اختيار القضاة.. ضوابط ومعايير لضمان الكفاءة
توشك المحاكم المتخصصة أن ترى النور لتصبح جزءا من تشكيل المحاكم عمليا وليس نظريا وهي في طريقها لتصبح إحدى آليات الفصل في الدعاوى على اعتبار التخصص النوعي الدقيق الذي يقوم على إسناد نوع معين من القضايا والمنازعات إلى قضاة متفرغين لقضايا تندرج تحت اسم واحد.
وبقدر ما يحقق هذا التوجه السرعة في إنجاز ملفات القضايا في المحاكم، فإنه سيحقق الجودة من خلال تراكم الخبرة والمعرفة بتفاصيل أحكام الشريعة والأنظمة في القضايا، وفي ذلك إضافة ذات أهمية للقطاع التجاري الذي ينتظر أن تبدأ فعليا المحاكم التجارية ودوائرها الاستئنافية عملها ليسهم في الفصل السريع والملائم في القضايا التجارية.
إن اختيار القضاة للعمل في المحاكم عموما سيكون وفق ضوابط ومعايير جديدة تضع في الحسبان الكفاءة والمقدرة والمعرفة والتوافق مع متطلبات العمل القضائي الذي يتطور يوما بعد يوم، وهي معايير وضوابط تدور حول الجدارة التي هي الأساس في الاختيار للوظائف العامة، ولهذه المعايير مكانتها في نصوص أنظمة الخدمة المدنية، حيث تتسم بالموضوعية اللازمة لضمان الجودة التي تنعكس على أداء مرفق العدالة الذي يقف اليوم على عتبة التخصص في العمل القضائي بحسب أنواع المحاكم في القضاء العام أو القضاء الإداري.
لقد أدى التطبيق التدريجي لمشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء لحاجة المحاكم إلى تعيين قضاة لشغل الوظائف في المحاكم والدوائر الاستئنافية وفي جميع مناطق المملكة.. وإذا كان الكم مطلوبا فإن المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري لم يغب عنهما ما يجب أن يتحلى به القضاة الجدد من مهارة في القضاء، لأن القضاء تطبيق للشرع والنظام على الوقائع محل النزاع، كما يجب أن يتحلى القضاة بالمعرفة الكافية والإلمام بأحكام الشرع والنظام، وأيضا يجب أن يتحلى القضاة بالسلوك اللائق في التعامل مع الخصوم وغيرهم ممن يرتادون المحاكم، فالقضاء مهمة شاقة تتطلب الصبر وسعة الصدر والتلطف مع المتخاصمين ووكلائهم وهو سلوك غير مكلف، بل إن نتائجه تؤدي إلى تقبل لما تطرحه المحكمة من صلح أو توفيق بين الأطراف.
ولعل ما يعلن عنه بين الحين والآخر من توجه نحو الأخذ بمعايير جديدة في تعيين القضاة يكون محل تدارس مع الجهات القادرة على إبداء الرأي الموضوعي الذي يخدم الفكرة ويساعد على كشف السلبيات قبل البدء في التطبيق.
وكان من المؤمل أن يشترك مجلس الشورى في دراسة تلك الضوابط والمعايير ليسهم فيها ويثري مضمونها، فالواقع يؤكد أن هناك تعجلا في الاختيار لمواجهة الطلب المستعجل في المحاكم، بعد أن تمت ترقية عدد من القضاة لشغل وظائف في المحكمتين العليا والمحاكم والدوائر الاستئنافية، وهو تجاوب مع الحاجة الآنية التي تفرض نفسها في مرحلة دقيقة، وتحول جذري في ترتيب المحاكم.
إن التوسع في تكوين الدوائر والمحاكم تطبيق للمشروع الوطني الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين، حيث يمثل العنصر الزمني ضغطا على القائمين على التنفيذ، ومع ذلك فإن التعيينات الجديدة شملت خريجين جددا ولم تتجه نحو استقطاب الكفاءات المؤهلة في هيئة التحقيق والإدعاء العام أو في كليات الشريعة والأنظمة أو في مهنة المحاماة في الوظائف الاستشارية كما هو معمول به في عدة دول مرت بهذه التجربة وتجاوزتها بصعوبة، بعد أن وضعت معايير وضوابط تساعد على الاختيار للمؤهلين من القطاعات العدلية والمرافق الحكومية في وظائف معادلة للعمل القضائي، وهو اقتراح قد يتم تدارسه لبحث مدى إمكانية تطبيقه في ظل تقبل المقترحات والآراء التي يراها القائمون على المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري محققة للمصلحة العامة.