الغش التجاري .. الأرقام تكشف خسائرنا معه

مشكلتنا مع الغش التجاري أننا نسهم فيه عن طريق الاستيراد المتزايد للسلع المقلدة أو المغشوشة, فبعد أن حذرت وزارة التجارة منه, نجد الإدارة العامة للجمارك تطلق تحذيرا مزودا بالأرقام, فهناك 2.5 مليون وحدة مغشوشة تم ضبطها في عام 2008, وفي عام 2009 ارتفع العدد ليصل إلى سبعة ملايين وحدة مغشوشة, أما العام الحالي فقد تم ضبط ثمانية ملايين خلال النصف الأول منه فقط, وهي ليست المرة الأولى التي يصرح فيها مسؤولون بخطورة الغش التجاري ويفصحون عن حجم الخسائر والأضرار, لكن يبدو أن التزايد الملحوظ في الكميات المضبوطة فرض قدرا عاليا من الشفافية مع المستهلكين, بل السلطات التنفيذية المعنية, وكذلك السلطة التشريعية التي أصدرت عدة قوانين للتطبيق وليس لتكمل المنظومة التشريعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كم هي خسارة المجتمع من هذا الإغراق بالسلع المقلدة؟ حيث تفيد الندوة التي نظمتها الغرفة التجارية والصناعية في المنطقة الشرقية حول الغش التجاري والتقليد, بأن خسائر السعودية بسبب الغش التجاري تجاوزت 41 مليار ريال, والخسائر البشرية تقدر بثلاثة آلاف شخص, كما توضح الندوة أن مكمن المشكلة هو ذلك التقليد في المنتج وفي العلامة التجارية التي تعطي الثقة بتلك المنتجات باعتبارها أصلية وذات جودة, وهي سلع متنوعة, لكن الأخطر منها قطع غيار السيارات والأدوات الكهربائية, حيث يكون الخطر أكبر.
لقد صرحت الجمارك عن موقف يكشف ما يتعرض له المستهلك من غش واحتيال, كما سبق لمدير عام جمرك ميناء جدة أن صرح بأن 50 في المائة من شهادات المواصفات والمقاييس العالمية مزورة, أي أن نصف ما يصل إلينا من بضائع يتم دمغها بشعار المطابقة للمواصفات والمقاييس السعودية في حين أن ذلك لا يمثل الحقيقة أبدا, وهو الموقف ذاته الذي تتبناه جمعية حماية المستهلك التي تقول إنها تعمل على توعية المستهلك من خلال برامج مدروسة, وتستخدم في ذلك وسائل الاتصال الملائمة مثل الكتيبات ورسائل التوعية وغيرهما, وهو جهد يفترض أن يتكامل مع دور الجهات الحكومية سواء في الإبلاغ عن الحالات المكتشفة أو تقديم الاقتراحات والحلول التي تحافظ على مصلحة المستهلكين وحقوقهم لحمايتهم من الغش في السلع والخدمات. واليوم يرغب عدد من رجال الأعمال السعوديين في تبني حملة توعوية مكثفة لمحاربة الغش التجاري بالتعاون مع الغرف التجارية الصناعية, ومن المؤكد أنهم خاسرون في تسويق بضائعهم الأصلية, إذ رفعوا مذكرة طالبوها فيها بتبني هذه الحملة بهدف المساهمة في وقف خسائر قدروها بعشرات المليارات سنويا يتكبدها الاقتصاد السعودي من جراء عمليات الغش والاحتيال والتقليد التجاري, وهي مبادرة تتضمن تنفيذ حملات توعوية إعلاميا وإعلانيا, وإقامة ندوات متخصصة حول الغش التجاري. إن الأضرار المترتبة على عملية الغش التجاري والتقليد تنعكس مباشرة على المستهلك من خلال الآثار السلبية المترتبة على السلامة العامة وأثره في الاقتصاد الوطني المتمثل في زيادة البطالة بسبب خسائر الشركات التي تتعرض منتجاتها للغش والتقليد وامتناع الشركات أصحاب العلامات التجارية عن الاستثمار في تلك الدول. أما فيما يخص أصحاب العلامات التجارية فقد ترتبت على الغش الإساءة إلى سمعة المنتج الذي يسوقونه, حيث إنه يقضي على ثقة العميل والمستهلك بالعلامة التجارية. إن الغش التجاري ـ كما يقول المختصون ـ ليس عدو التجار الأول فحسب, لكنه العدو الأول أيضا لصحة المستهلك وحياته أيضا, حيث لا يخفى على أحد خطر الغش التجاري على الفرد والمجتمع, ولا سيما إذا وقع على ما يحتاج إليه الإنسان من أغذية وأدوية وغير ذلك من الأشياء الضرورية للحياة, ولا يقتصر هذا الخطر على المستهلك وحده, بل يمتد ليشمل المنتج والتاجر, فالخسارة لا تنحصر في الأموال فقط, إنما هناك أضرار أخرى قد تمس صحة المستهلك وسلامته, وهي أضرار لا يتم التعويض عنها, وخسائرها لا تقدر بثمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي