانونية، والإجرائية أمام الاستثمارات الإسلامية المنضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية، وقد حضر الندوة الدكتور عمر زهير حافظ وأعد هذا التقرير.

ليس غريبا إذا علمنا أن فرنسا فيها نحو ستة ملايين مسلم يمثلون أكبر تجمع للمسلمين في أوروبا، وتحرص الحكومات الفرنسية على توفير متطلبات هذه الجالية، إضافة إلى أن الحكومة حريصة على أن تجذب الأموال من منطقة الخليج العربي، منافسة لبريطانيا، ولا بد أن تبرهن لأصحاب هذه الأموال أنها ترعى رغبة من يريد منهم أن تكون الاستثمارات إسلامية.

وتحدث في الندوة الشيخ عبد الله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والعلامة المشهور، في هذه الندوة، ولقي حفاوة بالغة من الرسميين والحضور، وقال كلاما رائعا باللغة الفرنسية التي يجيدها، مما استرعى الانتباه والإعجاب، جاء فيه:
''ها هو التشريع الإسلامي وبخاصة في مجال المعاملات المالية يتقدم اليوم للوساطة بين الغرب والعالم الإسلامي، لقد كانت الرياضيات مع الخوارزمي والفلسفة الإسلامية – ويجوز أن أقول اليونانية بأيد إسلامية - مع ابن رشد تقوم بالوساطة بين العالمين وبين عدوتي البحر الأبيض المتوسط، ولعل ابن رشد يحيا مرة أخرى مع كتابه البديع الذي يعد فقها مقارناً في التشريع الإسلامي وبخاصة في الأبواب التي خصصها للمعاملات المالية والذي بدأه بأنواع الخلل الشرعي الذي يعتري العقود، حيث قسمها إلى خمسة في تقنين رائع يستمد من نصوص الكتاب والسنة ومن نتائج العقول والتجارب ومراعاة مصالح الناس.

#2#

وهنا قد يكون من المناسب أن أقول كلمة عن الشريعة الإسلامية، التي يمكن أن توصف بأنها: سلسلة من القواعد والضوابط والمبادئ والأحكام التفصيلية مغطية الأخلاق والسلوك والمعاملات في كل أبعادها، فكانت إيماناً وعبادات مقرونة بالعمل الصالح مما جعل القيم أساساً لقوانين المعاملات، والتكافل والتضامن أساس العلاقات الإنسانية.

وأكد على أن التشريع الإسلامي، بوضوح مبادئه وصرامة معاملاته وانفتاحه، ومرونته في الوقت نفسه، يوفر رديفاً ينافس منافسة جيدة الاقتصاد الوضعي لأنه يتكامل معه.

ونتيجة لهذا الاهتمام غير المسبوق في الحكومات الفرنسية، فقد تداعى بعض المهتمين من المهاجرين المسلمين، لإنشاء مجلس فرنسي للمالية الإسلامية، سجل رسميا في نهاية نيسان (أبريل) من هذا العام، ويرأسه الدكتور محمد النوري، وهو أستاذ في الاقتصاد، متخرج في جامعة السوربون، وذو سمعة علمية واجتماعية مرموقة، استطاع أن يقود مجموعة من العلاقات الهادفة مع الجهات الفرنسية الرسمية والمختصة، والمهتمة بهذا المجال.

وينتظر أن تؤتي جهود هذا المجلس، الذي يستهدف نشر الوعي بالمالية الإسلامية في أوروبا وفرنسا، والتنسيق مع السلطات المحلية والهيئات الخارجية لتطوير هذا المجال، ثمارا واعدة لمستقبل المالية الإسلامية في فرنسا خاصة.

وقد أنشأ المجلس هيئة شرعية لتقديم الرأي في هذا المجال، يرأسه الشيخ بن بيه, ومجموعة من العلماء المسلمين، وينتظر أن تقوم هذه الهيئة باعتماد ما يقدمه المجلس الفرنسي للمالية الإسلامية المعروف بـ COffIS من استشارات مالية شرعية تعين السلطات الفرنسية على تلمس الطريق حتى لا ينحرف التطبيق عن الرأي الشرعي المعتبر.

ومما يستحق الذكر في هذا المجال، إيراد ما تتبعه الدكتور عبد الرزاق بلعباسي، الباحث في مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، في ورقة ناقشها في المركز، من تفاعلات الحكومة الفرنسية مع موضوع المالية الإسلامية، بناء على ما صدر عن رئاسة الجمهورية، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الخارجية، والبرلمان، ومجلس الشيوخ، والمجلس الدستوري، والمصرف المركزي الفرنسي، وسلطة الأسواق المالية، ومنظمة ''باريس يوربلاس'' المكلفة بتعزيز تنافسية النظام المالي الفرنسي.

وأورد ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي الذي ألقاه بقصر الإليزيه أثناء مأدبة عشاء نظمت بمناسبة زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني أمير دولة قطر لفرنسا يوم الإثنين 22 حزيران (يونيو) 2009م، من اهتمامه بأن تلعب فرنسا دورا مهما في التمويل الإسلامي.

تذكر الورقة أنه منذ أواخر عام 2007م، وجه الرئيس نيكولا ساركوزي تعليمات لمختلف الجهات المعنية من أجل تطوير التمويل الإسلامي في فرنسا، منها المجلس الأعلى للنظام المالي الفرنسي.

وفي مذكرة للمديرية العامة للخزانة والسياسة الاقتصادية عن التسلسل التاريخي الذي اصطحب مبادرة الحكومة بشأن تطوير التمويل الإسلامي في فرنسا، يورد الدكتور بلعباسي ما جاء في مقدمتها: ''بتحفيز من كريستين لاغارد وعضو مجلس الشيوخ فيليب ماريني، قررت اللجنة العليا للنظام المالي الفرنسي في كانون الأول (ديسمبر) 2007م الشروع في التفكير بشأن تطوير التمويل الإسلامي في فرنسا.

وفي الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2008م، نشرت جمعية ''باريس يوروبلاس'' تقريرًا لإلياس جويني وأوليفيي باستري عنوانه ''الرهانات والفرص المتاحة لتطوير التمويل الإسلامي في النظام المالي الفرنسي''.

وبارتباط مع أعمال منظمة ''باريس يوروبلاس''، شكلت كريستين لاغارد في أيلول (سبتمبر) 2008م فريق عمل يضم متمرسين وأقسام إدارة الضرائب.

وتوجه عمل هذا الفريق بالخصوص نحو السبل التي توفر الأمن والتنبؤ الضريبي المسبق اللازم لظهور معاملات التمويل الإسلامي في النظام المالي الفرنسي.

وتضيف المذكرة قائلة: ''وقد قررت الوزيرة ''كريستين لاغارد'' تنفيذ مقترحات هذا الفريق من الخبراء بنشر بطاقات فقهية لإدراجها على المدى القصير ضمن القوانين الضريبية المدونة.

وتتعرض هذه البطاقات إلى المسائل الضريبية المتعلقة بأداتين من أدوات التمويل الإسلامي: الصكوك والمرابحة''.

وفي منتدى ''باريس يوروبلاس''، المنعقد في الثاني من تموز (يوليو) 2008م، أعربت كريستين لاغارد عن رغبة الحكومة في استقطاب التمويل الإسلامي ومنافسة المراكز المالية الأوروبية وعلى رأسها لندن، وتحرص الوزيرة الفرنسية، بنشاط ملحوظ، على المشاركة في اللقاءات الكبيرة المخصصة للتمويل الإسلامي، حيث حضرت المنتدى الفرنسي الثاني للتمويل الإسلامي المنعقد في باريس في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م، وحضرت مؤتمر ''اليوروموني'' عن التمويل الإسلامي الذي نظم في باريس في 29 أيلول (سبتمبر) 2009م في فندق ''لوبريستول''، وحضرت هذه الندوة التي ذكرتها في بداية المقال في 3/11/2009م، وستشارك في المنتدى الفرنسي الثالث للتمويل الإسلامي الذي سينعقد في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) 2009م تحت شعار ''التمويل الإسلامي: فرنسا تدخل في المباراة!''.

وقد دعيت جهات إسلامية مصرفية لحضور هذا الاجتماع المهم، ومنها البنك الإسلامي للتنمية، الذي آمل أن يكون له دور داعم لهذا التوجه الجاد، من الحكومة الفرنسية، مساهمة في تحقيق موقع متقدم للمجتمعات الإسلامية في أوروبا، وهو من صميم أهدافه، ودفعا لنشر العمل بالمنتجات المالية الإسلامية، وهو أيضا هدف من أهدافه السامية.

إنها فرصة تاريخية أن تسهم المصارف الإسلامية في إيجاد موقع في أوروبا عامة وفي فرنسا خاصة في عهد هذه الحكومة الصديقة التي فتحت صدرها للمالية الإسلامية، ويعيش في أرضها أكبر تجمع للمسلمين في أوروبا.

وإنني من خلال اتصال مباشر بنشاط المجلس الفرنسي للمالية الإسلامية وعلاقته مع الحكومة الفرنسية في هذا الخصوص، لأدعو إلى دعم هذا التوجه المتمثل في اغتنام فرصة الترحيب بالمالية الإسلامية، وتوثيق العلاقة مع الحكومية الفرنسية الحالية، لتحقيق موقع للعمل المصرفي الإسلامي، خاصة أن الأوساط المالية عموما تحمل في ذاكرتها صورة إيجابية عن المصرفية الإسلامية بعد الأزمة المالية التي اجتاحت العالم أخيرا.

الأكثر قراءة