تداعيات قرار المحكمة الدولية حول كوسوفو
في 24 تموز (يوليو) 2010 قالت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إعلان كوسوفو استقلالها من طرف واحد، أي بعد فشل الاتفاق حول مصير كوسوفو مع الصرب، لا ينتهك القانون الدولي. وكانت الصرب قد طلبت من المحكمة من خلال الجمعية العامة أن تجيب عن سؤال مباشر حول مدى ما إذا كان هذا الإعلان الصادر في 17/2/ 2008 ينسجم مع القانون الدولي. استغرق بحث الموضوع أكثر من عامين استمعت خلالها المحكمة إلى مؤيدين ومعارضين لإعلان الاستقلال، وتبين أن المواقف العربية والخليجية توزعت سواء عند التصويت على قرار الجمعية العامة الذي طلب من المحكمة الرأي القانوني، أو في الاعتراف بالدولة الجديدة، أو في إظهار الاهتمام والمشاركة بالمذكرات تسجيلاً لموقفها أمام المحكمة، حيث قدمت للمحكمة 35 مذكرة فضلاً عن مختلف آراء المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة. كان القرار على قدر السؤال دون التطرق إلى آثاره كما كان يريد بعض أعضاء المحكمة الذين سجلوا مواقف انفرادية أو معارضة، حيث لوحظ أن سبعة من 15 قاضياً أبدوا آراء مخالفة في كثير من جوانب هذا الرأي.
الذي يهمني في هذه المقالة هو أن المحكمة تجنبت تقييم الاعتراف بالدولة الجديدة، لأن الاعتراف قرار سيادي فلا يجوز فرض الاعتراف، بينما يجوز فرض عدم الاعتراف كجزاء، ومعنى ذلك أن الدول التي لم تعترف بكوسوفو أو ترددت اعتقادا منها أن إعلان الاستقلال مخالف للقانون الدولي سوف تقدم على الاعتراف. أما الدول التي اتخذت موقف عدم الاعتراف لأسباب سياسية مثل روسيا، أو وطنية مثل صربيا التي اعترفت باستقلال جمهورية الجبل الأسود التي كانت مع صربيا تشكل أساس الاتحاد اليوغسلافي، أو التزمت بعدم الاعتراف حتى لا تتكرر هذه السابقة عندها مثل قبرص وإسبانيا.
وبلغ عدد الدول المعترفة بكوسوفو حتى الآن 69 دولة وهو عدد مرشح للزيادة. وطبيعي أنه لو كانت المحكمة قد أجابت بأن الإعلان مخالف للقانون الدولي لكان ذلك سببا في إحراج الدول التي اعترفت بكوسوفو. وعلى أية حال فإن الرأي القانوني استقبل بصور متباينة حيث رفضته الصرب وروسيا بالطبع، كما رحبت به الدول المؤيدة لاستقلال كوسوفو، كما أن الرأي أفسح للجميع أن يتحرك من الناحية السياسية بقصره الإجابة عن السؤال.
وقد أكد المعارضون للرأي القانوني أن هذا الرأي يشكل سابقة خطيرة لأنه يجيز استقلال أجزاء من الدولة رغماً عنها، خاصة أن الرأي الاستشاري أقر بأن كوسوفو جزء من الصرب، ومع ذلك فإن إعلان الاستقلال لا يخالف القانون الدولي.
والحق أن المحكمة أخطأت في نقاط عديدة وسوف يكون هذا الرأي أكثر قراراتها عرضة للنقد. وأهم أخطائها أن المحكمة قصرت مفهوم القانون الدولي على قرار مجلس الأمن 1244 الذي وضع ترتيبات انتقالية إلى أن يتم الاتفاق بالمفاوضات على الوضع النهائي لكوسوفو وتنتهي الإدارة الدولية المدنية والحماية العسكرية للناتو. ثم إن المحكمة حاولت دعم شرعية الاستقلال باستدلالات خاطئة. الصحيح أن كوسوفو استقلت عن الاتحاد اليوغسلافي وبقية أعضاء الاتحاد وليس عن الصرب حتى لا يعد الرأي سابقة فاسدة.