جمعية حماية المستهلك.. هل ولدت لتموت؟
ازدادت أخيرا مساحة الخلافات بين أعضاء مجلس جمعية حماية المستهلك، والتي أكدت عدم وجود أي تناغم أو تعاون بين هؤلاء الأعضاء ربما منذ انتخابات الجمعية بما يخدم أهداف الجمعية، وهددت هذه الخلافات بحل مجلس إدارة الجمعية أو انسحاب عدد منهم من خلال تقديم أوراق استقالاتهم، وكان مجلس الإدارة قد انقسم بين فريقين، فريق يطالب رئيس الجمعية بالشفافية وإطلاع أعضاء المجلس وإعلامهم بكل ما يتم في الجمعية والتوقف عن ممارسة إبعاد هؤلاء الأعضاء عن خطوات وخطط الجمعية، والعمل فعليا لخدمة المستهلك التي هي في الأساس جمعيته. وأما الفريق الآخر فهو يقف على الحياد إذا لم يكن في صف رئيس الجمعية، ويتضح أن وضع الجمعية الحالي ومجلس إدارتها ينذر بفشل ذريع لها قبل إتمام عامها الثاني مما يتطلب تدخلا سريعا من الجهات المعنية، والملاحظ أن مجلس إدارة الجمعية منذ انتخابها لم يقدم شيئا ملموسا للمستهلك سوى بعض المطبوعات وبعض البيانات أو التصريحات الرسمية التي لم تصل لرضا المستهلك ولم ترو عطشه. ومن المؤكد أن الخطوات التي صاحبت إنشاء الجمعية وانتخاباتها أسهمت في وجود هذا الخلل في أعمال هذه الجمعية، فالجمعية لم تقدم شيئا ملموسا لجميع المستهلكين الذين يسألون عن مبادراتها لحمايتهم وكذلك صوتها أو دورها في قضايا الغش التجاري وارتفاع الأسعار غير المبرر الذي أثير إعلاميا خلال الفترة الماضية، هل جمعية المستهلك التي أقرت أخيرا بهدف حماية المستهلك قلبت الموازين وجعلته يشعر بأنها أول من هضم حقوقه..؟ هل هناك من يهمهم أن تظل الجمعية هيكلا بلا روح أو جمعية خاوية لا تسمن ولا تغني من جوع..؟ هل أوجدت هذه الجمعية لتموت..؟ قبل محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، سنحاول التطرق ولو بلمحة قصيرة إلى ما صاحب إنشاء هذه الجمعية من أحداث.. فمنذ عدة سنوات كانت المطالبات لا تنقطع من أجل إنشاء جمعية أهلية لحماية المستهلك ولتدافع عن قضاياهم وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كما تقدم بعض المهتمين بشؤون المستهلك بمطالبات رسمية للجهات المختصة بإنشاء هذه الجمعية، وقبل أكثر من سنتين صدر قرار مجلس الوزراء في جلسته ليوم الإثنين 17/6/1428هـ والقاضي بإنشاء أول جمعية أهلية لحماية المستهلك في المملكة.
القرار الوزاري
في جلسة مجلس الوزراء ليوم الإثنين (17جمادى الآخرة 1428هـ ـــ الثاني من تموز (يوليو) 2007م ) أقر المجلس عدة قرارات خاصة بالمستهلك وحمايته وتوعيته، حيث أُقر قيام الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمستهلك بتعزيز دورها في مجال حماية المستهلك وتفعيله من خلال وضع المعايير والمواصفات الخاصة بالسلع والمنتجات التي تقدم للمستهلك، كما أقر المجلس إنشاء وحدة رئيسة في وزارة التجارة والصناعة بمستوى وكالة تسمى (وكالة الوزارة لشؤون المستهلك) تجمع فيها نشاطات خدمة المستهلك التي تتولاها الإدارات المعنية بذلك في الوزارة. وأخيرا أقر المجلس إنشاء جمعية أهلية تسمى (جمعية حماية المستهلك) تعنى بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والدفاع عنها وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات بما فيها السلع الغذائية والدوائية المستورد منها والمصنع محليا. ويكون لها جمعية عمومية من المواطنين الذين تتركز اهتماماتهم في مجال حماية ورعاية شؤون المستهلك. وفي جلسته ليوم الإثنين 12 محرم 1429هـ ـــ 21 كانون الثاني (يناير) 2008م قرر مجلس الوزراء الموافقة على تنظيم جمعية حماية المستهلك وذلك بالصيغة المرفقة بالقرار.
وبالنظر إلى بنود التنظيم الأساسي للجمعية يبدو أن المستهلك غيبت مرئياته تماما في هذا النظام، حيث من شارك في وضع هذا التنظيم هم مثلي الجهات الحكومية فقط التي وضعت الأطر الرئيسة للتنظيم الأساسي لجمعية حماية المستهلك السعودية وتحديد أهدافها وأدوارها. ولم يتم الالتفات إلى من يمثل المستهلك من أعضاء لمجلس الشورى أو أساتذة الجامعات أو ممثلي بعض الجمعيات التعاونية أو الخيرية أو حتى من المهتمين والمتخصصين بشؤون المستهلك من إعلاميين وقانونيين وغيرهم.
اللجنة التحضيرية
في يوم الثلاثاء 19 صفر 1429هـ ــ 26 شباط (فبراير) 2008م، أصدر وزير التجارة والصناعة قرارا بتشكيل اللجنة التحضيرية أو التأسيسية لجمعية حماية المستهلك والمكونة من تسعة أعضاء، وذلك للقيام بتنفيذ مهام اللجنة ولتتولى التحقق من توافر شروط العضوية فيمن تقدم بطلب إنشاء هذه الجمعية سابقا، ومن يتقدم بطلب الانضمام للجمعية، وكذلك الإعداد لاجتماع الجمعية العمومية الأول والدعوة إليه وانتخاب أعضاء المجلس التنفيذي للجمعية بمن فيهم رئيس الجمعية ونائبه.
وكان التسرع الذي قامت به اللجنة التأسيسية لتنفيذ المهام الموكلة إليها وخاصة وضع اشتراطات للقبول العضوية كذلك إجراء الانتخابات والتي كانت في يوم الخميس 5/ 6/2008م ـــ 1/6/1429هــ، كانت هي البداية التي تشير إلى عقبات كبيرة ستواجهها الجمعية، وما حدث من فوضى واعتراضات من قبل بعض الذين لم تقبل عضويتهم لأسباب أقل ما نقول عنها أنها غير عادلة التي تابعتها وقامت بتغطيتها جريدة «الرياض»، وكذلك المفاجأة التي أظهرتها نتائج الانتخابات والتي لم تكن في الحسبان كضربة موجعة للقائمين على إدارة هذه الانتخابات من خلال فوز مرشح لم يحضر وكان خارج المملكة رغم تصدره بعدد الأصوات ولم يعلم بذلك إلا متأخرا، والتي ربما كان للآلية اليدوية التي تمت بها عملية التصويت أو للتعطل الإلكتروني الذي صاحب مرحلة الفرز دورا كبيرا في هذا الفوز والتي كانت أبعد ما تكون عن الدقة. كما أن الدور الإعلامي والإعلاني كان غائبا عن خطوات هذه اللجنة وما تنوي عمله مستقبلا ابتداء من الدعوة للانضمام ومرورا باستقبال طلبات الترشيح لعضوية مجلس الإدارة وانتهاء بالدعوة لحضور الانتخابات وموعدها ومكانها، وذلك على الرغم من تبرع خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بمبلغ 15 مليون ريال كأولى قطرات الدعم لهذه الجمعية، حيث اكتفت بإرسال أخبارها الإعلانية لوكالة الأنباء السعودية، إضافة إلى رسائل الجوال SMS، وموقع مستعار من إحدى الجمعيات العلمية. ولذا كان الإقبال على طلب الانضمام للجمعية ضعيفا للأسباب المذكورة آنفا، بل ويمكن القول إنه متواضع جدا إذا ما قيس بعدد السعوديين في مناطق المملكة الراغبين في الانضمام إليها، حيث بلغ عدد المتقدمين للجمعية 350 طلبا تم قبول 314 ممن تنطبق عليهم شروط الانضمام.
أخطاء جسيمة
هناك أخطاء في تفسير بنود التنظيم الأساسي الخاص بالجمعية، حيث لم توفق اللجنة التحضيرية أو التأسيسية لجمعية حماية المستهلك في قراراتها الخاصة بالاشتراطات الواجب توافرها في الراغبين في عضوية الجمعية، وخاصة المادة السابعة من لائحة تنظيم الجمعية والخاصة بالتزامات الأعضاء التي تنص فقرتها الرابعة على (ألا يمارس العضو عملا يتعارض مع أهداف الجمعية)، وهذا ما أحدث بلبلة وسخطا كبيرين وفوضى في يوم الانتخاب من الراغبين في الانضمام للجمعية ولم يتحقق لهم ذلك، وهنا أخطأت اللجنة التحضيرية حين فسرت عبارة (يتعارض) تفسيرا خاطئا في منع كل من يملك سجلا تجاريا من الانضمام إلى الجمعية دون تفريق بين هذه النشاطات التجارية، فمن يملك سجلا تجاري لإقامة المعارض أو فعاليات ثقافية أو اجتماعية أو إعلامية لا يمكن أن يقارن بمن يملك أساطيل من السلع الغذائية أو الكهربائية أو الكيماوية المستوردة .. هذا أولا، وثانيا أن اللجنة التحضيرية لا تمانع من الانضمام للجمعية لمن يملك ترخيصا تجاريا، كالمكتبات أو خدمات الطالب أو دور النشر أو السوبر ماركت أو المخابز أو حتى المطاعم.. إلخ بشرط ألا يملك سجلا تجاريا وهنا قمة التناقض والازدواجية، حيث أوقعت اللجنة نفسها في مأزق وفي موقف حرج هي في غنى عنه من حيث تعلم أو لا تعلم، فمن ناحية لم تفرق اللجنة بين من يمارسون أعمالا تجارية متنوعة منها ما هو تجاري بحت مرتبط بصحة وسلامة المستهلك ارتباطا وثيقا ومباشرا وبين عمل تجاري بعيدا عن تعاملات المستهلك اليومية مع السلع والمنتجات أو حتى الخدمات. ومن ناحية أخرى، قامت اللجنة بالتفريق بين من يكون نشاطهم التجاري له علاقة وثيقة بصحة وسلامة المستهلك سواء كانوا يملكون السجل التجاري ومن يملكون الترخيص التجاري مع أن هدف اللجنة هو منع من يمارسون العمل التجاري بشكل عام، وهنا يرى الكثير أن اللجنة التحضيرية للجمعية أسهمت دون أن تدري في تقليل المنضمين لعضويتها. وخاصة من هي في حاجة إلى دعمهم كمكاتب المحاماة والمكاتب الاستشارية والمكاتب الإعلامية. ناهيك عن أن جمعيات حماية المستهلك في غالبية الدول في العالم تسمح لمن يمارس التجارة بالانضمام إلى جمعيات المستهلك دون أن يكون له دور فاعل فيها. من هو متابع لأنظمة جمعيات المستهلك العربية والدولية وخاصة في أوروبا أو حتى الولايات المتحدة سيرى أن جلها أو على الأقل غالبيتها تسمع بل وتشجع ممارسي الأنشطة التجارية للانضمام إلى الجمعية باعتبارهم أولا مستهلكين، وثانيا لأن الجمعية تريد توعية التجار كذلك أو الاستفادة من بعض خبرات بعضهم في مجالات التحايل على المستهلك التي تتجدد كل فترة وأخرى، وهذا الانضمام مشروط بعدم وصول هؤلاء التجار إلى العمل داخل الجمعية أو التأثير في قراراتها بشكل من الأشكال. والغريب حقا هو أن من وضعوا تنظيم الجمعية منعوا من يمارس الأعمال التجارية دون تفريق وفي الوقت نفسه يطالبونهم بدعم الجمعية ماديا من خلال عضويتهم في الغرف التجارية.
الانطباع العام عن الجمعية
الانطباع العام عن الجمعية لم يكن إيجابيا وكان أقل بكثير من طموحات المستهلكين، فمنذ بداية الجمعية لأعمالها لم يجد جمهور المستهلكين في الجمعية ما يشير إلى أنها ستكون الحامي الأول لهم من استغلال بعض التجار أو من ضعف الجهات الرقابية، ومن يتابع ما يكتب في مواقع الصحف الإلكترونية من خلال الردود التفاعلية من القراء أو ما يكتب على شبكة الإنترنت تجاه أي شي يكتب عن الجمعية سلبا أو إيجابا، سيتأكد أن الجمعية تسير في طريق بلا أهداف أو رؤية واضحة بل ودون رسم شخصية مستقلة بها، فتارة تحاول الجمعية استرضاء الجهات الحكومية وعدم نقدها ومطالبتها بأداء واجباتها للمستهلك، وتارة تجدها ضعيفة في قول رأيها في القطاع الخاص، وعندما نتابع تصريحات أو بيانات الجمعية ــ على قلتها ــ تجاه المستجدات التي تطرأ على ساحة المستهلك في المملكة، سيجد اللهجة المستكينة، خاصة فيما يتعلق ببعض الجهات الحكومية ولعل آخرها بيان الجمعية المتأخر جدا، فيما يخص الخلل الفني في بعض السيارات والتي لا تعبر عن رأي أو غضب المستهلك تجاه بعض القضايا. ولو تم مسح ميداني استبياني عن رأي المستهلك في جمعيته لربما ظهرت نتائج أسوأ مما توقع.
الجمعية من الداخل
منذ أكثر من عام ونصف العام أي منذ انتخابات الجمعية، والجمعية تعاني عدم تعاون بعض أعضاء مجلس إداراتها وخاصة من هم أعضاء في مجلسها التنفيذي، حيث تبرز بعض الخلافات فيما بينهم بعيدا عن الإعلام، وهذا يبدو واضحا للمراقب والمتابع والقريب لأحوال هذه الجمعية. والتي أثرت هذه الخلافات في سير تنفيذ بعض خططها، والملاحظ أنه لم تطبق بعض بنود نظام الجمعية على أعضاء مجلس إدارتها سواء في ما يخص موضوع التفرغ للجمعية أو حتى في مسائل تفعيل بعض مهام الجمعية من خلال مجلسها التنفيذي، وربما هذا ما جعل خطط الجمعية تنفذ ببطء أكثر من اللازم.
إن العوامل التي ذكرناها أسهمت بشكل أو بآخر في واقع الجمعية الحالي. ولعل اخطر ما في الموضوع هو استمرار انعدام ثقة المستهلك بجمعيته مع مرور الأيام وذلك بسبب ذوبان شخصية الجمعية والتي من المفترض أن تكون جمعية مستقلة برأيها تجاه قضايا المستهلك، وهذا بيت القصيد.