حماية المستهلك من أهم الواجبات والضرورات (3)
أحمد الله حمد الشاكرين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد، أواصل الحديث عن حماية المستهلك باعتبار ذلك من أهم الواجبات والضروريات؛ وذلك لما للغش التجاري والتقليد من أضرار جسيمة، التي لا يمكن الاستهانة بها، والقول بأن المستهلك لا بد أن يكون واعيا، ومتيقظا لكل المكايد، والحيل التي تحاك له، ولا يغفل وينتظر أن تقوم جهات معينة بحمايته من الغش والتقليد، وأقول بكل صراحة إن وسائل الغش والتقليد محكمة ودقيقة لا يمكن للشخص العادي أن يعرف البضائع، أو السلع المغشوشة والمقلدة بسهولة ويسر، وهذا واضح من مقارنة السلعة الأصلية بالسلعة المغشوشة والمقلدة، ناهيك أن أي شخص ذكي مكَّنه ذكاؤه من اكتشاف الغش بعد شراء السلعة أو البضاعة، فإنه لا يستطيع إنقاذ نفسه إلا بالاستعانة بالسلطة المخولة بحماية المستهلك؛ استنادا إلى الأثر المروي عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما عندما قالا: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)؛ وذلك لأن التاجر الذي لا يخاف من الله يخاف من السلطان لما يقترفه من غش وتقليد يضر بالمستهلكين، ونعرف من خلال الممارسات العملية أن التاجر الذي يغش ويدلس، ويبيع السلع المقلدة لا يهتم بما يبديه المشتري من ملحوظات على السلعة إلا عندما يلجأ إلى السلطة، وهذا ما نلاحظه عندما يتكشف الغش والتقليد، فمن الواجب الاهتمام بمكافحة الغش والتقليد لما لها من مضار جسيمة قد تؤدي للوفاة، أو الأمراض الخطيرة كأمراض السرطان المتنوعة القاتلة، والحوادث الكبيرة الناجمة عن استخدام قطع الغيار و(الكفرات) المغشوشة، وغير ذلك من السلع والبضائع التي لا يمكن حصرها وتعدادها.
ولا شك أن عقد المنتديات والندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، وما يقدم فيها من أوراق علمية، وبحوث ودراسات، تُعدّ من الوسائل المهمة للحث على مكافحة الغش التجاري والتقليد، وحماية الملكية الفكرية؛ وذلك لأنها من الجرائم الخطرة، ودائما تنتهي هذه اللقاءات العلمية بتوصيات مهمة يحسن بالجهات والسلطات الأخذ بها في قرارات وقوانين ملزمة لمكافحة الغش والتقليد؛ بغية حماية المستهلك، فمثلا في المنتدى الذي عقد في الرياض خرج بتوصيات عددها (18) توصية، وكان من أهم التوصيات (وجوب تخفيض أسعار السلع الأصلية من خلال الشركات المنتجة الأصلية لتكون في متناول المستهلك العادي بهدف إبعاده عن شراء السلع المقلدة ذات الأسعار الرخيصة، وتفويت الفرص على من يساعد على انتشار البضائع المغشوشة والمقلدة)، وهذه التوصية مهمة لو ألزم بها المنتج والوكيل بموجب نظام محكم، إذ الملاحظ أن بعض وكلاء السيارات يتعمدون رفع الأسعار بشكل لافت للنظر، وأذكر على سبيل المثال أنني قد أدخلت سيارتي لدى ورشة متخصصة في صيانتها، فاتصل بي صاحب الورشة، وقال لي إن (الدينمو) به قطعة تحتاج إلى تغيير، غير أن الوكالة لا تبيع هذه القطعة، وإنما لا بد من شراء (دينمو) كامل بمبلغ 1200 ريال، فاضطررت إلى الموافقة على شراء كامل (الدينمو)، وهذا كمثال، ويمكن أن غيري من حصل لهم حالات من الاستغلال والجشع، فمنهم من يقبل على مضض، ومنهم من يلجأ إلى (التشليح)، أو شراء القطع المغشوشة والمقلدة، ولا أريد الإطالة بذكر أمثلة أخرى.
وتوصية ثانية تقضي (بالعمل على إصدار مواصفات لجميع السلع، حيث تتمكن المختبرات الخاصة من تحليل الأصناف المستوردة في ضوء المواصفات المعتمدة)، وهذه التوصية سهلة التحقق إذا ما عزمت الجهات المختصة في الدول المتقدمة والنامية بإعداد هذه المواصفات الموحدة لمساعدة المختبرات الحكومية والخاصة من القيام بدورها في مكافحة الغش التجاري والتقليد والتزييف، ففي كل ندوة أو منتدى أو مؤتمر يبرز دور المختبرات العامة والخاصة في مكافحة الغش التجاري والتقليد، خصوصا في الغش والتقليد مما لا يمكن للشخص العادي أو المختص كشفه بسهولة إلا عن طريق المختبرات الفنية، وقد تطرق المحور السادس في أوراق العمل المقدمة في المنتدى لذلك. وكذلك لدور المستهلك في التصدي لظاهرة الغش التجاري والتقليد، وكما أسلفت فإن دوره سيكون محدودا جدا إذا افتُقدت الجهات المسؤولة النشطة التي تتلقى الشكاوى والبلاغات عن الغش والتقليد بجدية وحزم، وهذا ما يردد ويتكرر في المجالس عند مناقشة ظاهرة الغش التجاري والتقليد.
ومن التوصيات التي رأيت التنويه عنها توصية ثالثة (شددت على فرض رقابة وعقوبات فعالة على التجارة بين الدول، وما ينتج منها، أو يصدر من سلع أو مصنفات مغشوشة أو مقلدة، مؤكدة أهمية تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك الأهلية لضمان قيامها بالدور المطلوب منها في مجال حماية المستهلك، وتوعيته بالآثار المترتبة على استخدامه المواد المغشوشة والمقلدة، وكذلك تشديد العقوبات الصادرة في قضايا الغش التجاري والتقليد، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية من قبل المحاكم واللجان المختصة)، وما ذكر في هذه التوصية يكرر ويردد في كل مناسبة يثار فيها النقاش حول جريمة الغش التجاري والتقليد، وهذا حتى على مستوى الدول ليكون التكاتف والتعاون الذي يعطي ثمارا ونتائج تساعد على الحد من حالات الغش والتقليد، وذلك بالرقابة الجادة، وتشديد العقوبات، ومحاولة أن يكون لجمعيات حماية المستهلك الأهلية دور فاعل في حماية المستهلك، وقد استبشرنا بإنشاء أول جمعية أهلية، لكن بكل أسف أن ما نشر في الصحف المحلية عن حصول خلاف بين أعضاء المجلس التنفيذي، ورئيس المجلس، ومن ثم إقالته بالإجماع يعطي انطباعا عن أن هذه الجمعية لم تنجح في القيام بالمهمة المطلوبة منها، وأنها انشغلت بأمور جانبية سطحية بالتنازع على رئاسة المجلس التنفيذي، واتهامات للرئيس باستغلال الرئاسة بتصرفات لمصلحته الشخصية مثل القول بأنه حدد راتبا خاصا له مقداره 52 ألف ريال شهريا، وحضور المنتديات والندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، وغير ذلك مما لا يمكن سرده؛ لأنني اكتفيت بالقراءة ولم أدوّن كل ما كتب، بل إنني استغربت إن كان ما كتب ـــ صحيحا ــــ، أو حتى جزء منه وليس كله، وقلت في نفسي كيف يمكن لهذه الجمعية أن تحمي المستهلك من الغش والتقليد؟! وها أنذا أفصح عما يجول في خاطري بمناسبة الكتابة عن حماية المستهلك باعتبارها من أهم الواجبات والضرورات، وكنت أتمنى نجاح هذه الجمعية حتى يمكن إنشاء عدد من الجمعيات التي تتنافس في حماية المستهلك بصدق وأمانة وإخلاص، رائدها في ذلك العمل التطوعي في كثير من جهودها، والذي أرجوه أن تقوم الجهة المسؤولة في وزارة التجارة والصناعة بدور فاعل في المساعدة على تنظيم هذه الجمعية، وغيرها من الجمعيات في مناطق المملكة على أسس صحيحة لأن إنشاء الجمعيات ليست غاية بذاتها، وإنما هي وسيلة لحماية المستهلك، وما لم تكن كذلك فلا فائدة من إنشائها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.