التضخم وقطاع العقارات
أثار تصريح الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لوسائل الإعلام حول القطاع العقاري واقتراب انخفاضه, ما سيسهم في خفض معدلات التضخم, الكثير من الجدل حول تفسيره. وهل لدى معاليه معلومات ستؤدي إلى خفض العقارات حال خروج هذه المعلومات إلى العلن؟ ولعلي من الذين اطلعوا على ما نشر في الصحف حول هذا التعليق، وأحسب أنني فهمته بطريقة مختلفة سأحاول شرحها في هذه المقالة.
يمكن القول إن أهم العوامل التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال العام الحالي في المملكة هي ارتفاع المواد الغذائية والإيجارات حسبما تنشره مصلحة الإحصاءات العامة. ولا يحتوي مؤشر مصلحة الإحصاءات العامة على (أسعار بيع وشراء العقارات), بل يحتوي فقط على الإيجارات والترميم والوقود والمياه في بند واحد. وهذا البند شهد ارتفاعاً كبيراً منذ عام 2007 حتى الربع الأول من العام الحالي 2010 بلغ 53 في المائة بسبب رئيس يعود إلى ارتفاع معدلات الإيجارات. وارتفعت معدلات الإيجارات لسببين رئيسين, الأول هو قلة المعروض من الوحدات السكنية، والسبب الثاني الارتفاع الكبير في النمو السكاني. بينما تشير التقديرات إلى أن النمو السكاني سيصل بعدد السكان إلى نحو 25.5 مليون نسمة في 2009، فإن التعداد السكاني الأخير جاء بعدد سكان أعلى من التوقعات تجاوز 27 مليون نسمة، بسبب الارتفاع الكبير في العمالة الوافدة، حيث ارتفعت بنسبة 38 في المائة بين تعداد 2004 والتعداد الأخير، بينما لم ينم السكان السعوديون إلا بنسبة 19 في المائة حسب تقرير "جدوى". ومع هذا النمو السكاني غير المتوقع، كان هناك عجز في عرض الوحدات السكنية يصل إلى أكثر من 130 ألف وحدة سكنية. لذا لا غرابة في أن ترتفع أسعار الإيجارت، ويصبح العائد على العقار السكني في المملكة مرتفعا يجاوز عشرة في المائة سنوياً ليعد من الأعلى في العالم, حيث إن عائد الإيجار في الدول المتقدمة يراوح بين 5.5 و7 في المائة.
وأدى ارتفاع العائد من الإيجارات إلى ارتفاع أسعار العقار, خصوصاً السكني. وظل القطاع السكني متماسكاً في أسعاره مع اتجاه في الصعود رغم أزمة الرهن العقاري في 2008، وأزمة دبي في 2009، بينما تراجع أسعار القطاع التجاري بسبب تراجع المستثمرين وتراجع النشاط التجاري بصورة ملحوظة، مع زيادة المعروض في القطاع التجاري بشكل كبير، ناهيك عن استمرار هذا التوسع, خصوصاً من قبل شركات المؤسسات الحكومية التي تتبنى استراتيجيات حكومية طويلة المدى, مثل استمرار بناء مركز الملك عبد الله المالي.
وعطفا على ما تقدم، يمكن الإجابة عن السؤال الذي أثار حفيظة وسائل الإعلام مما إذا كان تصريح معالي محافظ مؤسسة النقد سيؤدي إلى خفض العقارات ومن ثم معدلات التضخم. إذ من الواضح أن العجز في القطاع السكني ما زال قائماً، وسيظل كذلك إلى سنتين مقبلتين على أقل تقدير، ما لم ينخفض النمو السكاني, خصوصاً العمالة الوافدة, بشكل كبير، وهو أمر مستبعد. ذلك لأن زيادة الوحدات السكنية، كي تتلاءم مع الطلب المتوقع، تحتاج إلى أكثر من سنتين حتى يتم بناء عدد من الوحدات يتجاوز 100 ألف وحدة لسد فجوة العجز بين العرض والطلب. ومن خلال النمو في زيادة الوحدات السكنية في السنوات الأخيرة، فإنه لا يمكن تحقيق ذلك، عطفاً على الخبرة المتواضعة لشركات التطوير العقاري، وصعوبة التمويل، وتأخر نظام الرهن العقاري. من هنا فإننا لا نرى أن القطاع السكني سيكون عاملاً مهماً لانخفاض التضخم، بل سيستمر عاملا مهما في التأثير في مؤشر التضخم.
وبالنسبة للقطاع التجاري، فإنه شهد تراجعات كبيرة منذ الأزمة العالمية، لكنه لم يؤثر في مستويات التضخم في البلاد، وأخشى أن عامل إيجارات القطاع التجاري لم يندرج تحت مؤشر مصلحة الإحصاءات العاملة، وقد يعود ذلك إلى تقدير المصلحة أن ليست له علاقة مباشرة وقوية بتكلفة المعيشة للأفراد.
ولعلي الآن اقتربت من إعطاء إجابة واضحة عن علاقة التضخم بالقطاع العقاري, فالقطاع السكني لا يبدو أنه سينخفض بما فيه الكفاية لخفض معدلات التضخم، بل قد يتجه للارتفاع لبقاء العوامل الرئيسة المؤدية إلى ارتفاعه قائمة، ولا يبدو أنها ستزول في السنة المقبلة. بينما يبدو القطاع التجاري ليس عاملا حاسماً في مسألة التضخم. ويمكن القول إن ما يقلق المستثمرين هو تراجع العائد من الإيجارت عطفاً على تكلفة أسعار الأراضي السكنية التي لم تشهد الانخفاض المطلوب في أسعارها. فالمستثمر قد لا يقبل بأقل من عشرة في المائة عائدا من استثماره العقاري، ما يضغط على أسعار العقارات وجبرها في الانخفاض. وهذا ما أفهمه من تصريح معالي المحافظ، لكنني أرى أن المستثمرين قد لا يمانعون في الحصول على عائد أدنى يصل إلى سبعة في المائة أو أقل ـــ كما هو الحال في الدول الأخرى ـــ وانسجاماً مع عوائد الأصول الأخرى وسعر الفائدة المنخفضة. ولعل هذا السيناريو يؤكد اعتقادي أن أسعار العقارات، خصوصاً السكنية منها, قد لا تشهد الانخفاض المأمول لخفض معدلات التضخم.