فقهاء: التساهل في «شرعنة» المنتجات الربوية سيجلب اللعنة على الناس
فند الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي خطورة ما تقوم به المصارف الإسلامية من حيل ومخارج تحاكي من خلالها البنوك التقليدية على مسيرة الاقتصاد الإسلامي، مشدداً على أن السير في هذا الاتجاه سوف يدمر الصناعة المصرفية الإسلامية.
وكشف لـ "الاقتصادية" العلامة القرضاوي أن البنوك الإسلامية تلجأ إلى إعداد حيل ومخارج لتمشية الأمور، وهو ما يشكل خطراً على الاقتصاد الإسلامي، وأضاف "في هذه الحالة لن يكون هناك فرق بين المصارف الإسلامية والتقليدية في الجوهر، ولنا أن نتساءل لماذا قامت المصارف الإسلامية في الأصل؟ أليس لتكون بديلاً عن المعاملات الربوية والمحظورة شرعاً بما فيها من غرر وظلم!".
وأشار إلى أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على العدل والإنتاج وتهيئة فرص العمل للناس، وقال "إذا ظللنا نسير خلف الاقتصاد الربوي الرأسمالي ونحاكيه ونقوم فقط بتغيير المسميات لنضفي الصبغة الشرعية، فإن هذا ما نحذر منه".
#2#
ولفت الدكتور يوسف إلى أن الإفراط في التسهيل بتحليل المنتجات في المصارف الإسلامية يدخل ضمن هذا التوجه، وأردف "هناك فئة نسأل الله أن يهديهم يحاولون مسايرة الأمور وفعل ما تطلبه منهم الإدارات التنفيذية للمصارف، يتساهلون بقول نعم وبطريقة أو بأخرى يسهلون الأمور من باب أن الدين يسر، لكن ذلك يجب أن يكون مع الالتزام بالضوابط الشرعية وإلا فإننا أذبنا الفروق مع البنوك التي كنا ضدها وجلبت الربا واللعنة على الناس".
وطالب القرضاوي بالخروج من ضيق الضمان وأن الناس لا ترغب في التعرض للخسارة، إلى روح المشاركة والمضاربة وأن يكون هناك غنم وغرم، واستطرد "الغنم باستمرار ليس من روح الإسلام الذي يعتمد في معاملاته على الغنم والغرم وكل ربح يقابله خسارة وهذا هي سنة الحياة".
"بالنسبة لمستقبل المصارف الإسلامية، أنا لا أيأس من روح الله، لكننا إذا سرنا على هذه الحال فلا أمل، لا بد من ثورة على هذه الاتجاهات ونرجو أن يظهر جيل أقوى من الموجودين الآن يكونون أقدر على المضي بالمسيرة على المنهج المستقيم الذي يرضاه الله ورسوله".
إلى ذلك، تحفظ الشيخ نظام يعقوبي عضو هيئة الرقابة الشرعية في مجموعة كبيرة من البنوك والشركات الإسلامية، التعليق على أسباب تعثر عدد من الصكوك الإسلامية في الفترة الأخيرة، وقال "الصكوك الإسلامية أدوات استثمارية لا أستطيع أن أعطي حكما عليها كلها ولكن ما وافق منها الأحكام الشرعية وصدرت الفتاوى المنضبطة من هيئاتها فهي شرعية وما لم يكن كذلك فينظر فيها، وأما أهميتها فلاشك أنها مهمة في تنمية البلاد والشركات ومستقبلها باهر".
وأوضح لـ "الاقتصادية" أن التعثرات الأخيرة إذا ما قورنت بما يحدث للسندات التقليدية من تعثر فلا تكاد تذكر وتابع "نسبة الصكوك المتعثرة أقل من 1 في المائة، وهي قليلة جدا بينما هناك يوميا سندات تالفة أو هالكة بالملايين فلماذا لا يتم الحديث عنها؟".
ونبه يعقوبي إلى أنه بمجرد أن يتعثر صك أو اثنان فإن هذا لا يعني أن آلية إصدار الصكوك خاطئة، وأضاف "إنما هذا أمر ائتماني أو تجاري وأمر يتعلق بالبلد أو الشركة التي يصدر فيها الصك، ولذلك ينبغي النظر إليه بعقلانية وحيادية".
وتساءل: "لماذا لا يقال عندما تعثرت ملايين السندات التقليدية إن آلية السند هي المشكلة، يجب أن نكون منصفين ونحكم على الجميع بالطريقة نفسها، أما أن نقول هنا مشكلة في طرف ونتجاهل الطرف الآخر فهذا أمر مجحف، ولا شك أن الصكوك إذا طبقت تطبيقا جيدا وقامت الدول الإسلامية بوضع قوانين وتشريعات لتنظيمها والإشراف عليها فإن ذلك سيسهل من إصدارها".
وكان الدكتور صابر الحسن محافظ البنك المركزي السوداني، قد استعرض البارحة الأولى دور الجهات الرقابية في الضبط الشرعي للصكوك والأدوات المالية الأخرى من خلال تجربة بنك السودان المركزي في إصدار الصكوك وضبطها.
بدوره تطرق الدكتور عبد الستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية الموحدة في مجموعة البركة المصرفية في بحث مفصل تعهدات مديري العمليات الاستثمارية، التي تصدر لمشتركين في الأوعية الاستثمارية المختلفة ما بين مشاركة أو مضاربة أو وكالة بالاستثمار، أو الصكوك والصناديق الاستثمارية وما يجوز من تلك التعهدات، وما لا يجوز وعلاقة التعهد بالشراء بالقيمة الاسمية بالضمان للمخاطر التي يتعرض لها المشتركون في تلك الأوعية مع الكلام عن التعهد بغير الشراء.
وقدم الدكتور موسى عيسى رئيس دائرة الالتزام الشرعي في البنك الأهلي التجاري بحثا عن تعهدات مديري العمليات الاستثمارية.
وفي الجلسة الأخيرة، أوضح الدكتور محمد القري أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز سابقا، مخاطر الثقة بتطبيقات المضاربة وعلاجها، ثم تلاه الدكتور العياشي فداد من المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بتقديم بحث آخر عن مخاطر الثقة بتطبيقات المضاربة وعلاجها.
بعدها عقب على البحثين كل من الشيخ عبد الله بن منيع والشيخ محمد المختار السلامي.
يذكر أن الفتاوى والتوصيات التي تصدر عن ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي أصبحت مرجعا علميا، وقاعدة بيانات ومعلومات تسترشد بها الأبحاث والفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، والمجامع الفقهية، والهيئات والمنظمات المختلفة في سائر أنحاء المعمورة, حيث تستند معظم قرارات وتوصيات الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية والهيئات والمنظمات المختلفة على تلك الثروة من الفتاوى والتوصيات كما تعد قاعدة ومنطلقا ومعينا لتأسيس عديد من منشآت ومنظمات الأعمال الإسلامية.