تحولات في الاتجاه المعاكس
يمر المجتمع السعودي ــ كغيره من المجتمعات البشرية ــ بمخاض اجتماعي ما بين شد وجذب؛ قوى التغيير والرغبة في مواكبة حاجات الجيل الحاضر تقف من جهة، وتقابلها من الجهة الأخرى قوى المحافظة والتخوف من التغيير، خشية أن يفقد المجتمع أصالته وقيمه العريقة، وهذا أمر طبيعي في أدبيات التغير الاجتماعي.
فقبل أشهر ظهر الشيخ أحمد الزهراني في مكة المكرّمة، مشيراً إلى أن تحريم الاختلاط ليس له أصل في الشرع، وأيّده في ذلك الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز، ابن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - يرحمه الله، الذي ظهر بآراء جريئة حول قيادة المرأة للسيارة وتقنين النسل، مشيراً إلى أنه يدعو بشدة إلى تقنـين النسل «لأننا نعيش انفجاراً سكانيـاً، وكثـير من علمائنا صامتون أمام هذا الانفجار السكاني». إن تصريحات الشيخ أحمد بن باز تعكس تحولاً كبيراً، فالحديث حول الاختلاط، أو تقنين النسل، أو قيادة المرأة للسيارة كان من الخطوط الحمراء الممنوعة أو «التابو الاجتماعي» (taboo) قبل عقد أو عقدين من الزمان.
وفي المقابل تصرخ طفلة بريدة التي لم تتجاوز الثانية عشرة، قائلة: «أنقذوني لا أريده زوجاً»! ومع ذلك ينتهي الحكم القضائي بصحة زواجها بالرجل الثمانيني رغماً عنها. لقد أثارت هذه القضية تعاطفاً كبيراً، ومناشدات متعددة لمساعدتها وإنقاذها من هذا الزواج الذي يغتال طفولتها من أجل مصالح دنيوية. إن البت في القضية بهذا الشكل لم يراع مصلحة الطفلة التي أشارت تقارير منشورة في الصحف المحلية إلى أنها لا ترغب الزواج، وتناسى هذا الحكم القضائي - كذلك - اتفاقيات حقوق الأطفال، وكذلك اتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعت عليها معظم دول العالم.
وبصرف النظر عن مدى اتفاقنا أو معارضتنا لوجهتي النظر، فإن هذه الأمثلة البسيطة تعكس قوى التغيير التي أصبحت أكثر تفهماً لمتطلبات العصر، ودعاة الاستمرار أو البقاء على الأنماط السائدة. لا أحد يشك في نيّات أي من الطرفين، فكل منهما ينطلق من منطلقات وطنية تحرص على مصلحة الوطن، ولكن بعضهم أحياناً يتجاوز الشعور بمصلحة الوطن إلى درجة الوصاية على شؤون الوطن، مع تهميش كامل لآراء الفريق الآخر، أو هجوم غير مبني على أساس شرعي أو علمي أو منطقي. وهنا تبرز المشكلة، وهنا يتضرر الوطن، ويفقد الحوار أصوله وقيمه، بل قد يتطور ذلك إلى ما يُسمى الإرهاب الفكري.
إن التغيير هو سنة الحياة، فلا يمكن أن نتوقع أن تستمر الحياة على وتيرة واحدة، أو أن تسير وفق أساليب جامدة غير متغيرة، والاختلافات (وليس الخلافات) هي ديدن الأجيال منذ نشأة الأرض ومن عليها، وستبقى كذلك إلى أن يشاء الله. ولكن الشيء الثابت والمؤكد هو أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان. لذلك لا بد من أن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن نتخذ الحوار الهادئ أسلوباً لحل مشكلاتنا واختيار أنماط الحياة التي تتلاءم مع زماننا، وتتواكب مع الشعوب والثقافات الأخرى، بما لا يتعارض مع مبادئ ديننا الحنيف.
وقفة إعجاب:
لقد أثار إعلان قائد شرطة دبي حول تمكن الشرطة من التعرف على أعضاء العصابة التي شاركت في اغتيال محمود المبحوح إعجاب الكثيرين. ليس هذا فقط، بل أثبتت شرطة دبي أنها الكاسب الأول في هذه القضية، لأنها عززت الثقة بالأمن في إمارة دبي لدى الكثيرين، وأرسلت رسالة تحذيرية قوية لمَن تسوّل له نفسه ارتكاب جرائم على أرض الإمارات. إنها بحق تستحق التحية والتقدير على جهودها الرائعة وحرفيتها المميزة في التعامل مع القضايا الأمنية.