حماية المستهلك .. ولحم البطريق
محزنة جداً تلك الصورة التي نشرتها بعض الصحف المحلية عن ملتقى ''اعرف حقك كمستهلك''، والذي نظمته جمعية حماية المستهلك يوم الأربعاء الماضي، بمناسبة يوم المستهلك الخليجي المعتمد من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأول من شهر مارس من كل عام لتوعية المستهلك الخليجي وتثقيفه. ومصدر الحزن من تلك الصورة أن الملتقى - رغم أهميته - لم يتجاوز عدد حضوره العشرة أشخاص بمن فيهم الصحافيون ومسؤولو جمعية حماية المستهلك.
الدكتور محمد الحمد رئيس جمعية حماية المستهلك الذي عدد خلال الملتقى حقوق المستهلك، وهي: (حق الأمان، حق الاختيار، حق الاستماع إلى رأيه، حق التعويض، حق التثقيف، حق المعرفة بالمنتج، حق الحياة في بيئة سليمة)، لم يتوان عن الإشارة إلى أن سبب ندرة حضور المستهلكين مثل هذه اللقاءات ينم عن قلة وعيهم بالدور المنوط بالجمعية، بأنها أنشئت لحمايتهم ولضمان تقديم الجودة في البضائع مع ضمان السعر، كما لم ينس الإشارة إلى غياب دور الإعلام في نشر مفهوم تثقيف المجتمع بأهمية الجمعية ودورها في حماية المستهلك. ومن المؤسف أن نجد مثل هذا الملتقى لا يجد اهتماما من الناس رغم أهميته، في حين لو كان ندوة من ندوات النقاشات التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الخلاف بين طوائف من المجتمع لامتلأت القاعة بالحضور وكل منهم متحفز للرد على الآخر.
وهذا الأمر - أي عدم تفاعل المواطن مع ما يهم حياته المعيشية - يبين مدى الخلل في ترتيب أولوياتنا، وكيف أن الإنسان بدلا من أن يحمل هم ما يتعلق بحياته وحياة أسرته، نجده وزع اهتماماته فطالت أموراً هامشية لا تشكل أية أهمية بالنسبة له ولا تؤثر في معيشته، وتناسى ما يتعلق بحياته اليومية، وأصبحت ردة فعله على ما يتعلق به عبر انفعالات آنية من ارتفاع سعر أو غش في منتج، دون أن ينتقل هذا الانفعال إلى ردة فعل إيجابية تتمثل بالتواصل مع الأجهزة المعنية التي ترعى شؤون المستهلك.
إن تعاون المواطن مع أجهزة الرقابة مهما كانت تخصصاتها يدخل في نطاق الاحتساب المندوب الذي يجب أن نغرسه في نفوس الناس، حتى يصبح المجتمع رقيباً وعيناً للدولة على أي خلل يحدث، بحيث تسهل معالجة هذا الخلل، بدلا من أن يمارس الإنسان سلبية تجاه أمور معيشته، وتكون ردة فعله الوحيدة هي الشكوى والتذمر. ولو راقب أحدنا ما يطرح من أسئلة على أصحاب الفضيلة المشايخ عبر وسائل الإعلام المختلفة، لوجد أن هناك غياباً واضحاً وتقصيراً كبيراً من المواطنين تجاه ما يتعلق بجانب المعاملات وما يندرج منها تحت ثقافة الاستهلاك، فمن النادر أن تسمع أحداً يتصل ليسأل عن حكم الغش أو الاحتكار أو إعطاء شيك دون رصيد أو خيانة الأمانة أو الاعتداء على المال العام أو شهادة الزور أو أكل مال اليتيم، في حين نسمع كل يوم عشرات الأسئلة عن قضايا لا تهم شريحة واسعة من المجتمع، وعدم العلم بها لا يؤثر في مسار حياة الإنسان، بل إن بعضهم يسأل في أمور غريبة مثل حكم أكل لحم البطريق وينسى ما هو أهم مما يتعامل معه بشكل يومي.