توافر الاستثمار ليس ضمانا لاكتشاف حقول جديدة

يبلغ مستوى الاحتياطي النفطي العالمي المؤكد والقابل للإنتاج بالطرق التقليدية الحالية ما يُقارب مليارا و200 مليون برميل، موزعة بين أكثر من 17 دولة. وهذا الرقم يشمل 170 مليار برميل من النفط الرملي الكندي الذي يُقدر إنتاجه اليومي بما يُقارب مليون برميل من النفط الثقيل. وعلى الرغم من ضخامة كميات احتياطي النفط الرملي الموجود في أكثر من دولة، إلا أنه من غير المتوقَّع أن يزيد إنتاجه في الوقت الحاضر كثيرا على مستوى الإنتاج الحالي؛ وذلك بسبب ارتفاع تكلفته وصعوبة عملية إنتاجه. وهناك أيضا ما يُطلق عليه ''الاحتياطي النفطي المحتمل''، وهو الذي نسبة فُرص وجوده عند التنقيب وبعد دراسة وضع الحقل تكون أقل من 50 في المائة. وخلال السنوات الأخيرة تحوَّلت دول نفطية عدة من مُصدرة للنفط إلى مُستوردة بسبب نضوبٍ جزئي في مخزونها النفطي؛ وذلك من أجل سد النقص في حاجتها إلى مزيد من مصادر الطاقة، وعلى رأسها إندونيسيا. وبريطانيا كانت في عام 2000 تُنتج ما لا يقل عن مليونين و700 ألف برميل من النفط يوميا، وانخفض الآن إلى مليون و400 ألف برميل، وهكذا مصير بقية الحقول النفطية، لكن بنسب متفاوتة.
ويجب التوضيح هنا بأن الاحتياطي النفطي الثابت وجوده، والمذكور آنفا، هو مجموع الأرقام الرسمية المعلنة من قِبَل كل دولة، وأغلب هذه الأرقام لم تتغير منذ سنوات طويلة ويغلب عليها غياب الشفافية. فلربما أن بعضها يكون الآن قد تغير إلى مستوى أدنى بسبب النضوب الطبيعي. ولعله من نافلة القول أن نُذكر بأن الحقول المُنتجة حاليا تفقد سنويا ما مُعدَّله يزيد على 4 في المائة من احتياطياتها الثابتة، وهذه معلومة مهمة يُهمل ذكرها بعض المحللين الذين لا يرون أنها تخدم وجهة نظرهم.
ويعتقد الكثيرون أن هناك كميات إضافية هائلة من المواد النفطية في أكثر من موقع على الكرة الأرضية، ويحتاج اكتشافها فقط إلى زيادة في الاستثمار المالي، وهو قول أقرب ما يكون إلى التفاؤل أو التخمين منه إلى الحقيقة. وليس من الحكمة الاعتماد عليه عندما يكون الأمر يتعلق بقرارات اقتصادية مصيرية. وفي الواقع أن البحث والتنقيب في ميادين مصادر الطاقة النفطية لم يتوقف تماما في وقتنا الحاضر، على الرغم من الركود الاقتصادي الذي يسود العالم اليوم، بل هو مستمر في كثير من الأماكن التي يُعتقد أن نسبة احتمال وجود النفط فيها بكميات تجارية تُمثل أكثر من 50 في المائة. ولكن نتيجة التنقيب حتى الآن غير مُشجعة وتتميز بقلة عدد الحقول المكتشفة حديثا خلال ما يزيد على 30 عاما مضت، وذلك بالنسبة إلى المجهود الكبير الذي تبذله شركات النفط بحثا عن النفط والغاز في أماكن كثيرة ومتفرقة من العالم. ومعظم الحقول المكتشفة حديثا خلال السنوات القليلة الماضية، على قِلتها، تقع إما في أماكن نائية أو في البحار العميقة التي يتطلب إنتاجها استخدام مُعدات خاصة ومُكلفة واتخاذ احتياطات غير عادية لتجنب ما وقعت فيه أخيرا شركة البترول البريطانية في خليج المكسيك، عندما فقدت السيطرة على إحدى آبار الاستكشاف خلال عملية الحفر، الذي من المُتوقع أن يُكلف الشركة أكثر من 20 مليار دولار. ولو كان صحيحا أن العائق لاكتشاف مصادر نفطية جديدة هو المال كما يظنون، لرأينا الكثيرين من الأثرياء وأصحاب الأموال الطائلة يتسابقون إلى الاستثمار في مجال الثروات النفطية التي يعلمون، قبل غيرهم، ما لها من مردود سخي بعد أن وصل سعر البرميل إلى المستويات الحالية، وهو مُرشح لأن يستمر في الارتفاع. وهذا تصديق لما يحاول بعض خبراء الطاقة أن يلفتوا نظر العالم إليه، وهو انتهاء عصر الطاقة الرخيصة.
ونرجو ألا يُفهم من هذا الموقف أننا ننفي وجود مكامن جديدة لم تُكتشف بعد ربما تحوي كميات إضافية من النفط والغاز، وإنما الذي نقصده هو ألا يكون الظن بوجود كميات نفطية كبيرة غير مُكتشفة مُبرِّرا للإسراف في الإنتاج والاستهلاك وتُبنى عليه مُخططات تتعلق بمستقبل أمة ليس لها في المستقبل ما يدل على وجود مصادر دخل أخرى مضمونة. وللقارئ الكريم أن يتخيل ما سنجنيه من الغبن وسوء التقدير لو أننا أدخلنا في حساباتنا حتمية وجود مزيد من الاحتياطي النفطي الذي لم تُحدَّد معالمه بعد، وذلك بناءً على مُجرَّد الإحساس بالتفاؤل، الذي يميل البعض منا إلى أن يتحلى به. فإذا لم نجد ما كان في ظننا أنه موجود، فسنجني على أنفسنا وعلى مستقبل أجيالنا. وإذا التزمنا الطريق السليم ورسمنا خُطط مستقبلنا بناءً على معطيات الحاضر المضمون، ومن ثم وفقنا الله لاكتشاف المزيد من الثروات النفطية فذلك نور على نور. وأهم ما يمكن لنا أن نعمله اليوم وفي المستقبل هو أن نكون حذرين من الوقوع في مصيدة الوعود التي نُعطيها للعالم بحسن نية من أجل تطمين المجتمع الدولي بأننا نمتلك أكثر مما لدينا من الاحتياطي النفطي، أو أن نعمد إلى تضخيم ثروتنا بقصد إعطاء الانطباع بأنها ستدوم لسنوات طويلة قادمة. فالعالم لن يرحمنا إذا انكشف أمرنا وأصبحنا في حاجة إلى دعم ومساعدة حتى ولو بعد حين. والأجيال القادمة لن تغفر لنا إسرافنا في استغلال ثرواتنا التي جعلنا الله قيِّمين عليها. ونرجو من الله العلي القدير ألا يجعل من النعم الكثيرة والثروة الكبيرة التي وهبها لنا نقمة علينا وملهاة لنا عن القيام بواجباتنا نحو مصير أجيالنا القادمة.
وبصرف النظر عن احتمال وجود ثروات نفطية لم تُكتشف بعد من عدمه، سواء في بلادنا أو في أي مكان آخر، يجب علينا أن نتصرف بما لدينا بحكمة وألا نسمح لأنفسنا بأن يكون هدفنا فقط هو زيادة الدخل من مبيعات النفط من أجل جلب الرفاهية لشعبنا على حساب ثروة ناضبة.
ويود البعض رفع كمية الإنتاج النفطي من الاحتياطي الموجود بمجرد استثمار مزيد من الأموال من أجل بناء مرافق إنتاج إضافية، إلى جانب ما هو قائم اليوم. والهدف الرئيس من طرح هذا الرأي هو رغبة المستهلكين في وجود فائض دائم في الطاقة الإنتاجية لكبح جماح الأسعار في حالة ارتفاع مستوى الطلب. لكن هذه النظرة في واقع الأمر لا تتماشى مع مصالح الدول المصدرة للنفط التي تحاول أن تحافظ على ما تبقى من مخزونها النفطي الثمين ولا ترغب في سرعة استنزافه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي