خادم الحرمين يتصدى لكارثة جدة

خطاب خادم الحرمين حول سيول وغرق جدة يجسد مدى تأثره العميق بالمأساة .. وكعادته فهو يؤكد «أن المواطنين والمقيمين في أعناقنا.. ولن تأخذنا لومة لائم في المقصرين». فأمر بصرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد غرق وتعويض المتضررين في ممتلكاتهم الخاصة. وهو حل فوري للأزمة ولمواساة المتضررين. ولكن الأهم هو قراره بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ما حدث وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية على حدة، أو أي شخص له علاقة بها، ويحق لهذه اللجنة استدعاء أي شخص أو مسؤول كائنا من كان لطلب إفادته أو مساءلته. إنه تعهد صارم من خادم الحرمين الشريفين للتصدي لما حدث في جدة. وهو القرار الأهم. أو القرار الذي كنا نتمنى أن نسمع به من عقود لتحري الحقائق ومعرفة المقصرين لمعاقبتهم ليكونوا عبرة ومثالاَ يعتبر به الجميع. وليستأدب كل مقصر. فخدمة الوطن والمواطن ليست وظيفة يسعى لها أناس غير مؤهلين فقط للمنصب، بل هي وظيفة لخدمة الوطن ولحماية أرواح المواطنين، ومن يجد نفسه ليس أهلا لها يجب عليه أن يتنحى ويتركها لمن هو أقدر منه، وإلا فإن خادم الحرمين سيعاقب المقصرين. ولقد بادر وتحرك خادم الحرمين قبل أن نتحرك نحن كمواطنين في أنحاء المملكة للفزعة مع أهلنا في جدة. ويأتي دورنا كمواطنين بأن نفزع مع أهل جدة مثلما فزعنا مع أشقاء لنا في دول تضررت. وما قمنا به من حملات التبرع والإغاثة من خلال برامج تلفزيونية وغيرها من حملات.
لماذا أجد نفسي دائماَ أكتب مقالاتي عن «جدة غير»! سواء في أيام الرخاء أو الشدة! في الماضي انتقدت «جدة غير» في موضوع تحليف مثمني الأراضي ثم موضوع ازدواجية الصكوك وغيرها من المشكلات الاقتصادية التي تشوب المجتمع هناك سواء شح مياه الشرب أو حمى الضنك أو الاختناقات المرورية وغيرها. وجدة خلال الأسبوع الماضي مازالت غير! أحداث السيول والأمطار الغزيرة وما آلت إليه من فقدان أنفس بريئة تجاوز عددها المائة وإصابات بالمئات يتحمل ذنبها هذه المرة انعدام التخطيط أو فقدانه تماماَ وحتى لو وجد فإنه لم ينفذ. ومشكلة جدة تجسيد لما كنا نطالب به ومنذ أعوام لتلافي مثل هذه الكوارث. فقد كتبت منذ أعوام عن مشكلة عدم احترامنا للأودية والشعاب التي خلقها الله لتساعدنا على تصريف الأمطار والاستفادة منها، بل قطعناها أو مسحناها من خلال السماح ببيعها وتخطيطها ومن ثم بيعها على المواطنين. كما كتبت منذ أعوام عن مشكلة عدم وجود جهة مسؤولة عن إدارة الأزمات والكوارث. وأخيرا عن موضوع أهمية البنية التحتية وتوصيات منتدى الرياض الاقتصادي لإيجاد وزارة للبنية التحتية. فلو كانت هناك بنية تحتية مخططة جيداً لما وصلت الأزمة لما هي عليه الآن. فوجود شبكة الصرف الصحي وكذلك شبكة صرف مياه الأمطار والسيول كان سيحدث فرقاَ كبيراَ. ومهما قيل إن كمية مياه الأمطار كانت أكبر من سعة الشبكات لو كانت موجودة هو هراء وغير صحيح. فالأمطار نفسها هطلت على مكة ولكن مكة سبق التخطيط لها بشبكة قوية ولم نسمع بأية مشاكل والحمد لله وللبيت رب يحميه!
اللوم الأساس هو تخطيطي وسببه عدم وجود شبكة للتصريف والذي كان سيلعب دوراً مهماً في الحد والتقليل من مستوى ارتفاع المياه. وإن أي خفض في مستوى منسوب المياه ولو كان الثلث سيساعد المواطن الواقف على أن يخرج رأسه ليتنفس ويساعد على الحد من قوة دفع تيار مياه الفيضانات. ففرق سنتمترات قليلة يساعد. فهناك فرق في الخوض في بركة عمقها متر عن بركة عمقها متران! وهناك فرق بين متر وستين سنتيمترا أو مترين بحسب طول الشخص. صحيح أن الشبكة قد لا تستطيع تصريف ذلك الكم الهائل الذي قدر بثلاثة أضعاف ما كانت ستتحمله الشبكة ولكن هذا الثلث في ارتفاع من المنسوب هو الثلث الحرج الذي يهمنا لو كان موجودا. وهو الهدف الذي من أجله تصمم الشبكات للتقليل من مستوى المياه حتى لاتصل المنسوب الذي يغطي رأس الساكن ليجعله يستطيع إخراج أنفه ليتنفس ومن ثم تبدأ الشبكة بالتصريف الإضافي حتى يقل مستوى المياه وتخف قوة الفيضانات.
على الأقل لو خف الثلث من الضحايا والمصابين والخسائر المادية فهو مكسب. لقد قدرت الخسائر المادية بما يفوق ملياري ريال، فقليل من التخطيط قد يوفر الكثير علينا وعلى فقداننا الأرواح الغالية التي لا تقدر بثمن.
واللوم أو السبب عدم الاستجابة لعظمة الخالق في الأرض وما عليها. فالله خلق الأودية والشعاب لتكون وسيلة لتصريف المياه ونقلها إلى مستقرات معينة للاستفادة منها سواء للزراعة أو الصيد ولتكون ثروة ومصدر رزق ولو موسمياً. ولكننا لم نحترم ذلك سواء في جدة أو غيرها من المدن فدفعنا الثمن غالياَ في جدة وآمل ألا ندفعه مستقبلاَ في بقية مدننا والوقت لدينا لنتعلم الدرس من مشكلة جدة لنسعى من اليوم لإعادة النظر في بقية مدننا، فالأمطار المفاجئة قادمة ومتوقعة مع مشكلة الاحتباس الحراري.
اللوم الثالث يقع على موضوع إدارة الأزمات والكوارث والذي كتبت عنه أكثر من مرة. وهو موضوع نتساهل فيه ولا نذكر أهميته إلا بعد وقوع الكارثة. ومدينة جدة مثلها مثل بقية المدن يجب أن يكون هناك تخطيط مسبق لمواجهة مثل تلك الأزمات. فمشكلة الفيضانات في جدة قد تحدث في غيرها. وإن لم تكن كارثة مياه قد تكون كارثة غبار وريح صرر عاتية على مدن أخرى مثل مدينة الرياض.
تعازينا لأسر الشهداء وتمنياتنا للمصابين بالشفاء وبقية الأمور المادية أعتقد أننا شعب لم نتأخر في مساعدة جيراننا وأشقائنا فما بالك بأهل البيت. وعسى أن نعرف من الملام ومن المقصر سواء حالياً أو سابقاًَ. فجدة مر عليها الكثير من المسؤولين على مر السنين الماضية ولكن الجميع لم ينظروا إلى مشاريع البنية التحتية ومن نظر إليها تغافلها. أكثر ما اهتموا به هو تجميل الكورنيشات أو المكياجات ولكن تركوا الأساس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي