إبراهيم: مئتا أمٍّ يدعين له!
.. ممارسة العمل التجاري قد يكونُ فنـّاً إنسانيا، وقد تكونُ ممارسةً عملية، وقد تكون توجهاً مادياً، وقد تكون عملا سلبياً يتلفعُ بقناعٍ زائفٍ للأعمال.. وأروع وأجمل كل أنواع العمل التجاري عندما يكون فنا إنسانيا، بل إني وجدتُ، عندما يكون العنوان الأول للعمل التجاري هو المنحى الإنساني، فإن كل الأمور المادية التجارية تأتي تلقائيا مُيَسَّرة ومباركة فيما بعد.
ورجل الأعمال الشاب «إبراهيم آل الشيخ» اختار أن يكون عمله يحمل الداعي الإنساني، ولذا فهو رجل أعمال مرتاح فعلا، رجل لا تختفي البسمة من وجهه، ومن الناس القلائل الذين تأخذني هذه اللمعات البراقة في أعينهم، لمعات تقول إنهم يعيشون يومهم مليئا بلحظات سعادة الإنجاز، ومذاق الوصول للهدف.. الهدف السامي.
«إبراهيم آل الشيخ» عنده شركة صغيرة بمقاييس الشركاتِ الكبرى، ولكنها كبيرة ورائدة بطموحاتِها الإنسانية والوطنية، بل يكاد يكون المتفوقُ الأول إذا حسبنا التناسب في القياس في نزعته الوطنية بالذات، بالإثبات العملي الواقعي، لا بالتمنيات والتنظير، والآمال. وشركته هي نتاج فكرة مطبقة في العالم وفائقة العملية والمرونة والكفاءة، وهي آلية الامتياز (الفرانشايز) من شركة الاتصالات «موبايلي» فقد أعطته امتيازاً في مناطق معينة بمزايا معينة ليقوم ببيع وتنفيذ خدماتها لزبائنها، وبالفعل نمَتْ هذه الشركة تحت اسم «سعودي - كول Saudi - Call» الذي نمّى الشركة عقليةُ هذا الشاب وقلبه، يقول لي: « هناءتي الحقيقة، وقناعتي أن شركتي ستنمو وتكبر وتزدهر لأن مائتي أمّ يدعين لي كل صباح».. كيف؟
إبراهيم تطلب منه الأنظمة المعمول بها أن يكون 10 بالمئة من موظفيه سعوديين، ولكن من يومه الأول عزم على قلب المعادلة، بإرادته الذاتية، بطموحه الوطني الإنساني، وبنظرةٍ عمليةٍ إيجابية.. قرر أن يكون 90 بالمئة من موظفي شركته من السعوديين.. وعقد العزم على ذلك. حتى أقام حفلا بعد سنوات قليلة، ودُعِيتُ إليه.. أحكي القصة كما حصلت.
دعاني الشابُ يوسف الهويمل « وهو واحدٌ من شبابنا المتطوعين البارزين» لحضور الحفل الذي ستقيمه شركة «سعودي كول» بمناسبة توظيف الموظف رقم مئتين.. لم يكن هذا يرن أي جرس في رأسي ولم أستفسر، شركة وظفت مئتَي شخص، طيب ثم ماذا؟ وإكراما ليوسف الذي أحبه وأحب ما يقوم به وافقتُ على الحضور.. ولكن لا يأتيك من الطيبين إلا طيبٌ، وكانت بالفعل واحدة من أجمل المناسبات وقعاً على قلبي.
عرفتُ حال وصولي عن قصة الموظف رقم مئتين. شابٌ سعودي يكمل العدد مئتين من السعوديين العاملين في هذه الشركة الصغيرة الحجم قياسا على عمالقة الشركات، وتعرفتُ على الأخ «إبراهيم آل الشيخ» الذي استقبلني ولازمني كطيفٍ جميل لوعدٍ جميل، بل حاضرٍ جميل.. إنه الطموحُ يتحقق أمامي، إنها الأسطورة تنهارُ أمامي .. هذه الرجلُ ربما حقق وحيدا سبقا لم تصله أي شركة سعودية، بأن يكون كل طاقمه تقريبا من السعوديين، مع أن بإمكانه أن يتزود بالتأشيرات بعددٍ مماثل .. ومن بداية الشركة. وتنمو الشركة بخفةٍ ولياقةٍ وأناقةٍ وجودةٍ يقودها بالكامل جيشٌ صغيرٌ من الشباب السعودي، ثم علينا أن نعرف أنها شركة تقنيات وخدمات راقية لا شركة تقدم خدماتٍ عضليةً بسيطة وساذجة .. وثبت بدون تنظير، بلا محاضرة، بلا كلمة أن السعوديين عاملون، ملتزمون، طموحون.. وعن تعثر بعض الشباب السعودي معه، قال لي: «إنها الأقلية التي يجب ألا نسحب صفتها على الأكثرية»، ووجدت في هذا الشاب حكمة عملية وإنسانية، واستشعاراً إنسانياً للطبيعية البشرية. لذا فهو يضيء محياه بابتسامة المنتصرين الموفقين الراضين المتصالحين مع أنفسهم، مع مجتمعهم، مع أعمالهم، وقبل ذلك مع ربهم حين يقول: «كل صباح وأحدُ موظفيَّ المائتين يخرج من بيته تدعو له أمُّه بالتوفيق، وهذا التوفيقُ سيصبّ في شركتي .. «. وهذا تماما ما حصل!
إبراهيم يعطي الصورة الحقيقية لرجل الأعمال، لأن من يعملون بالتجارة والمال ولا يعنون بالشأن الإنساني هم من حُرّاق المراحل الطيّبة في سبيل الأطماع السريعة، مراحل يحرقون فيها الوطنية، يحرقون فيها المشاعر البشرية السامية .. لذا فهم يسمون خطأ برجال الأعمال، هؤلاء هم سُرّاق فرص. رجلُ الأعمال الحقيقي والمتمرس هو الرجل الذي يعرف أنه يجب أن يكون صديقا لبيئته المحيطة إما لشعوره الإنساني المحض، وأما لفائدته العملية المحضة، لأنهما سيقودان لذات الشيء: الربح والتوفيق.. وصداقة البيئة تعني الحرص على الاستثمار من معطياتها ومنتجاتها وعناصرها المحلية، وفي رأس القائمة: الموردُ البشري.
بل إن الشركاتِ ورجال الأعمال العالميين خارج بلادهم يحرصون على صداقة المجتمع المحيط بإنمائه ليتحقق عنصران: ولاءٌ لمنتجاتِ الشركة، وإنماءُ مستويات اقتصادية قادرة على شراء هذه المنتجات.
ابراهيم يعرف كرجل أعمالٍ إنسان أنه اشترى ما لا يُشترى، واستملك ما لا يُباع، وتمتع بأكبر عنصر إنتاجي لا يظهر في الميزانيات وهو التوفيق.. لأن مئتي أمٍّ يدعين له..
قلت له مودعا: ألقاك إن شاء الله عندما تكون الداعياتُ ألفـَيْ أمّ!