خطة التحفيز الأمريكية تربك أسواق العملات.. وتحذير من ركود عالمي
تركت خطة التحفيز الأمريكية التي أطلقها البنك المركزي الأمريكي أمس الأول بشراء سنداتها، آثارها الأولية على أسعار الصرف وأسواق العملات العالمية، حيث تباينت استجابات الأسواق لها، واختلفت ردود الفعل العالمية حولها، إذ فسرت في الولايات المتحدة ودول أخرى بأنها وسيلة لا مفر منها لتحفيز اقتصاداتها وخلق فرص عمل، فيما اعتبرتها الصين وبعض الدول الناشئة مقدمة لتطبيقات عملية لما شاع أخيرا تسميته ''حرب عملات''.
وهبط الدولار أمس إلى أدنى مستوياته في 11 شهرا، بعد أن عمد ''المركزي الأمريكي'' إلى شراء 600 مليار دولار من السندات، ما تسبب في إغراق العالم بالدولار، وبالتالي هبوط قيمته.
وفي الشأن المحلي ضم اقتصاديون سعوديون وأجانب أصواتهم للاقتصاديين في الدول الناشئة والمؤسسات الدولية، على أن الاقتصاد العالمي مقبل على ''نكسة اقتصادية'' جديدة، في حال استمر العالم في انتهاج سياسة ''إضعاف العملات'' كأداة لتحقيق النمو.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
ضم اقتصاديون سعوديون صوتهم إلى الاقتصاديين في الدول الناشئة وللمؤسسات الدولية، من أن الاقتصاد العالمي مقبل على ''نكسة اقتصادية'' جديدة، في حال استمر العالم في انتهاج سياسة ''إضعاف العملات'' كأداة لتحقيق النمو.
وقال لـ ''الاقتصادية'' محللون واقتصاديون: ''إن الإجراءات التي تتبعها الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، وكذلك الصين وعدد من دول العالم الأخرى، لتحسين مستويات النمو فيها، ستشعل التضخم والحمائية في العالم، وتحدِث أضرارا خطيرة في مسار التصحيح لما بعد الأزمة العالمية.
وانتقد أمس الأول مسؤول صيني إقدام الحكومة الأمريكية على خفض قيمة عملتها، محذرا من أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي مضاعف.
وفي هذا السياق، قال نائب سكرتير عام غرفة التجارة الدولية الصينية: ''يجب على الحكومة الأمريكية أن توقف مسلكها غير المسؤول الخافض للدولار والضاغط من أجل رفع قيمة اليوان الصيني''.
فيما قال وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا، الخميس الماضي: ''إن البرازيل ستستخدم الاجتماع المقبل لمجموعة العشرين للشكوى من قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي طبع مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الأمريكي''.
#2#
وأبلغ مانتيجا الصحافيين بأن القرار الذي اتخده البنك المركزي الأمريكي الأربعاء قد يفاقم الاختلالات في الاقتصاد العالمي، ومن غير المرجح أن يحفز النمو العالمي.
وأغلق اليوان الصيني، أمس، مرتفعا أمام الدولار، فيما حومت العملة الأمريكية قرب أدنى مستوى لها في 11 شهرا بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي ''البنك المركزي الامريكي'' بشراء سندات حكومية، فيما ارتفع الدولار الأسترالي لأعلى مستوى له في 28 عاما.
«لعبة دولية جديدة»
#4#
سهيل الدراج، اقتصادي سعودي ومحلل للأسواق المالية العالمية، قال: إن ما يحدث هذا الأيام أمر غير مؤلوف، وهي لعبة دولية جديدة بدأت منذ سنوات قليله ماضية، ومنذ ولاية بوش الأخيرة، عندما اقتنع بقاعدة أن ''إضعاف العملة يقود إلى النمو، خصوصا في ظل أن الأداة الأخرى وهي أسعار الفائدة لم تعد فعالة؛ لأنها في أدنى مستوياتها بين الربع والصفر في المائة''.
وبيَّن الدراج، أن قاعدة (إضعاف العملة يقود للنمو) التي سمحت للاقتصاد الأمريكي بتحقيق النمو في فترة بوش تعود اليوم ضمن ''اقتصاد أوباما'' لتنشط، وهي من الطرق غير التقليدية التي تعتمد على تصدير السندات، أي طباعة ورق والتحكم في عرض النقود العالمي.
وأضاف: ''ما فعله المركزي الأمريكي هي شرارة هبوط جديد وقد يكون حادا للعملة الأمريكية، إذ إنه عندما يتم شراء 600 مليار دولار من السندات الأمريكية، فإن ذلك يعني إغراق العالم بالدولارات ما يعني خفض قيمته، وهنا تبرز مشكلة كبرى للعملات المرتبطة بالدولار، كما أنه سيشعل التضخم خارج أمريكا، ويؤدي إلى هبوط أو نكسة في الاقتصاد العالمي''.
وأوضح المحلل في الأسواق العالمية، أن المشكلة لا تقتصر على الدولار، بل إن القاعدة فهمت أيضا في منطقة اليورو، واستفادت منها الصين أيضا في تسجيل معدلات نمو، فالاتحاد الأوروبي عمد خلال الشهور الماضية على خفض قيمة اليورو لمساعدة الاقتصادات التي تعاني كاليونان والبرتغال وغيرها على تحقيق معدلات نمو.
وأضاف: ''إذا نحن أمام شروع عالمي في إضعاف العملات، وهذا بالتأكيد يشكل خطرا حقيقيا على مسار تصحيح الاقتصاد العالمي، وأتوقع أن يشهد العالم المقبلة ضغوطا تضخمية واسعة، وبما أن الريال السعودي مرتبط أيضا بالدولار؛ فإن ذلك سيشكل ضاغطا على الاقتصاد السعودي بالتضخم أولا وفي حجم الإيرادات ثانيا''.
سياسة نقدية عالمية
#5#
من ناحيته، قال الدكتور إحسان أبو حليقة، خبير اقتصادي: ''إن مصلحة الاقتصاد العالمي باتت ضائعة في ظل هذه الفوضى المنتشرة بخصوص السياسات النقدية التي تنتهجها الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي''.
وأوضح أبو حليقة، أن الحديث عن حرب العملات فيه شيء من الدراما مسؤولة عنه البرازيل، مشيرا إلى أن الدول التي شرعت في استخدام هذه الأداة تهدف إلى محاولة الخروج من وضع اقتصادي صعب خلفته الأزمة العالمية، لكن المشكلة في عدم وجود اتفاق حول وجهات النظر المطروحة.
وأضاف: ''لا يوجد اليوم شيء اسمه سياسة نقدية عالمية، وهي سياسات تتم على مستوى كل دولة.. في الماضي كانت الدول تمارس خيار إدارة العملة في الأسواق من منطلقات وطنية بحتة، واستمر هذا نحو نصف قرن، وقد تجدد هذا الحافز اليوم بسعي الدول للمحافظة على أسعار منخفضة لعملاتها لتحقيق تنافسية لصادراتها، في مسعى لتحسن الاقتصاد ورفع عدد الوظائف، وتحسين الميزان التجاري، خصوصا في ظل انخفاض معدلات التضخم لديها''.
وعلق أبو حليقة على مطالبة الصين، وتحذيرها من السياسة التي تنتهجها أمريكا لإضعاف الدولار، مشيرا إلى أن الصين هي آخر من يهتم بالاقتصاد العالمي، وآخر من يتحدث عن إضعاف العملات، على اعتبار أنها ظلت وستظل تعمل على جعل اليوان ضعيفا أمام العملات العالمية، دون أن تكترث لمدى تأثير ذلك على الاقتصادات المتقدمة.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن ما يجري على صعيد إدارة العملات العالمية اليوم جعل من قمة العشرين المقبلة المنتظر عقدها بعد نحو عشرة أيام في سيئول مهمة للغاية.
وزاد: ''مهمة جدا لملمة هذه الفوضى الدائرة بين الفرقاء؛ فاليوم هناك عديد من الأصوات التي تتدعي الضرر، فهناك صوت لليوان وصوت لليورو وصوت للدولار، وحتى صوت لكوريا الجنوبية، في حين أن مصلحة الاقتصاد العالمي ضائعة، هناك تعويل كبير على أن يكون هناك حد أدنى وأرضية مشتركة بين أعضاء المجموعة؛ للمحافظة على مصالح الجميع، ولعل الاستماع إلى النصائح المحايدة ومنها نصائح صندوق النقد أسلوب جيد''.
لن تكون هناك «حرب عملات»
#3#
في المقابل، استبعد الدكتور جون أسفكياناكيس، كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، أن العالم يعيش مرحلة ''حرب عملات''، مشيرا إلى أن السجال الدائر بين الاقتصاديات المتقدمة في العالم لم يبلغ بعد مرحلته السيئة، إلا أنه لم ينكر أن الوضع يمكن أن يتطور إلى ما هو أسوء.
وأشار أسفكياناكيس، إلى أن وزير المالية الكوري الذي تحتضن بلاده قمة العشرين المقبلة، قال: ''إن الزعماء سيبحثون عدم بلوغ العالم مرحلة حرب العملات ما يعني أننا لم نبلغها بعد''.
وبيَّن أسفكياناكيس، أن نشوب حرب للعملات عبر سياسة إضعافها لن يخدم أيا من الأطراف، وهم يعلمون ذلك، فلن يخدم الدولار الضعيف أو اليورو الضعيف أو حتى اليوان الضعيف اقتصاد تلك الدول على المدى الطويل.
وأضاف: ''من هنا، فإن ما يحدث اليوم مرحلة عابرة لتعزيز النمو في البلدان المتضررة صادراتها من ضعف عملات المنافسين''.
وقال: ''بدأنا نرى أضرارا لهذه السياسة؛ فالدولار الضعيف يعني مزيدا من التضخم في عدد من اقتصادات العالم ومنها البرازيل ومنطقة الخليج والسعودية''.
وتابع كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي: ''لكن التضخم لن يبلغ مستوياته المقلقه التي سجلها في العام 2008، خصوصا في المنطقة، ولا أعتقد أنه سيشكل خطرا أكبر لو استمر الدولار ضعيفا لبعض الوقت لعدة اعتبارات''.
ونوه أسفكياناكيس بأن هناك عملا جماعيا حول العملة أكثر من أي وقت مضى؛ فالكل لا يريد رؤية حرب عملات؛ لأن الجميع متضرر.
وزاد: ''أتوقع أن يحصل اتفاق مبدئي بين قادة العشرين في قمتهم المقبلة، على الأقل اتفاق بتجنب أي حرب للعملات، صحيح سنسمع أصواتا متضررة هنا وهناك، لكن سيتم الاتفاق على قاعدة مشتركة، وإن لم يتم ذلك في تلك الحالة يمكن أن نحذر من مشكلة اقتصادية عالمية''.
وحول الضرر الذي يمكن أن يطال الاقتصاد الخليجي والسعودي على وجه الخصوص جراء هذا الشد في أسعار الصرف، بين أسفكياناكيس أن الضرر سيكون محدودا، متوقعا أن يقوى الدولار في العام المقبل.
أسعار الصرف تحت المجهر
ووفق تقارير اقتصادية دولية، فإنه حتى اللحظة وعلى المدى المتوسط سيواصل الدولار هبوطه وستحتدم المنافسة على أسعار الصرف بين العملات الرئيسة ما يزيد المخاطر على المؤسسات ويؤثر في نمو التجارة الدولية''.
وبالنسبة إلى المؤسسات الدولية، فإن المخاطر تزداد بشأن أسعار الصرف والمنافسة تحتدم''، إذ إن الكثير من الدول تلجأ إلى خفض قيمة عملتها لتشجيع الصادرات وتحفيز الاقتصاد، وقد تدخلت البنوك المركزية في اليابان ودول آسيــــــوية أخرى أخيرا لخـــــــفض عملاتها من أجل حماية صادراتها، مثيرة مخاوف من عودة سياسات الخفض التنافسي التي سبق أن اتبعت في ثلاثينيات القرن الماضي.
ودعا قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي الدول الأخرى في مجموعة العشرين إلى أن تتخذ في سيئول إجراءات لمنع العودة إلى سياسة الحمائية، للصين، المتهمة بإبقاء قيمة عملتها أقل من قيمتها الفعلية، تشعر بالقلق من إمكانية فرض رسوم جمركية عقابية على صادرتها.
من جهة أخرى، قال البنك المركزي الصيني، أمس: إنه سيعيد السياسة النقدية إلى طبيعتها تدريجيا من وضع مواجهة الأزمة، لكنه تعهد رغم ذلك بمواصلة انتهاج سياسة ''التيسير المعتدل''.
«التجارة العالمية» و«العشرين»
من جهته، أبدى باسكال لامي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، قبل أيام قلقه حيال التدخلات الأحادية في أسعار العملات في إطار التوترات النقدية بين الصين والولايات المتحدة.
وردا على سؤال لصحيفة ''فلت ام تسونتاج'' حول خطر نشوب حرب نقدية، قال لامي: ''لن أتحدث عن حرب، وإنما بالأحرى عن توترات أو خلافات، إن التدخلات غير المنسقة حيال أسعار الصرف تثير قلقي''. وأضاف: ''لا يمكن لأحد أن يعترض على أن اليوان دون سعر صرفه الفعلي، لكن من غير المؤكد أن يؤدي سعر صرف أعلى لليوان بصورة تلقائية إلى مزيد من الوظائف في الولايات المتحدة''.
وهذا الوضع يثير الخشية من سباق على ما يسميه الاقتصاديون خفضا تنافسيا لأسعار العملات، كما حصل في بداية الثلاثينيات عندما أطلقت بريطانيا حركة مماثلة على المستوى العالمي.
وقال لامي: ''كلنا خائفون من هذا الأمر''، لكنه أضاف: ''قبل عامين وبعد انهيار ليمان براذرز، اعتقد العالم أجمع تقريبا أن هذا النوع من الحمائية سيحصل، وحتى الآن، لم يحصل ذلك على رغم الصدمة الكبرى''.
وفي حين تتهم الولايات المتحدة الصين بأنها تخفض سعر صرف عملتها اليوان إلى ما دون قيمتها الحقيقية لتسهيل صادراتها، تعد بكين أن السياسة النقدية الأمريكية التي تعتمد الليونة تؤدي إلى ''تضخم مستورد'' إلى الصين.
وفي منتصف أيلول (سبتمبر)، تدخلت السلطات اليابانية في السوق النقدية الدولية لخفض قيمة العملة اليابانية. وحض رؤساء دول وحكومات أوروبا الدول الكبرى في العالم على ''تجنب'' حرب عملات في نص اعتمدوه الجمعة الماضية تمهيدا لقمة مجموعة العشرين المقبلة في سيول.
واعتبر صندوق النقد الدولي أن سعر صرف الدولار ''قوي مقارنة بعناصره الأساسية''، بينما قيمة اليورو والين والجنيه الاسترليني عند مستواها الصحيح.
وفي ختام اجتماع مجموعة العشرين في 22 و23 تشرين الأول (أكتوبر) في كوريا الجنوبية، اتفقت الدول الغنية والناشئة على الامتناع عن التدخل لخفض أسعار صرف عملاتها الوطنية بهدف دعم النمو العالمي.