يا جمعية حماية المستهلك .. فضحتمونا!
في بعض الأحيان تكون طموحاتنا أكبر من واقعنا, وآخر مثال على ذلك جمعية حماية المستهلك التي تأسست عام ١٤٢٩هـ, وبدأت تثير الماء الراكد حول حقوق المستهلك وحمايته من جشع بعض التجار وتخاذل الجهات الحكومية.
قبل الجمعية كان حال المستهلك مع التجار والجهات الحكومية كاليتيم الذي لا يجد من يؤويه ولا من يطعمه ولا من يكسيه, والأهم من ذلك أنه لا يجد من يحميه, بعد تأسيس الجمعية بدأت محاولات جادة لحماية المستهلك, فأصبحنا نسمع مقالا هنا ونقرأ تصريحاً هناك ونطالع بيانات الجمعية التي تدافع عن مصالح المستهلكين. لقد كانت التطلعات كبيرة, بل إنها فيما يبدو تجاوزت واقعنا المرير وثقافة العمل الجماعي التي نتسم بها، وكما يقول المثل ''دوام الحال من المحال''، فقد توقفت جهود الجمعية لمصلحة المستهلك, وبدأت خلافات الجمعية داخلياً, كأن مسؤولي الجمعية انتهوا من المواجهات الاستهلاكية مع الغير حتى ينشغلوا بأنفسهم!
المستهلكون والجمهور والإعلام كانوا يرون الجمعية ممثلة فقط في شخصية رئيسها الدكتور الحمد، فهو الذي يصرح وهو الذي تتم مقابلته وهو المصدر المسؤول وهو المتحدث الرسمي, ومع ذلك وللإنصاف فقد كان صوت رئيس الجمعية عالياً وحضوره متميزاً بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه في طريقة وأسلوب إدارة الجمعية وأولويات القضايا المطروحة.
وفقاً لما تم نشره متواتراً في الصحف فقد اجتمع المجلس التنفيذي للجمعية وأصدر قراراً بالإجماع يقضي بإقالة رئيس الجمعية الدكتور محمد الحمد، وحقيقية لم تكن هذه هي المشكلة, لكن المشكلة كانت في أسباب الإقالة, التي بررت بدعوى ارتكاب الرئيس مخالفات أضرت بالجمعية!
بعد ذلك وعلى صفحات الجرائد يتجادل الرئيس المخلوع مع الرئيس المكلف على صفحات الصحف (وكلاهما بالمناسبة يحمل شهادة الدكتوراة وممن امتهنوا التعليم قبل تفرغهم للجمعية)، وتتم الدعوة لاجتماع الجمعية العمومية عن طريق الرئيس المخلوع ويتم إلغاء انعقاد الجمعية بواسطة الرئيس المكلف! ويصرح الرئيس المكلف بأن مرجعية الجمعية لوزارة التجارة, ويرد الرئيس المخلوع بأن الجمعية مستقلة ولا تتبع لأي جهة حكومية ولا يحق لأي جهة حكومية التدخل في أعمالها!
في المجتمع المتحضر عندما تتم إقالة أحد كبار الموظفين في مؤسسة ما .. عادة ما يتم الإعلان عن أسباب الإقالة, فكيف إذا تمت إقالة رئيس المجلس وكيف إذا كانت الإقالة بسبب ارتكاب مخالفات ضارة بالمؤسسة, وكيف إذا كانت هذه المؤسسة ملكاً مشاعاً للمجتمع والجمهور, فهي ليست شركة يملكها ملاكها والشركاء فيها, ولا هي مؤسسة حكومية تعود مرجعيتها إلى الدولة. وأحسب أن جمعية حماية المستهلك تمثل النموذج القدوة للمجتمع المتحضر, أو لنقل تجاوزاً إنه يفترض منها ذلك! لذا فقد كان من المتوقع من المجلس التنفيذي أن يعلن للجمهور, الذين يحميهم ويدافع عن حقوقهم ومصالحهم, الأسباب والتجاوزات والمخالفات التي دعت الجمعية إلى إقالة رئيس مجلس إدارتها!
تأملت في نظام الجمعية وفوجئت بأنه لا يعالج مسألة عزل وإقالة رئيس المجلس, وإن كان النظام يتضمن أن الجمعية العمومية هي صاحبة السلطة العامة في الجمعية, ولا يتعين الرئيس ونائبه المنتخبان من الجمعية إلا بعد المصادقة على التعيين من وزير التجارة والصناعة.
ماذا نتوقع أن تقدم لنا الجمعية التي ستحمي حقوقنا إذا كان مسؤولوها يتنازعون السلطات والمناصب داخل الجمعية؟ لست مع أو ضد أحد من الطرفين, فالتفاصيل المنشورة لا تكفي للحكم, لكني أجزم بأن هناك العديد من الوسائل الحضارية للتعامل مع مثل هذه الأزمة بشكل إيجابي وفاعل, ولعل أبسط اقتراح لذلك هو عقد اجتماع للجمعية العمومية يتم فيها الاحتكام لرأيها، وإذا لم يتم ذلك فيمكن تحكيم وزير التجارة والصناعة, الذي يشترط النظام تصديقه على تعيين رئيس الجمعية ونائبه المختلفين فيما بينهما، وإذا لم يتم ذلك فيمكن الانتظار حتى انتهاء مدة تعيينهما التي بقيت عليها أشهر معدودة لن تخرب فيها مالطا!
لي أن أتخيل ردود فعل المسؤولين وأصحاب القرار وهم يتفرجون على المسرحية الهزلية التي تجري على مسرح الواقع وأبطالها هم ممثلونا نحن المستهلكين, وكأني بهم يقولون كفانا جمعيات وهيئات (وبلا مؤسسات مجتمع مدني بلا هّم)، ويجسد واقعنا وواقعهم المثل الشعبي القائل: ''يا من شرا له من حلاله عله''، وأنا وغيري من المستهلكين نصرخ بأعلى صوت ''يا جمعيتنا فضحتينا وفضيحتك بجلاجل'' .