ما العمر المتبقي للنفط السعودي؟
تشير بعض وسائل الإعلام أحيانا إلى أن عمر النفط في العالم هو 50 سنة, وإلى أن عمر النفط السعودي من 70 إلى 80 سنة. ما معنى هذه الأرقام وكيف حصلوا عليها؟ الذين يستخدمون هذه الأرقام يقصدون أن النفط في العالم، بناء على معدلات الإنتاج الحالية والتكنولوجيا السائدة، سيستمر لمدة 50 سنة، وأن النفط السعودي، بناء على معدلات الإنتاج الحالية، سيستمر من 70 إلى 80 سنة. أما كيفية حساب الرقم فهي سهلة جدا, حيث يتم تقسيم الاحتياطيات المؤكدة للنفط على الإنتاج السنوي، مع التأكيد هنا على كلمة ''مؤكدة''، حيث إن الاحتياطيات ''المحتملة'' غير متضمنة فيها. فإذا كانت احتياطيات المملكة المؤكدة 262 مليار برميل، وإنتاجها تسعة ملايين برميل يوميا، فإن عمر النفط السعودي بناء على ذلك هو نحو 80 سنة (262000 مليون برميل مقسمة على الإنتاج السنوي، الذي هو حاصل ضرب الإنتاج اليومي تسعة ملايين برميل بعدد أيام السنة 365).
لكن ما أهمية عمر الاحتياطي بالنسبة لخبراء النفط وصانعي السياسات النفطية؟ الجواب: لا شيء، لا أهمية لذلك على الإطلاق, لأنه لا معنى له ولا يؤثر في أساسيات السوق، ولا يؤثر في أسعار النفط، ولا يؤثر في أي قرار .. لماذا؟ لأسباب كثيرة تتعلق بالإنتاج والتكنولوجيا والاحتياطيات والسياسات النفطية. ونظرا لضيق المساحة، لا مجال لتفصيل هذه الأمور كلها, لكن يكفي أن نذكر حقيقة، وهي أن سياسة بعض شركات النفط الوطنية تقتضي التنقيب عن النفط للتعويض عما تم إنتاجه في ذلك العام. لهذا فإن ثبات الاحتياطيات قد لا يعكس مشكلات فنية في الحقول، وإنما سياسة رسمية تقتضي التعويض عما تم إنتاجه فقط. النتيجة الحتمية لهذه السياسة هي ثبات الاحتياطيات لفترة طويلة من الزمن. وإذا كان الإنتاج ثابتا، فإن ''العمر الافتراضي'' للاحتياطيات يبقى نفسه مع مرور الزمن، رغم إنتاج كميات هائلة من النفط. هذا يؤكد أن ''العمر الافتراضي'' لا معنى له. لكن حتى لو نظرنا إلى إنتاج شركات النفط العالمية وإنتاج الدول التي لا تسيطر فيها الحكومات على إنتاج النفط، نجد أن ''العمر الافتراضي'' لا معنى له أيضاً.
إذا نظرنا إلى الشكل البياني رقم (1), الذي يوضح العمر الافتراضي للنفط في السعودية والعالم والولايات المتحدة، خلال 20 سنة الماضية، نجد أنه لم يتغير نسبيا طوال هذه الفترة، رغم إنتاج مليارات البراميل. ففي السعودية تم إنتاج نحو 59 مليار برميل خلال تلك الفترة، ومع ذلك بقي عمر النفط فوق 75 عاما, وبلغ في عام 2009 نحو 88 عاما. أما في الولايات المتحدة فرغم إنتاج أكثر من 40 مليار برميل خلال تلك الفترة فإن عمر الاحتياطيات ارتفع من نحو 9.7 سنة إلى 11 سنة. وبقي عمر النفط في العالم ثابتا في التسعينيات، ثم ارتفع منذ عام 2003 ووصل إلى أكثر من 50 سنة أخيرا، رغم إنتاج 465 مليار برميل منذ عام 1991! نعم، قرابة نصف تريليون برميل! بقي أن نذكر أن عمر النفط السعودي حاليا هو العمر ذاته الذي كان في عام 1983 رغم استنزاف 73 مليار برميل!
خلاصة الأمر أن ما يسمى ''عمر النفط'' أو ''عمر الاحتياطيات'' لا معنى له. إن نهاية عصر النفط لن تكون بنضوب الاحتياطيات، وإنما بالاستغناء عنه لمصلحة مصادر الطاقة الأخرى، وقد يحصل ذلك قبل نضوب النفط بعدة عقود من الزمن إذا قامت الدول المنتجة بتخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط بشكل كبير. إن مصلحة الدول المنتجة وأجيالها القادمة تقتضي ضمان استمرار الطلب على النفط، الأمر الذي يتطلب سياسة إنتاجية قائمة على وجود طاقة إنتاجية فائضة وزيادة الإنتاج لمنع الأسعار من الارتفاع بشكل كبير يهدد مستقبل الطلب على النفط. مرة أخرى، العبرة ليست في عمر الاحتياطيات، وإنما في عمر الطلب عليها! ما فائدة الحفاظ على النفط للأجيال القادمة إذا لم يكن هناك طلب عليه؟