تطوير القضاء في المملكة
في المقالة السابقة أشرنا إلى اهتمام الدول وخاصة المتقدمة منها بسلطة القضاء وأهمية استقلاله وحسن اختيار وتدريب القضاة ومراقبتهم وإكرامهم وتقديرهم وأن تكون مرتباتهم مجزية ليكون مستواهم المعيشي عالياً، وذكرت أن كبار مفكري الغرب يرون أن من مؤشرات ودلائل قوة الأمم وحكامها حسن اختيارهم للقضاة والعناية بهم، كما أشرت إلى الركائز التسع التي يعتمد عليها القضاء في الإسلام ومن أهم ذلك العدل والمساواة في المقاضاة وأن الأصل في الإنسان براءة ذمته وألا ينتزع الاعتراف من المتهم إكراهاً، وأن يكرم الشهود وتضمن حمايتهم من الضرر ومراعاة حقوق الإنسان عند تنفيذ الأحكام القضائية باستخدام الإحسان وعدم القسوة على الجاني والعنف وسوء المعاملة مع من صدرت بحقهم عقوبات إلخ ..، كما أود أن أضيف أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما تولى الخلافة أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يتولى القضاء في المدينة حتى يتفرغ للخلافة، ويتفرغ عمر للقضاء، ولا شك قد اُختير الفاروق لتقواه وعدله البين وعلمه وفقهه بالأمور الشرعية وأنه لا يخشى في الحق لومة لائم حتى أصبح عمر مضرب المثل في تحري العدل على نفسه وعلى أهل بيته قبل أن يتحرى العدل بين الناس وأصبحت رسائله للقضاة وخاصة بعد توليه الخلافة مرجعاً للحكام والقضاة ليس في الدول الإسلامية فقط بل وفي العالم أجمع وهو أول من قال: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟) قالها وهو يلتفت بغضب إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه - والي مصر آنذاك - في قضية شكوى المواطن المصري ضد ابن الوالي المذكور المشهورة - والآن نسلط الضوء على أسباب صدور النظام الجديد للقضاء، لما أحست الدولة بضرورة إعادة النظر في نظام القضاء القائم والذي يحتاج إلى التحسين والتطوير حتى تضمن الدولة الدقة في العدل والمساواة عند التقاضي مقروناً بسرعة البت بين الخصوم وإصدار الحكم العادل مع تسهيل الإجراءات الإدارية والمتابعة، ومن أجل معرفة سلبيات الجهاز القضائي لدينا الذي أخذ في التحسن والتطور - دعونا نقرأ معاً ما ورد في التقرير الثاني الذي صدر في عام 1429هـ من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والذي لاقى ترحيباً وقبولاً من كثير من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والصحافة وكثير من الحقوقيين - وقد ركز التقرير المذكور على السلبيات التالية:
1- رغم جهود وزارة العدل لتطوير مرفق القضاء فإن - إنشاء المحاكم بمختلف أنواعها والتي نص عليها نظام القضاء الجديد وتأهيل قضاتها ونشرها في المناطق والمحافظات يسير بشكل بطيء ويحتاج إلى جهود مضاعفة من قبل المجلس الأعلى للقضاء لوضعها موضع التنفيذ.
2- الحاجة ما زالت قائمة إلى مزيد من الضمانات اللازمة لاستقلال القضاء وتطويره كما وكيفاً، والحاجة ماسة إلى وضع آلية مناسبة ومُحكمة من جهات مهنية من خارج وزارة العدل والجهاز القضائي من أجل تطوير الكوادر البشرية العاملة في المحاكم بمن فيهم القضاة وبما يضمن حصول المتقاضين على التقاضي بسهولة ويسر، حيث ما زالت هناك بعض الصعوبات التي تواجهها المرأة بسبب عدم حمل النساء بطاقة الأحوال المدنية أو عدم الاعتراف ببعض القضاة أو كتاب العدل بها ورفض ولي الأمر أو المحرم الحضور مع المرأة إلى المحكمة أو كتابة العدل، وسنكمل بقية السلبيات في الحلقة القادمة (102) ثم نبدأ في استعراض أهم ما ورد في نظام القضاء الجديد.