التمكين بالأراضي في منظومة الحِراك الإسكاني

نشرت الصحف قبل أسبوعين إعلاناً عن الإجراءات التي تقوم بها الهيئة العامة للإسكان لتنفيذ (8143) وحدة سكنية، في (16) مدينة ومحافظة. وبدأتُ حينها في كتابة هذا المقال لأكرِّر لفت الانتباه إلى أن بناء المساكن بهذه الطريقة لا يحقق الأهداف المحددة في تنظيم الهيئة، وأنه لا يحل مشكلة الإسكان في المملكة بشكل شمولي وفعال، خصوصاً أن الأهداف تركز في المقام الأول على تمكين الأسر السعودية من الحصول على المساكن الملائمة وامتلاكها، ضمن حدود دخلها، وفي الوقت المناسب من حياتها، وليس ببناء المساكن لها، إلا في أضيق الحدود لغير القادرين على توفير المساكن من خلال برامج التمكين الأخرى، كما أن ما ستقدمه الهيئة من وحدات سكنية - من خلال التطوير والبناء - مهما بلغ عددها لن تزيد على قطرة من بحر الاحتياج الحقيقي والمتوقع لمجتمعٍ أغلبية هرمه السكاني من الشباب. فعلينا أن نتذكر دائماً أن المجتمع السعودي مجتمع فتي، وستتكون الأسر الجديدة فيه وتتولد بمعدلات مرتفعة ومتزايدة، والتي سترفع بدورها من نمو الطلب على المساكن بمعدلات كبيرة ومتسارعة، وهو ما يستلزم ظهور عدد كافٍ من البرامج الإسكانية المتنوعة للوفاء بحجم متطلبات هذه الفئة.
وأردت أن أنبِّه أيضاً إلى أن بناء الوحدات السكنية يُعدُّ دائماً من أول الحلول التي يفكر فيها غير المتخصصين لمعالجة قضية الإسكان، وأكثرها جاذبية من الناحية الإعلامية. ولكن تجارب بناء المساكن للجميع قد أظهرت استحالة تحقيقها في أغلب دول العالم، وعجزت عن حل مشاكل الإسكان لعدد من الأسباب التمويلية منها أو الإدارية أو الفنية، وإنما يتوقف حل مشاكل الإسكان على توفير برامج تمكين يتشارك فيها القطاع الحكومي مع القطاع الخاص لتمكين المواطنين جميعهم من الحصول على المسكن على اختلاف خصائصهم الاجتماعية وشرائحهم الاقتصادية وأماكن وجودهم الجغرافية في الوقت المناسب من حياتهم.
وقبل أن أرسل المقال للنشر أُعلن في الأسبوع الماضي عن الضوابط والإجراءات التي أقرَّها مجلس الوزراء الموقر لتسهيل حصول المواطنين على المساكن من خلال أراضي المنح. ولا أستطيع أن أعبر للقراء الكرام عن مدى سعادتي بإقرارها، حيث إني قد دعوت في بعض مقالاتي السابقة إلى إيجاد ضوابط تضمن استخدام أراضي المنح لبناء المسكن وليس للمضاربة في سوق الأراضي وجعلها إحدى آليات التمكين. فجاءت هذه الضوابط والإجراءات لتوجِّه بربط برنامج منح الأراضي ببرامج إسكان لضمان حصول المواطن على مسكن، كما وجهت أيضاً بتخصيص أراضٍ للهيئة العامة للإسكان، على أن تكون ضمن المخططات الحكومية المعتمدة، وموزعة على مختلف أنحاء المدينة التي تخصص فيها؛ لضمان اندماج المستفيدين مع باقي أفراد المجتمع، وأن توفر فيها الخدمات من المبالغ المعتمدة في الميزانية أو وَفْقاً للائحة التصرف في العقارات البلدية.
ونتطلع ــ بعد هذه الخطوة ــ إلى تطوير معايير أولوية لتمكين المواطنين من الحصول على منح الأرضي السكنية في الوقت المناسب من حياتهم، وتوجيه المنح للفئات التي يمكِّنها دخلها من الحصول على تمويل لبناء المسكن وتسديد أقساطه دون التأثير في بقية احتياجاتها الأساسية، والتنسيق لضمان تزامن الحصول على المنحة مع الحصول على التمويل المناسب حتى يتمكن المستفيد ــ وعلى الفور ــ من بناء مسكن لأسرته.
بينما يتعين على الهيئة العامة للإسكان الاستفادة من الأراضي التي ستخصص لها، والعمل بشكل متكامل مع بقية المعنيين لتوفير برامج تعمل على تمكين المواطنين من الحصول على المسكن الملائم وامتلاكه، خصوصاً الأسر المتكونة حديثاً من فئة الشباب. فيمكن - على سبيل المثال - تقديم برنامج يعمل على تشجيع الشباب على المشاركة في برامج للادِّخار من أجل المسكن، وإعطاء الأولوية للمشاركين في هذه البرامج، والعمل على تعظيم الاستفادة من الأراضي المخصصة للهيئة، بعد تخطيطها بشكل جيد، وتوفير كامل البنية التحتية اللازمة لها عن طريق المستثمرين؛ بمنحهم حقَّ الانتفاع بجزء من الأراضي المطورة، أو بالتنازل عن نسبة من الملكية، مع العناية بتصغير مساحة قطع الأراضي السكنية، وتوفير نماذج لوحدات سكنية نموذجية وميسرة، ومنح المشاركين في برامج الادِّخار فرصة المشاركة في اختيار تصاميم وحداتهم السكنية ومواقعها، وأن تعمل الهيئة مع مؤسسات القطاع الخاص المالية لتوفير قنوات التمويل الإسكاني الميسر للمشاركين، وتقديم الضمانات اللازمة لها، إضافة إلى دعم شركات التطوير العقاري والمقاولات لتطوير أساليبها بما يعمل على رفع جودة التنفيذ وخفض التكلفة؛ من خلال تقديم التدريب والدعم الفني (التقني والهندسي والمعماري) لهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي