65 حرفياً يحولون الأحجار والأخشاب والزجاج إلى تحف جمالية

65 حرفياً يحولون الأحجار والأخشاب والزجاج إلى تحف جمالية
65 حرفياً يحولون الأحجار والأخشاب والزجاج إلى تحف جمالية

ينهمك نحو 65 حرفياً من داخل وخارج المملكة بتنفيذ أعمالٍ زخرفية ولوحات فنية ومجسمات طينية بأدوات تقليدية بحته ، لتتحول في النهاية إلى تحفٍ جمالية يتوهج منها الطابع الإسلامي التليد بأشكاله وألوانه الهندسية الفريدة.
تجري هذه الأعمال الحرفية وسط باقة من الزهور الربيعية تجاوزت 100 ألف زهرة في معرض الحرف والصناعات اليدوية المصاحب للمؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية بطريق الملك عبد الله.

الخط العربي والنحت والنقش والتعشيش والحفر والزخرفة الهندسية بالأحجار الكريمة والفسيفساء على الحجر والشجر والخشب والطوب والزجاج هي أبرز ما يقوم به الحرفيون الثلاثين الذين جاءوا من 13 دولة عربية وإسلامية تمت دعوتهم إلى جانب الحرفيون والمهنيون السعوديون الذين يقدر عددهم بـ 35 حرفياً يقدمون الجمال لإسلامي على طبق حي ومباشر للزوار ، بل وينفذون الأعمال الحرفية التي تطلب منهم من قبل الزبائن ؛ فهي فرصة سانحة للنحاتين لإبراز مواهبهم ، والكسب المادي عن طريق بيع تلك القطع الجمالية.

#2#

الاخوان محمد وصالح الخميس امتهنا صنع المجسمات الطينية التي تعبر عن البيوت الطينية القديمة من أبواب ورواشن وبراويز ومقاصير إلى غير ذلك ويعتمدان في ذلك على مواد بسيطة فكما يقول صالح لا نحتاج إلى عمل بيت طين متكامل إلا إلى فلين وطين !.
ويضيف " نقوم بتشكيل الفلين بحسب الرغبة إن كان بيت طين أو باب أو مزرعة أو حتى قلعة أو حصن وبعد ضبط الشكل نقوم برشه بمادة ترابية تشبه لون الطين مع لمسات أخرى تؤدي لنتيجة واحدة ".

وحين سؤاله عن صوت الماكينة القديمة التي تخرج من ركنه التراثي ، ابتسم فأجاب قائلاً " لقد طلبت مني سائحة أوروبية عمل مجسم يحتوي على بيت ومزرعة قديمة تقليدية ، وقمت بتنفيذ هذا العمل الذي أخرجته بصيغة تشابه الواقع فصنعت أسوار مزرعة وداخلها بيت طيني وحوش للمواشي ومخزن ومجسمات لنخيل وأشجار تقع في وسطها مكينة تجلب المياه من البئر ، فصنعت شكل ماكينة يتم تدوريها بدينمو متحرك يخرج صوت ودخان وماء في نفس الوقت وصممت سواقي للمياه تشابه الحقيقة".

أما الفنان فهد الدبيان فمهنته مقابلة لسابقيه فكما يقول صعبة وتحتاج إلى صبر ومراس ، فهو يعمد إلى الأحجار الصلبة لينحتها ويخرج منها شكل ومجسم جمالي أخّاذ . يقول فهد " على الرغم من صعوبة هذه المهنة إلا أن الشغف قادني إلى تحمل تبعاتها ، فأخرج باكراً لتفادي حرارة الشمس إلى منطقة أحجار أعرفها وآخذ منها بعد تأمل شكلها التي ستكون عليه بعد نحتها ، وأقوم بنحتها على الصيغة التي أريد ".

يحرص الفنان فهد أن يعبر في أعماله على أصالة التراث الإسلامي ومميزاته التي ينفرد بها عن بقية الفنون ويسميه ( فن النحت الإسلامي ) ويفرق بينه وبين النحت التراثي الذي هو استلهام من عميق التجربة التي عاشها في بيوت الطين القديمة ، ويصل وزن بعض أعماله إلى 7 طن ويبلغ طولها إلى 3 أمتار . ويوضح الدبيان أن أعماله وصلت إلى بلدان عربية مثل سوريا حيث جمّلت أحد ميادين دمشق بأحد مجسماته التجريدية التي قام بنحتها يدوياً عن طريق الأزميل والمطرقة ، كذلك يذكر أن له مجسم بارز في مدينة عفيف مما شكل حافز له للعطاء والإبداع – بحسب ما يقول - .

ويشارك الفنانون خالد الموسى وتركي التركي وعبد الله العمر في عمل زخارف وأشكال هندسية عن طريق الطين والجبس وتشكيلها بحسب الطابع المحلي للبيت الطيني . وعلى الجانب الآخر يشارك فنانون ونحاتون ومهنيون من دول عربية وإسلامية بعددٍ من الأعمال التي تشف عن عبق إسلامي وفن معماري يبرزّ كثيراً من الفنون العالمية التي اشتهرت في الآونة الأخيرة.

فهاهو النحات السوري هشام صنيج يطرز الرخام الحلبي بحجر الفسيفساء ذات الألوان الناصعة ، فيقوم بنحت الرخام بطريقة المثلثات والمقوسات الإسلامية ليزرع الفسيفساء داخلها لتخرج الرخامة الصامتة شكل جمالي ذات دلالة إسلامية .بالإضافة لما سبق فإن الفنان صنيج يقوم بفن إسلامي تليد ومعروف منذ القدم هو " تعشيق الزجاج " يقول " التعشيق هو عملية تجميع حشوات الزجاج الملون بواسطة قضبان من معدن الرصاص المطروق ذات مقطع على شكل حرف H حيث يتم إدخال حشوات الزجاج داخل القنوات الجانبية بقضبان معدن الرصاص ".

أما فريد عبد الرحيم من دولة الكويت فهو فنان تشكيلي في الأساس ويتضح ذلك في جناحه الذي جمله بآيات قرآنية وأسماء الله – جل جلاله - ويحرص أثناء عمله إلى جمع الفنون الإسلامية التي تتقاطع في لوحاته. بينما يقوم الفنان الجزائري محمد بلقاسم بأعمال الخزف الجميلة التي يدلل من خلالها على جمال الزخرفة الجزائرية في البيوت والمساجد والمكتبات. يقول " إن الفن الإسلامي الجزائري هو امتداد طبيعي للفن الإسلامي الذي هو جزء من التراث الإسلامي العتيق، وعامل أساسي للبناء المعماري، وكما تعلمون فإن بلدان المغرب العربي اشتهرت بأعمال الزخرفة العينية واللونية للأبواب والجدران والأسوار. كما لم يغب الفن اليمني عبر جناحه الذي يبرز فيه العمارة اليمنية الرفيعة في عددٍ من مناطق اليمن فمن العمارة الجبلية إلى العمارة السهلية والبحرية ، وقد رُمَزَ لكل منطقة بمجسم صغير ملون يعبر عن العمق المعماري الذي قطعته اليمن على الرغم من صعوبة تضاريسها .

ومن اليمن إلى بلاد فارس حيث ينهمك الفنان الإيراني سيد حسام في نقش البلاط والجدران وتزيينها بأنواع متعددة من المدخلات الإضافية من البيئة ذاتها كالرخام والأحجار الكريمة والزجاج ، إلى جانب ذلك هو يستخدم الأقمشة لتزيينها وتلوينها وفق تخطيط إسلامي مثلث ومربع ومقوس .

النحّات الأردني إبراهيم مرعي هو أيضاً نحات خزفي وحرفي فسيفساء منذ 25 سنة ويشاركه في ذلك الفلسطيني عماد دودين وهما مصممان بارعان . ونبتعد قليلاً لنحط في جمهورية أذربيجان حيث يتحفنا الفنان قوليف وفيق بعرضه البصري الرائع لفن التوليفة الخشبية ، فهو يجمع القطع الخشبية ليخرج منها لوحة بصرية جميلة ، ويكوِن من قطعة الخشب الجرداء فناً إسلامياً بارعاً ، ولا يساورك الشك وأنت تتابعه بقوة ومتانة ما تكتنزه أذربيجان من فنون إسلامية نابعة من الداخل الأذربيجاني الذي اشتهرت به بلدان القوقاز بشكل عام ، وهي ثقافة يحاول وفيق التوفيق بينها وبين الطابع الإسلامي في تحف قماشية وخشبية وصخرية جاد صياغتها بحق. نعود مرة أخرى إلى بلاد المغرب العربي عبر الفنان التونسي محمد بيرم والفنان المغربي العربي العسيري فالأول قد تخصص في عمل الفسيفساء والأخر في النقش والزخرفة فبرعا في تزيين الخشب والزجاج بالآيات القرآنية والآثار الإسلامية والحكم والأمثال ، وهما بذلك يكملان بعضهما البعض وكأنها يقولان في لغة صامتة أن الفن هو لغة تواصل بين الشعوب ، وهو امتداد للحضارات عبر الزمن ونقطة تلاقي الشعوب.

إن للزخرفة العربية الإسلامية مزايا وأشكال خاصة تميزها عن سواها ، ولا غروَ فإن هذه الزخرفة المستمدة من تراثنا القديم الذي غلب عليها منذ مجيء الإسلام الطابع الديني وما زال حتى يومنا . وهذا الطابع لا يخضع لمنظومة موحدة، خصوصاً وانه تطبَع بالأشكال والألوان والمواد المستعملة التي كانت سائدة في العالم الذي دخله الإسلام . وهذا العالم كبير يمتد من الصين حتى الأطلسي . بقي أن نشير إلى أن الزخرفة الإسلامية ترتكز على أسس عميقة الجذور تنبع من الدين والتقاليد المتوارثة، وقد هدف البناءون والفنانون المسلمون والعرب في أعمالهم إلى إبراز خصوصية هذه التقاليد في البلدان العربية والإسلامية ، في الوقت الذي يعد فيه التراث المعماري الإسلامي فناً رفيع المستوى يعكس بمجمله روحانية الدين الإسلامي.

الأكثر قراءة