جريمة أمام وزير

يقول صالح كامل في كلمته التي ألقاها أمام وزير العمل الجديد ما نصه ''أتقدم للحصول على تأشيرة أو تأشيرات وأظل أنتظرهاً أشهراً من دون جدوى، أو قد تُرفض، ثم يأتيني من يعرض عليّ دفع 5 أو 8 أو 10 آلاف ريال، ولا يمضي أسبوع إلا والتأشيرة أو التأشيرات جاهزة على مكتبي''. انتهى كلامه. هل يعقل أن هناك من يدفع مقابلا للحصول على تأشيرة لم يتمكن من الحصول عليها بشكل نظامي ويصرح بذلك علناً؟ صريح العبارة ''لا يمضي أسبوع إلا والتأشيرة أو التأشيرات جاهزة'' بعد دفع المبلغ. وهذا يحدث بعد أن يكون قد رفض طلبه أو طال انتظاره دون موافقة! حدث قد يكون متخيلاً أو نقلاً عن وكالة ''يقولون''، ولكنه يجبرنا على التساؤل عن ''احتمالية'' وجود مخالفة نظامية نسمع عن تفاصيلها دون أن نستحضر النص النظامي الذي تم تشريعه لمكافحتها. أظنه من المهم عدم المرور أمام هذه الحوادث بلا مبالاة بل يجب انتهاز الفرصة والتذكير بالعواقب النظامية عن مثل تلك الأمور حتى يعرف الجميع أن الأمر مخالف للنظام ويجب التصدي له بدلا من التبسم أو التأوه من جراء حدوثه.
يوجد في المملكة العربية السعودية نظام اسمه ''نظام مكافحة الرشوة'' صدر بمرسوم ملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هجري، وتم نشره في جريدة أم القرى في عددها الصادر بتاريخ 2/2/1413هـ. ومن أهم مواده المادة الأولى التي تنص على أن ''كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعاً يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به''. ومن استطاع تسهيل الحصول على تأشيرة تم رفضها، وقلب الرفض إلى قبول لا يمكن بتصوري المحدود أن يكون إلا موظفاً يملك صلاحية تخوله تغيير الموقف الرافض إلى موقف موافق - أو وسيطا ينطبق عليه نص المادة العاشرة التي تنص على أن ''يعاقب الراشي والوسيط وكل من اشترك في إحدى الجرائم الواردة في هذا النظام بالعقوبة المنصوص عليها في المادة التي تجرمها، ويعتبر شريكاً في الجريمة كل من اتفق أو حرض أو ساعد في ارتكابها مع علمه بذلك متى تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق أو التحريض أو المساعدة''.
وإن ثبت الجرم، فلا يكتفى فقط بالعقوبة المذكورة في المادة الأولى، بل وفقا لنص المادة التاسعة عشرة: يجب ''على الجهة المختصة بالحكم في جرائم الرشوة الحكم بغرامة لا تتجاوز عشرة أضعاف قيمة الرشوة أو بالحرمان من الدخول مع الوزارات والمصالح الحكومية أو الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة في عقود لتأمين مشترياتها وتنفيذ مشروعاتها وأعمالها أو بهاتين العقوبتين على أية شركة أو مؤسسة خاصة وطنية أو أجنبية أدين مديرها أو أحد منسوبيها في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام إذا ثبت أن الجريمة قد ارتكبت لمصلحتها، ولمجلس الوزراء إعادة النظر في عقوبة الحرمان المشار إليها بعد مضي خمس سنوات على الأقل من صدور الحكم''. إذا، الشركة التي قدمت رشوة يجب أن تحاسب بعدم الدخول في عقود حكومية أو تنفيذ مشروعات عامة، أو يحكم عليها بعشرة أضعاف قيمة الرشوة، والأمر تقديري لقاضي الموضوع أن ينظر في مناسبة الجرم وفداحة الحدث، متى ثبت أن أحد المسؤولين في الشركة أدين في جريمة الرشوة. وهذا من حسنات النظام، فأحيانا يرى الراشي المليونير أن دفع مبلغ رشوة 100 ألف ريال لتغيير موقف رفض إلى موقف موافق، يستحق المجازفة إذا كانت العقوبة لا تتجاوز مليون ريال، هذا إذا انكشف أمره وثبت جرمه، لهذا قدم النظام قيداً آخر محكم الصنع بالمنع من الدخول في المشاريع الحكومية – المستهدفة والدسمة - حتى تكون رادعا للمستهترين بالأنظمة والمفسدين للموظفين.
مواد النظام أكثر من أن يحصرها هذا المقال - ولعل أساتذة القانون الجنائي يدلون بدلوهم - ولكن انتقيت منها ما أظن أنه تناسب مع فداحة القصة التي رواها رئيس مجلس الغرف التجارية حتى لا تكون المعاناة التي رواها مدعاة لانتقاص الأنظمة السعودية دوليا أو محليا. وحتى يعرف القاصي والداني أن هناك عقوبات رادعة ولكن يعوقها التنفيذ الحاسم والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي