تأثير الرهن العقاري

أثارت مقالة الإثنين الماضي ''تأثيرات الرهن العقاري سؤال وجواب'' استفسارات ومداخلات كثيرة. وقد وعدت القراء بالتجاوب مع ما أثير.

زيادة الطلب
شكك بعضٌ في كون الرهن العقاري يزيد الطلب. من المستحسن على هؤلاء أن يقرأوا جيدا عن تأثيرات قوانين الرهن العقاري في دول أخرى، وأن يتعرفوا على أسباب اعتذار مؤسسات مالية في بلادنا في منح كثيرين تمويلات قائمة على الرهن، وعلاقة هذه الأسباب بعدم وجود أنظمة الرهن العقاري. صحيح أن البنوك ما زالت تعطي تمويلات عقارية، لكنها تعطى في سوق تخلو من قوانين تضبط العلاقة الموضوعية والحقوق بين الطرفين، وليس العلاقة الشكلية فقط.
أنظمة الرهن العقاري في الدول تعطي أهمية كبيرة لجانب التنفيذ، حيث تتيح للجهات التنفيذية والقضائية التصرف بصورة أسرع وأكثر مضمونية للممولين مقارنة بحالة عدم وجود تلك القوانين. والنتيجة أن عدد القادرين على الحصول على تمويلات مدعومة برهن عقاراتهم سيزيد مع وجود قوانين الرهن العقاري، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، وهذا تلقائيا يترجم بزيادة الطلب. العرض سيتأثر كذلك، لكن الطلب أسرع في التأثر على المدى القصير.
هل يستفيد الممولون من انخفاض أسعار العقارات؟
هذا محتمل، لكن من المهم التنبيه على أن الذي يهم الممولين في الدرجة الأولى ليس انخفاض أو ارتفاع أسعار العقارات، لكن العائد الذي سيجنونه. هذا العائد قد ينمو مع ارتفاع أسعار العقارات تأثرا باعتبارات كثيرة كطبيعة السياسات الحكومية.

ضعف الدخل
تثار نقطة محدودية المستفيدين من الرهن العقاري، بسبب ضعف دخول معظم الناس، وارتفاع أسعار العقارات والأراضي خاصة. هذا الضعف حقيقة لا جدال حولها، لكن من المهم ألا ننسى نقاطا عدة.
دخول بعض موظفي الحكومة والقطاع الخاص ليست منحصرة غالبا بالراتب، بل يتقاضون أيضا بدلات ومكافآت لاعتبارات كثيرة. ومن جهة أخرى، يحصل كثير من موظفي القطاع الحكومي والقطاع الخاص على دخول من مصادر أخرى، سواء كانت بطرق مشروعة أو غير نظامية.
من جانب آخر، من المفهوم أن أكبر سبب لارتفاع أسعار المساكن هو غلاء الأراضي، لكن هذا الغلاء متفاوت. فمثلا، بينما تعاني أحياء كثيرة في مدن كبيرة قوة الطلب عليها وغلاء أسعار أراضيها إلى مستويات عالية جدا، إلا أن الأحياء الأخرى والمدن الصغيرة لا تعاني حدة المشكلة نفسها، حيث تتوافر فيها أراض سكنية مطورة وصلتها الخدمات العامة بأسعار أرخص كثيرا. وبالنظر إلى توجهات الحكومة خلال السنوات الأخيرة الماضية نحو توزيع مشروعات التنمية بصورة أكثر عدالة عن ذي قبل، فمن المتوقع انخفاض معدلات الهجرة إلى المدن الكبيرة، وأن نسبة الاستفادة من أنظمة الرهن العقاري في المدن الصغيرة ستكون أعلى من النسبة في المدن الكبيرة بالنسبة إلى غير ذوي الدخول المرتفعة.
ستعتمد قدرة نسبة كبيرة من الناس من غير ذوي الدخول المرتفعة في الحصول على تمويل لتملك منزل مناسب على تطوير استراتيجيات وسياسات إسكان، مثل تطوير موارد وسياسات صندوق التنمية العقارية، والسماح بوجود مرتهن آخر مع الصندوق، ومثل وضع سياسات تسهم في زيادة عرض الأراضي، ومن ثم انخفاض أسعارها. ومع ذلك ستبقى نسبة من الناس غير مستفيدة من نظام الرهن العقاري، وتبقى مسؤولية السلطة في مساعدة هؤلاء في مساعيهم لتملك مساكن مناسبة.

فروقات عن حالة تمويل برهن أسهم
يقارن البعض بين انهيار سوق الأسهم، متوقعين وقوع الشيء نفسه للعقار. من المهم ألا ننسى وجود فروقات بين سوقي الأسهم والعقار:
ـ التذبذب في أسعار الأسهم أعلى كثيرا من التذبذب في أسعار العقارات لأسباب كثيرة، وهذه مثبتة قياسيا عبر دراسة السلاسل الزمنية لتحرك أسعار الأسهم وأسعار العقارات في دول أخرى.
ـ وقعت مشكلة انهيار سوق الأسهم، ثم وقعت الأزمة المالية العالمية، وما تبع ذلك من تطورات ودروس. أما الآن فتتشدد المؤسسات المالية، وتطبق سياسات لإدارة المخاطر أقوى مما كان سابقا.
ـ نظام الرهن العقاري تسنده أنظمة أخرى متعلقة كالتمويل العقاري ومراقبة شركات التمويل والتأجير التمويلي. كما أن الحكومة أعلنت اعتزامها تأسيس شركة لشراء القروض العقارية من المؤسسات المالية.

التأثير على أسعار الأراضي بفرض ضريبة مثلا
بعض ملاك الأراضي ليس لديهم حافز على البيع أو التطوير في الأجل المنظور، وهذا يسهم في رفع أسعار الأراضي؛ لأنه يحد من العرض. فهل لدى الحكومة وسيلة للتدخل؟
الوسيلة الأولى الزكاة. الأعيان المعدة للتجارة (على المدى القصير) ومنها الأراضي تجب فيها الزكاة، وهذا معروف، لكن يرى فقهاء أن الأرض المعدة للاستثمار على المدى البعيد، أي المحتكرة (المحبوسة) عن المتاجرة فيها في الوقت الحالي، تجب فيها الزكاة لسنة واحدة، وجمهور الفقهاء (حسب علمي) يوجبون الزكاة فيها كل عام؛ لأنها مرصودة للنماء، وأرى أن على الحكومة أن تتبنى هذا الرأي.
وسواء اعتبرنا الزكاة ضريبة بالمعنى الاصطلاحي أو لا، فإن الزكاة مشابهة لأنواع من الضرائب والرسوم من بعض النواحي، لكن مقادير الزكاة ومواضع صرفها محددة شرعا. السؤال التالي: هل مقدار الزكاة كاف لزيادة العرض أو كبح جماح ارتفاع أسعار العقارات؟ قد يبين التحليل الاقتصادي أنه ينبغي فرض رسوم أو ضرائب تزيد على الزكاة. ويتوافر كم من التحليلات الاقتصادية لتأثير الضرائب على الأنشطة الاقتصادية ومنها تجارة العقارات وامتلاكها.
في اقتصاد المالية العامة ينظر إلى الضريبة على أنها أداة قوية من أدوات السياسة المالية لإحداث تأثيرات اقتصادية، وفي هذا الإطار ينظر للضريبة على أنها تسهم في سياسات الإسكان الميسَّر بغرض الشراء أو التأجير، سواء للأراضي المبنية أو المطورة أو التي لم تطور بعد. من مبررات فرض زكاة/ ضرائب على الأراضي فكرة الأجرة أو الريع الاقتصادي economic rent. وتتلخص الفكرة في أن ملاك الأراضي يستلمون ريعا أو دخلا من الأرض يتجاوز الحد الأدنى اللازم الذي يدفعهم للبيع؛ ذلك لأن الرغبة في شراء اِلأرض تحددها قيمة التطوير النهائي للأرض ناقصا تكلفة التطوير. ومن جهة أخرى، ارتفاع أسعار الأراضي يعود لتغيرات وتطورات في الاقتصاد، أسهم فيها الآخرون وليس ملاك الأراضي؛ ولذا يرى أن من حق هذا المجتمع الحصول على بعض الريع الذي حصل عليه أصحاب الأراضي جراء ارتفاع أسعارها. أو يمكن القول بطريقة أخرى: إن من حق المجتمع تحميل أصحاب الأراضي بعض تكاليف التطوير كتحسين البنية التحتية. وبالله التوفيق،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي