القطاع العقاري والحاجة إلى التدخل
من الصعب أن تسمع ما لا يسرك ولكن ما هو أصعب أن تقذف في أذنك هذه الكلمات من قِبَل من يفترض فيه أن يكون محامياً عنك. هكذا أستطيع أن أصف شعوري عندما سمعت ما جاد به أحد أعضاء اللجنة الوطنية للعقار، في برنامج تلفزيوني تناول الشأن العقاري السعودي.
لقد ألقى في ثنايا حديثه العتب على المواطن وطالبه بتغيير نمط التفكير من امتلاك منزل كبير وواسع إلى منزل يلبي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة للتعاطي مع مشكلة ارتفاع أسعار العقار. تذكرت حينها صديقي الغربي عندما عقد حاجبيه وهو يقول إننا شعب غريب انقلبت فيه المفاهيم حيث ترتفع أسعار السلع المتوافرة بكثرة في بلادنا وتقل أسعار المواد النادرة، في إشارة إلى العقار والماء على التوالي، حتى غدت قيمة الأرض أعلى من تكلفة البناء.
من السهل جداً أن تلقى باللائمة على المواطن (وهو الحلقة الأضعف) في مشكلة التعاطي مع مسألة الارتفاع الخرافي في أسعار الأراضي على الرغم من توافر مسطحات بور تكاد تكفي لإسكان قارة بأكملها، هكذا نحن دائماً نترك المتن ونذهب إلى الهامش في حين كان بالإمكان تحليل المشكلة وسبل تذليل الصعاب وطرح أفكار عديدة لتنظيم القطاع العقاري بشكل يكفل حق جميع الأطراف من خلال أن يكون في متناول اليد للمواطن من جهة، إضافة إلى الاستمرار في ضخ سيولة استثمارية كبيرة تضمن هامشا ربحيا جيدا للمستثمر من جهة أخرى بدلاً من ترك هذه القضية دون ضوابط مما يجعلها عرضة للمضاربات.
لقد استبشر الجميع بقرار مجلس الوزراء حول وضع آلية لتوصيل الخدمات إلى أراضي المنح وتنظيمها في سبيل تحرير عديد من المساحات غير المستثمره ليتم ضخها في قطاع الإنشاء والبناء لينعكس إيجاباً على أسعار الأراضي في أنحاء المملكة. وهذا القرار يؤكد أن هناك من يهتم بهذا الشأن الذي بقي حبيس النسيان لعقود من الزمن حتى أصبح الحديث حوله عودة بعقارب الساعة الوراء رغم أهميته كعنصر جوهري في الحياة الكريمة للفرد في أحضان مجتمعه وحماية لعائلته من تقلبات الدهر من بعده.
أغلبية الشرائح السكانية العاجزة عن توفير السكن المناسب تأمل أن يتم إصدار المزيد من القرارات الإلحاقية للحد من الشره الشديد في استغلال غياب القوانين المنظمة في هذا القطاع والتي قد تسهم في إحكام القبضة على مفاصل السوق العقارية ووأد أي خطوة لإحياء عهد الإقطاعيين. وعلى رأس هذه المقترحات فرض زكاة سنوية على الأراضي غير المستثمرة (البوار) وتبدأ تدريجياً في المساحات داخل المدينة وصولاً إلى خارجها ويستثنى منها ما أعد للفرد للسكن الخاص ويتم تحصيل الزكاة بأثر رجعي في حال تغيرت المعطيات. لماذا لا يتم التعجيل بحل مشكلة المساهمات المتعثرة وكذلك تأسيس شركة عقارية مدعومة من الدولة وتطرح للاكتتاب العام نشاطها الرئيسي تطوير الأراضي الحكومية داخل المدن وبيعها على المواطنين بأسعار منطقية وبشروط تكفل عدم استغلالها أو بيعها بشكل يخالف الهدف الأساسي منها. إن تطوير مزيد من الأراضي يعني الضغط غير المباشر على كبار العقاريين ممن يملكون السيولة لشراء أرض خام والاحتفاظ بها لسنوات طويلة دون أن يتعرضوا إلى أي تبعات مالية من جراء ذلك.
هناك كثير ممن سقطوا على هضاب قروض البنوك المجحفة والتي لا يملك المواطن البسيط الخيار أمامها في ظل انعدام المنافسة في الإقراض بسبب قلة المؤسسات المالية المخولة بذلك. هؤلاء لم يجدوا ولن يجدوا وسيلة للتخفيف من أعباء الحياة ما لم يتحل صناع القرار بالمسؤولية تجاههم، وما لم تستشعر الجهات الحكومية المعنية، وعلى رأسها مجلس الشورى، المسؤولية الأخلاقية والأمانة الملقاة على عواتقهم في الحد من هذه الظاهرة وطرح الكثير من الحلول على طاولة ولاة الأمر والذين بلا شك لن يقفوا أمام ما يسهم في رقي المجتمع.
دعوني اختم بكلمة لعلها تصل مبتغاها، أنه وبقيمة أراض هنا بإمكانك أن تشتري مساكن مطلة على أنهار وجنان الدنيا في بقاع الأرض ومزودة بجميع الخدمات كما تستطيع الوصول إليها بطرق معبدة. إن الاستمرار في إغفال هذا الأمر حتما له آثاره الجانبية التي تمس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني.
إعلامي سعودي