حماية المستهلك من أهم الواجبات والضروريات (4)
الحمد لله الهادي والموفق، والصلاة والسلام على رسول الهدى، وعلى آله وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد، أواصل كتابة المقال الرابع عن حماية المستهلك باعتبار هذه الحماية من أهم الواجبات والضرورات التي لا يستهان ولا يتساهل في القيام بها من قبل الجهات الموكل لها حماية المستهلك، والحديث عن ذلك يطول، ويحتاج إلى مؤلفات تستعرض كل الجوانب المتصلة بحماية المستهلك، والمقالات لا تعبر ولا تغطي إلا جوانب بسيطة، كإبراز القصور والتقصير والأخطاء التي تحصل من التجار الذين أعمى الجشع والطمع والاستغلال بصائرهم وأبصارهم، وانعدام الرقابة الجادة، أو ما يحصل من تقصير وقصور وأخطاء من العاملين في الجهات المسؤولة، ناهيك عن تعمد التستر على بعض مرتكبي جريمة الغش والتقليد، وهذا ما يتحدث به كثير من المثقفين وغيرهم في مجالسهم، خاصة عند عقد الندوات والمنتديات والمؤتمرات، وما يكتب عنه كثير من الكتاب، وما يبدى في غير ذلك من اللقاءات والاجتماعات، وأذكر على سبيل المثال في اجتماع تم مع مسؤولين من السفارة الصينية في مجلس الشورى، وعندما طرحت استفسارا عن كثرة الغش والتقليد في بضائع وسلع مستوردة من الصين، فقد كان ردهم أن التجار السعوديين، أو وكلاءهم يذهبون إلى مصانع صغيرة غير ملتزمة، ويطلبون منهم تصنيع هذه السلع والبضائع، ولا يمكن مكافحة هذا الغش والتقليد بسهولة، وكانت هذه الإجابة تعطي انطباعا بأن المسؤولية مشتركة بين الدولتين المستوردة والمصنعة أو المنتجة.
وعلى كلٍ، فإن من التوصيات التي انتهى إليها المنتدى (ضرورة أن يحمل المنتج دلالة منشأ ثابتة غير قابلة للإزالة لما في هذه الخطوة من أهمية لضمان عدم تغيير دولة المنتج)، وما أكد عليه في هذه التوصية وسيلة من وسائل الحيلولة دون حصول الغش والتقليد، وقد لا تتحقق إذا لم يلازم ذلك رقابة حازمة وجادة من قِبل الجهات المختصة، وضبط كل حالات الغش والتقليد، وهذا ينطبق ـــ أيضا ـــ على توصية قريبة من التوصية سالفة الذكر، التي تقضي (بقيام الشركات المنتجة باستخدام التكنولوجيا من خلال وضع علامات غير مرئية، أو وضع رمز الشريط "الباركود الطيفي"، وغير ذلك من العلامات المميزة للبضائع، والمصنفات الأصلية التي تجعل عملية تقليدها مكلفة ..)، وتفعيل الأخذ بالتوصيتين يستلزم وجود العدد الكافي من المختبرات الحكومية والخاصة؛ حتى يتم التحقق من أن السلع والبضائع غير مغشوشة أو مقلدة بأسرع وقت ممكن، ومن دون تأخير.
أما ما جاء في توصيات أخرى متعددة عن ضرورة توعية المستهلك ببرامج مكثفة في وسائل الإعلام العالمية والمحلية والإقليمية، حيث يُبين لهم الأضرار الاقتصادية والمادية والنفسية المترتبة على شراء واستخدام السلع والبضائع المغشوشة والمقلدة، وبيان حقوقهم في رفع قضايا ضد ممتهني جريمة الغش والتقليد، ومطالبتهم بالتعويض عما اقترفوه من جريمة تتمثل في خداعهم ببضائع وسلع مغشوشة ومقلدة، والتأكيد على وجوب مساهمة الغرف التجارية الصناعية في مكافحة الغش التجاري والتقليد من خلال حث منسوبيها بعدم استيراد السلع والبضائع المغشوشة والمقلدة، أو حتى تداولها داخل البلاد، وتوعية المستهلكين بمساهمتهم في مكافحة الغش والتقليد بعدم شراء المنتجات المغشوشة والمقلدة، ولا شك أن توعية المستهلك، وحثه على المساهمة في حماية نفسه من الغش التجاري والتقليد، فإذا ما أسهم في ذلك مساهمة فعالة، فإن الجهات المعنية بمكافحة الغش التجاري والتقليد ستقوم بدور أفضل بأداء الواجب دون تخاذل أو تكاسل؛ لأنها تدرك أن المستهلك الواعي مثل الرقيب على هذه الجهات، فضلا عن أن تضافر الجهود بين الجهات المعنية، والمستهلكين الواعين سيضيق الخناق على مرتكبي جرائم الغش والتقليد فيحدّ من أنشطتهم المختلفة التي تتسم بوسائل ملتوية مضللة مثل التحايل والتزييف والتزوير، وغيرها من الوسائل المتنوعة.
إن ما تقدم ذكره في هذا المقال والمقالات السابقة هو آراء وأفكار وخواطر عن أهمية حماية المستهلك من الغش التجاري والتقليد، وهو اجتهاد شخصي أرجو أن يكون مفيدا باعتباره مساهمة متواضعة فيما كُتب عن هذه الجريمة الضارة بالمجتمع، لعلني وفقت في طرحي ومناقشتي.
وحيث إني اخترت عنوانا للمقالات (حماية المستهلك من أهم الواجبات والضروريات) فقد قصدت أن يمتد الحديث عن ارتفاع أسعار السلع والمواد الضرورية بشكل لافت للنظر، وهذا ما سأتحدث عنه في المقال الخامس باعتباره المقال الأخير، وفقني الله إلى قول كلمة الحق والصواب، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.