المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.. صفر على الشمال!

إن النجاح الوهمي الذي يتغنى به الإسرائيليون عن مسار المفاوضات المباشرة التي تدور رحاها في هذه الأيام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يتعدى ــ في تقديري ــ النصف في المائة، أمّا الفشل الذي نتوقعه لهذه المفاوضات العبثية، فإنه سيصل إلى الـ99.5 في المائة.
ومع الأسف الشديد، إنه ما زال بين العرب ''السذج!'' من يصدق أن إسرائيل دولة تبحث عن السلام الحقيقي، رغم أن لديهم تجارب مع الإسرائيليين تنوف على الـ60 سنة من المفاوضات العبثية التي انتهت إلى مزيد من التنازلات العربية، حتى أصبح العرب ليست لديهم تنازلات يقدمونها إلى الجانب الإسرائيلي، إلاّ أن يتركوا كل الأراضي الفلسطينية لإسرائيل ويرحلوا هائمين باحثين عن وطن بديل يأويهم ويجمع شتاتهم.
وبصريح العبارة، فإن نجاح المفاوضات يرتهن إلى تنفيذ قرارات المجتمع الدولي وبالذات القرارين 242 و194، وإذا تم تنفيذ هذين القرارين فإنهما يؤولان إلى قيام دولة ذي أغلبية فلسطينية تستخدم كل حقوقها الدستورية المشروعة لإزالة دولة إسرائيل مع الاعتراف بحقوق الأقلية اليهودية، وهذا ما لا تقبله بالقطع إسرائيل!
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نجزم بأن فشل المفاوضات هو الخيار الوحيد المرشح للتحقيق، وطبعاً هذا ما يعرفه المفاوض الإسرائيلي وما يعرفه المفاوض الفلسطيني.
وإذا استعرضنا أسباب فشل المفاوضات فإنه يكفى أن نقول إن الفلسطينيين متمسكين بتنفيذ القرارات الدولية، وأهمها قرار الانسحاب إلى حدود 1967، وهذا القرار يعني إعادة القدس الشرقية وبيت المقدس إلى الحكومة الفلسطينية، وهو ما سيمسخ الدولة الدينية اليهودية التي تريد حكومة نتنياهو أن تؤسسها وتعيد هيكل سليمان تحت قواعد المسجد الأقصى، وكذلك تريد حكومة نتنياهو ـــ على أساس الدولة الدينية اليهودية ــ ضم حائط المبكى إلى أملاكها حتى يجد اليهود المكان المناسب لبكائهم، وبذلك تكتمل مقدسات الدولة اليهودية المزعومة، وكل اليهود يعرفون أنه دون القدس ودون حائط المبكى لن تقوم دولة دينية يهودية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وطبعاً الفلسطينيون لن يقبلوا بوضع هيكل سليمان المزعوم تحت قواعد المسجد الأقصى، ولن يتنازلوا عن حائط البراق (المبكى)، وإلاّ فإنهم يتنازلون عن حقوقهم التاريخية والدينية المشروعة المملوكة لهم بإرادة إلهية منذ مئات السنين، التي منحتها لهم ــ في العصر الحديث ــ قرارات المجتمع الدولي.
وإذا كان الفلسطينيون لا يتنازلون عن قرار الانسحاب إلى حدود 1967، فإنهم لا ولن يتنازلون عن القرار 194، الذي ينص على حق العودة لكل الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة فلسطين منذ 1948، وهؤلاء العائدون يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين نسمة، بمعنى أن هؤلاء العائدين مع فلسطينيي الداخل الذين يبلغ عددهم خمسة ملايين نسمة سيرتفعون بعدد الفلسطينيين إلى مستوى الأغلبية الساحقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وبحكم الأغلبية سيلغى النظام الصهيوني وعند ذاك تزول إسرائيل من الخريطة.
أقول إن كل البنود التي تدور خارج هذين الموضوعين الرئيسين يمكن للجانب الفلسطيني أن يقدم تنازلات فيها.. إلاّ القدس وعودة المواطن الفلسطيني إلى أرضه، وهو حق كفلته له الشرائع السماوية وكفله له القانون الدولي، فدون القدس ودون عودة اللاجئين لن تقوم قائمة الدولة الفلسطينية، ودون حائط المبكى ودون هيكل سليمان لن تقوم قائمة الدولة الدينية اليهودية.
وبالنسبة إلى هذا الموضوع الحساس دعونا ندخل إلى الداخل الإسرائيلي ونستقرئ رأي بعض القيادات العليا وأولهم إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق الذي أدلى بحديث إلى صحيفة ''هاآرتس'' الإسرائيلية في 13 آذار (مارس) 2003 قال فيه: ''الفلسطينيون الذين يسعون إلى التفاوض على حل يقوم على مبدأ الدولتين يزدادون عددا، وهؤلاء يستهدفون التحول من النموذج الجزائري إلى نموذج جنوب إفريقيا (الذي أعاد إلى السود حقوقهم في حكم بلادهم من خلال صناديق الانتخابات)، أي من صراع ضد الاحتلال إلى صراع لنيل الحقوق المدنية عبر صناديق الاقتراع، وهذا الحل يلقى ترحيبا عالميا، ولكنه مع الأسف يحمل معه نهاية الدولة اليهودية، وقال أولمرت في حديث لاحق إلى الصحيفة نفسها بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 جاء فيه: ''يوم ينهار الحل على أساس الدولتين سنواجه صراعا على الحقوق الانتخابية بنحو ما عرف في جنوب إفريقيا، وعندما يحدث هذا فستكون نهاية الدولة الإسرائيلية''، ومن ناحيته فإن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي لمح في أكثر من مناسبة قائلا: إن إسرائيل قد تدخل دائرة الاحتمال الأخطر الذي يفقد إسرائيل شرعيتها فيما لو لم تحقق صفقة سياسية مع الفلسطينيين، فإذا بقي الفلسطينيون دون حقوقهم المدنية، فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة ''أبارتايد''.
ولذلك نؤكد أن المفاوضات الفلسطينية ـــ الإسرائيلية التي احتفل باستئنافها الرئيس أوباما، التي عدها الفرصة الأخيرة ليست فرصة على الإطلاق، وإنما هي كمين فاشل كما فشلت الكثير من المفاوضات السابقة طوال الـ60 عاما الماضية، التي كانت تطالب الفلسطينيين بالرحيل عن فلسطين المحتلة والتنازل عنها بالكامل للدولة الصهيونية المحتلة، ودون التنازل عن فلسطين بالكامل، فلن يستكمل المشروع الصهيوني ولن تقوم دولة إسرائيل على أساس ديني يهودي متصهين، وهذا ما قاله بصراحة وزير خارجية إسرائيل ليبرمان، الذي طالب ضمنا إلغاء القرارات الدولية ورفض الانسحاب إلى حدود 1967 ورفض الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين، وأكد أن فلسطين أرض يهودية لا يسكنها إلاّ اليهود، وعلى الفلسطينيين أن يبارحوها باتجاه الصحراء في عالمهم العربي.
هذا هو الحل من وجهة نظر إسرائيل، وهو حل مستحيل على المستوى الفلسطيني ومستحيل على مستوى المجتمع الدولي المسؤول عن تنفيذ قراراته.
وتأسيسا على ذلك، فإننا نتوقع الفشل الذريع للمفاوضات التي قال عنها أوباما إنها فرصة لن تتكرر، وهي من وجهة نظري ليست فرصة على الإطلاق، بل هي مفاوضات تؤكد أن المشكلة الفلسطينية ـــ الإسرائيلية إلى مزيد من التدهور وإلى مزيد من التوتر، لأن الحلول المطروحة والممكنة تقود إلى نهاية إسرائيل في عام 2022، كما يقول بذلك الكهنة الإسرائيليون، وإذا تمكنت إسرائيل من إشعال حرب إبادة لكل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فإننا نؤكد أن حرب إبادة الفلسطينيين لم تعد قرارا إسرائيليا فحسب، بل أصبحت قرارا تمسك بمفاتيحه كل القوى في العالم، ومنها المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وأصبح كذلك في يد العرب الذين باتوا يملكون من الصواريخ والأسلحة الفتاكة القادرة على زلزلة كل المدن الإسرائيلية.
ونستطيع القول إن إسرائيل أصبحت تحت المراقبة الدقيقة، ولن تستطيع استخدام أسلحة الدمار الشامل كما استخدمتها في حرب جنوب لبنان وحرب غزة 2006، ولن تستطيع أن تلغي شعبا بأكمله أعطاه المجتمع الدولي حق الحياة وحق الوجود.
إن إسرائيل أمامها أياما عصيبة يصعب التكهن بمستقبلها بُعيْدَ المفاوضات، ولكنها لا شك تقترب من أزمة قد تهدد وجودها، وإذا حدث هذا، فإن النبوءة الإسرائيلية تتحقق وتتحقق كذلك آيات الله البينات من القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي