الاختبار الحقيقي للإصلاح الاقتصادي: الأراضي
في اقتصاد لم يرتق إلى مصاف الدول المتقدمة تبقى الأرض رمزيا ومرحليا وموضوعيا مركز اهتمام الجميع. فهي وسيط اقتصادي يتقلب في القيمة من عامل الإنتاج الأولي كما في الزراعة، إلى كونه المرتكز الأساسي في الإسكان، إلى كونه وعاء للتوفير والاستثمار، ووسيلة مضاربة، وآلية توزيع دخل في مجتمع في غالبه غير منتج ودون ضرائب، ونظام زكوي غير مقنن.
فالأرض وما يدور حولها من سياسات وتفاد للسياسات تجعل ميدان المناقشة مفتوحا على مصراعيه دون سقف أو حد أدنى من التوافق. ارتبط بروز المملكة اقتصاديا منذ أواسط السبعينيات الميلادية بارتفاع أسعار الأراضي ودورها في توزيع المصالح، ولذلك يصعب التفكير في إصلاح المملكة اقتصاديا دون عملية إصلاحية لدور الأراضي في تصرف أغلب الفعاليات الاقتصادية في المملكة. ما يجعل هذه الجزئية مهمة، أن الفرد ما زال أهم من المؤسسات، ولذلك على السياسات محاولة تغيير تصرف الأفراد.
القيمة المالية المفترضة في أسعار الأراضي تعادل أضعاف الدخل القومي وعشرات أضعاف الميزانية، ولذلك فإن أي عملية إصلاح في اقتصاد المملكة لن تتم دون تفكيك هذا العنصر وتحريك رأس المال الكبير المربوط به. ولكن المسألة أكبر من قيمة الحجم، فهي كما ذكرنا سابقا الدرجة الأولى في السلم الاقتصادي، ولذلك يصعب الإصلاح من فوق دون إصلاح القاعدة الأولية.
قبول هذا الوضع النشاز شوّه اقتصاد المملكة وأسهم في إفساد عقلية البناء الاقتصادي في المملكة وبدأ يسهم في حالة من الطبقية وعدم الرضا الاجتماعي. كل ما على مقتني الأراضي هو الانتظار حتى تصل إلى الرقم الذي يريده، وعلى المحتاج الأساسي توفير المبلغ الذي يبتعد حثيثا عن مستوى دخله أو القيمة الطبيعية للأرض. لذلك تجد أراضي كثيرة خالية في النطاق العمراني في المدن. تشوه آخر يأتي بسبب ارتفاع أسعار الأراضي من حيث إن قيمة المنزل الوسيط في أمريكا على سبيل المثال (منزل مستقل بثلاث غرف نوم بسعر نحو نصف مليون ريال)، بينما يصعب أن تجد أراضي في أغلب المدن لدينا بهذا السعر. كما أن قيمة الأرض تشكل لدينا ما لا يقل عن 50 في المائة من سعر المنزل بعكس كل الدول المتقدمة حيث لا تتعدى 20 في المائة، وهذه المعادلة المعكوسة تحكي الكثير. يصاحب ذلك حقيقة أن الدخل منخفض قياسا بأسعار المنازل، فتاريخيا، وعلى سبيل المثال، في أمريكا تعادل قيمة المنزل نحو ضعفي ونصف الدخل السنوي للعائلة، بينما لدينا نحو عشرة أضعاف لأغلب الناس، ولذلك لن يحل التمويل أو نظام الرهن العقاري هذه الإشكالية. تشوه آخر يأتي حينما ذكر وزير الصحة أن أحد المعوقات في توفير الخدمة الصحية هو ارتفاع أسعار الأراضي في داخل المدن، وكذلك للتعليم وغيرها، بل إن كتابة العدل لاقت صعوبة في إيجاد أرض في الرياض بسبب ارتفاع الأراضي طبقا لجريدة "الرياض". وأخيرا حقيقة أن الغالبية العظمى من العائلات لا تستطيع شراء منزل. فمن منا لا يعرف مواطنا لم يستطع اقتناء منزل مناسب بعد 20 عاما وأحيانا حتى في حال عمل الزوج والزوجة.
ما الحل؟
الحل مجرب وبسيط وليس علينا إعادة اختراع العجلة. كل ما علينا التوقف عن التهرب من خلال لوم المطورين، أو الحكومة، أو الرهن العقاري، أو هيئة الإسكان، أو الممولين، أو حتى أصحاب الأراضي، أو المقاولين، أو أي نظرية تآمرية قد تحلو لنا. كل حل جزئي يكون على حساب المصلحة العامة مهما حسنت النوايا ولن ينفع، فهو إما جهل أو شراء وقت لمصلحة أحد ما. الحل في رسم بلدي يعادل 3 في المائة على كل أرض خالية في كل مكان وإذا لم يدفع المالك هذا الرسم عند نهاية كل عام يكون هناك عقاب معقول ورادع لاحترام هيبة النظام وحماية الاقتصاد الوطني. هذه الخطوة الأولى لإصلاح اقتصاد المملكة، وغير ذلك هو - في نظري - أقرب للضحك على الذقون.