أعوذ بالله أن أقول بجواز استثمار البنك أموالَ المودعين كودائع استثمارية إسلامية
كتب سعادة الأستاذ محمد بن فهد العمران عموداً في صحيفة «الاقتصادية» في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق 26/11/1431هـ، تعليقا على لقاء صحفي في النادي الاقتصادي الذي يشرف عليه سعادة عبد الوهاب الفايز.
#2#
وكان المقال بأسلوب مؤدب راق ظاهره الاستبشار بفتوى في المسائل الاقتصادية وفي وجوه الاستثمار في البنوك التقليدية الربوية وباطنه الاستغراب والاستنكار من صدور فتوى ممّن وصف بعضو هيئة كبار العلماء.
وحُق له ــ حفظه الله ــ أن يستغرب ويستنكر صدور مثل هذه الفتوى الصريحة في بطلانها ومنافاتها قواعد وأصول المصرفية الإسلامية ومجالات الاستثمار الإسلامي.
ذكر سعادته - حفظه الله - أنني لا أرى بأسا في أن يتقدم عملاء المصرفية الإسلامية في أي بنك من البنوك الجامعة في تعاملها بين المصرفية الإسلامية والمصرفية التقليدية يتقدم عملاء المصرفية الإسلامية بودائع استثمارية ليقوم البنك باستثمارها إسلاميا فيخلطها البنك مع نقوده في الخزانة ويستثمرها استثمارا ربويا وأن هذا - في فهم الأستاذ محمد - جائز عندي وقد جاء في مقال سعادته أنني استندت في جواز ذلك إلى حديث بريرة مولاة عائشة ــ رضي الله عنها ــ حينما تُصدق عليها بلحم فجاءت به لمولاتها عائشة لطبخه في بيتها فدخل ــ صلى الله عليه وسلم ــ في بيت عائشة وشم رائحة اللحم وهو يُطهى فسأل عن ذلك فقالت له عائشة إنه لحم لا يصلح لك يا رسول الله فقد تُصدق به على بريرة والصدقة لا تحل لك فقال - صلى الله عليه وسلم - هو صدقة عليها وهدية منها لنا فأكل منه - صلى الله عليه وسلم.
وأستغرب الخلط في ذلك، وأصحح فهم أخي العزيز سعادة الأستاذ محمد بما يلى:
أولا: أعوذ بالله سبعين مرة أو أكثر أن أقول بجواز استثمار البنك أموال المودعين ودائع استثمارية إسلامية، بحيث يحل له إذا خلطها مع بعض ماله في الخزانة أن يستثمرها استثمارا ربويا وهل يقول بهذا من عنده مثقال ذرة من علم؟! وإنما الذي أقوله هو إنه يجوز للبنك أن يُوظف بعض مال خزانته مع ودائع عملائه الاستثمارية ليستثمرها في منتجات إسلامية ويكون لماله بعد ذلك حصته من الأرباح، كما أن لكل مستثمر حقه من الربح من العوائد الاستثمارية الإسلامية وقلت لا يؤثر كون مبالغ الخزانة تستخدم في منتجات ربوية في سلامة استثمار هذه الودائع من العملاء استثماراً إسلاميا، كما لا يؤثر اشتراك بعض مال الخزانة مع ودائع العملاء الاستثمارية طالما أن الاستثمار في منتجات مصرفية إسلامية كالمرابحة والمشاركة والتورق وبيوع السلم وعقود الاستصناع وغير ذلك من مثل هذه المنتجات.
فلعل سعادة الأستاذ محمد التبسَ عليه الأمر في المسألتين، مسألة خلط ودائع العملاء الاستثمارية مع مبالغ الخزانة واستثمارها استثمارا ربويا فهذا تعامل ربوي واضح ولا أعتقد أن أحداً من أهل العلم يقول بجواز ذلك.
ومسألة خلط بعض مبالغ الخزانة مع ودائع العملاء الاستثمارية لاستثمارها استثماراً إسلاميا وهذا جائز ولا يؤثر في جوازه اشتراك الخزانة ببعض مالها أو كله مع ودائع المستثمرين استثماراً إسلاميا.
ولسعادة الأستاذ محمد - حفظه الله - بناء على سوء فهمه أن يستغرب ويستنكر ويصف ذلك بالمفاجأة ومع ذلك أشكره على نشره هذا الفهم الخاطئ لتصحيحه وبيان الحق فيه ولئلا يسير بهذا الفهم الركبان فيقولون عني خطأ وغلطا ما، أكرر الاستعاذة بالله من القول به.
حيث إن هذا القول ينقض عملنا وجهادنا في سبيل تثبيت المصرفية الإسلامية ونصير كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
ثانيا: القول بأنني استدللت على جواز ذلك بحديث بريرة فلا علاقة لحديث بريرة باشتراك مال خزانة البنك مع المستثمرين.
فما اشترك به البنك من مال هو له وليس للمستثمرين منه شيء وإنما حقهم في ودائعهم الاستثمارية فلو أن شركة ذات نشاط استثماري مباح كان من المكتتبين في أسهمها مَنْ يستبيح الربا وكانت أمواله أو أغلبها من المكاسب المحرمة فهل يقال إنّ هذه الشركة غير جائزة والاكتتاب فيها حرام لأن بعض ملاك أسهمها ممن يمارسون المعاملات الربوية ونقودهم في الاشتراك من ذلك.
والحال أنها شركة ذات نشاط مباح؟
ثالثا: أذكر أنني أوردت حديث بريرة على سبيل الاستدلال بأن النقود المكتسبة من طرق حرام ليست حراما في ذاتها وإنما حرمتها جاءت عن طريق اكتسابها فإذا تحولت من يد اكتسبتها بطرق حرام إلى يد جاءتها بطريق مباح كالهبة والإرث ونحو ذلك فالحرمة تزول عن اليد المنتقلة إليها ويأتي حديث بريرة دليلا على ذلك فيد بريرة على اللحم يد صدقة عليها به وقد انتقل اللحم من يد بريرة إلى يد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم - على سبيل الهبة فقد انتفى عنصر الكسب غير الجائز عن اليد المنتقل إليها ذلك اللحم وهذا يعني التفريق بين المحرم لذاته كالخمر والخنزير وبين المحرم لطريق كسبه كلحم بريرة.
واستدلالي بحديث بريرة كان في معرض جواب سؤال عن الأموال المكتسبة من طرق غير شرعية أو في اكتسابها اشتباه وأن المصرفيات الإسلامية حينما تحصل لهم هذه الأموال المشبوهة يبعدونها عن عوائدهم ويفتحون لها حسابا مستقلا بها ويصرفونها في وجوه البر على سبيل التطهير وبراءة الذمة، والسؤال طالما أن هذه المبالغ جاءت بطريق مشبوه وهي في حكم الأموال المحرمة فكيف يجوز لهذه البنوك أن تصرفها في وجوه بر؟ فكانت الإجابة أن هذه المبالغ ليست محرمة لذاتها وإنما هي محرمة لطريق كسبها والحرام لطريق كسبه لا لذاته تزول حرمته بتحوله من يد اكتسبته بطريق غير مشروع إلى يد انتقل إليها بطريق مباح كالهبة والإرث ونحو ذلك.
وجاء الاستدلال على جواز صرف هذه الأموال في وجوه البر بحديث بريرة ــ رضي الله عنها ــ وعن مولاتها أمنا عائشة.
أرجو أن أكون بما ذكرت أوضحت ما يزول به اللبس وسوء الفهم وأكرر لأخي سعادة الأستاذ محمد طرحه هذا الفهم وشكري له على ذلك، والله المستعان.
كتبه
عبد الله بن سليمان المنيع