هل نجح عمرو الدباغ في الدفاع عن هيئة الاستثمار؟
في الشهر الماضي شهد الوسط الصحافي حملتين صحافيتين ضاريتين، شارك فيهما مجموعة كبيرة من الصحافيين في كل الصحف المحلية تقريبا.
الحملة الأولى، كانت حملة ضارية ضد قطار المشاعر، حيث وَصَمت الصحافة هذا المشروع بكثير من الأوصاف الوضيعة التي وصلت إلى درجة اتهام المسؤولين بالغفلة والريبة والغش، ولم ينتظر الصحافيون إلى حين وصول العربات إلى المشاعر المقدسة، بل ظلوا يحرضون بعضهم بعضا، حتى أصبح عدد كبير منهم يَصمُ المشروع بأوصاف غير لائقة.
ولكن حينما وصلت العربات وُسيرت على المسارات تهادت العربات فوق القضبان وكأنها تحفة ُتشرّف الجهة التي تعاقدت عليها، ثم وُضعت في التجربة العملية طوال أيام الحجيج وأثبتت - بكل المقاييس - أنها مشروع ناجح ومهم.
ومن باب الإنصاف كان المفروض أن ُتصحح الحملة الصحافية مسارها وتتجه في الاتجاه المعاكس الذي كان يجب أن ينتهي بالاعتذار، بمعنى كان المفروض أن تعتذر الصحافة للخطأ الجسيم الذي ارتكبته وظلمت الناس الذين ثبت فيما بعد أنهم نجحوا في تنفيذ مشروع من أهم مشاريع موسم الحج. إن قطار المشاعر استطاع أن يحصد المزاعم الكاذبة ويقوم بوظائفه بشيء كبير من الكفاءة والنجاح كما دلت على ذلك النتائج الباهرة التي أعقبت موسم حج ناجح جدا.
ولذلك نستطيع القول إن الحملة الصحافية التي استهدفت قطار المشاعر لم تكن موفقة ونتائجها وضعت الصحافة السعودية في اختبار محرج مع المصداقية وأخلاقيات العمل الصحافي الأمين.
أمّا الحملة الأخرى، فهي الحملة الشرسة التي اشترك فيها عدد ليس بالقليل من المتخصصين في الاقتصاد والمال، واندس بينهم مجموعة كبيرة من الفضوليين وغير المتخصصين الذين يتابعون المعارك ويدسون أنوفهم فيما يعنيهم وما لا يعنيهم، وركبوا الموجة وصبوا جام غضبهم على الهيئة العامة للاستثمار وعلى محافظها المجتهد عمرو بن عبد الله الدباغ.
وإذا كان للحملة الصحافية جانب إيجابي، فإنها أتاحت للهيئة فرصة استعراض مشاريعها وبرامجها التي تم تنفيذها بالفعل في المدن الصناعية أو في المعدلات التي تحققت للاستثمار الأجنبي على أرض الواقع.
ولذلك، فإن السؤال المهم الذي نسعى للإجابة عنه في هذه المقالة هو: هل نجح عمرو الدباغ محافظ الهيئة العامة للاستثمار في صد الهجوم الذي استهدف هيئته الشخصية وهيئة المؤسسة التي يرأسها، هل استطاع أن يجيب عن كل التساؤلات التي طرحت أمامه وأن يثبت بالأدلة الدامغة أنه يسير في الطريق المرسوم، أم إنه فشل في تحقيق الأهداف التي من أجلها تأسست الهيئة والتي من أجلها وُضع على رأس الهيئة؟.. وأنا هنا أؤكد أن بعض التساؤلات التي تناولها الزملاء جديرة بأن يجاب عنها بشفافية عالية.
في معرض الدفاع عن نفسه، يقول عمرو الدباغ: بدأنا وضع صياغة لاستراتيجية الهيئة العامة للاستثمار في عام 2004، واختصرنا الاستراتيجية في رقمين ذكيين 10×10، وفحواهما أن تصل بيئة الاستثمار في المملكة مع نهاية عام 2010 جنبا إلى جنب مع مصاف أفضل عشر دول؛ ولأن الله سبحانه وتعالى أخذ بيدنا ووفقنا فقد أعلن البنك الدولي في نتيجة عام 2010 أن المملكة احتلت المرتبة الحادية عشرة من بين 183 دولة، وهذا يعني أن النتائج موفقة وأنها بلغت الهدف المستهدف حتى وإن فرقت دولة واحدة من بين 183 دولة.
ويمضي عمرو الدباغ قائلا: لقد وضعنا رؤية هدفها أن نحقق نموا اقتصاديا يقوم على استثمار عناصر القوة في المدن الصناعية على اعتبار أنها تقع في محيط البلد الذي يمتلك 25 في المائة من احتياطيات النفط على مستوى العالم، وهي ميزة لا تتوافر لغيرها من الدول، وكان علينا أن نضخ استثمارات كافية في الاقتصاد الوطني لتحقيق النمو الاقتصادي السريع الهادف إلى تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي، ويمضي الدباغ قائلا: إن معظم المشاريع الاستثمارية اتجهت إلى المدن الكبيرة في السنوات الماضية، فالغرض من وجود محركات اقتصادية في المناطق الأقل نموا هو جذب رؤوس الأموال لهذه المناطق، فمدينة رابغ مثلا تركز على الصناعات البلاستيكية فيما تتجه مدينة جيزان إلى الصناعات الثقيلة، والمدينة المنورة تعتمد على قطاع الصناعات القائم على المعرفة، أمّا حائل فإنها ستكون مكانا مناسبا للشحن الجوي؛ ولذلك سيكون داخل مدينة حائل الاقتصادية مطار جوي ومحطة قطار على درجة عالية من الكفاءة.
ويقول الدباغ: إن إجمالي الاستثمارات الأجنبية في قطاع الأعمال في المملكة حتى نهاية 2010 بلغ 552 مليار ريال، ويسهم الاستثمار الأجنبي في 58.4 في المائة من صادرات المملكة، بعيدا عن الصادرات النفطية.
وحول معايير نجاح المدن الاقتصادية، يقول الدباغ: توجد ثلاثة آلاف مدينة اقتصادية حول العالم، بعضها حقق نجاحات كبيرة والبعض الآخر فشل في تحقيق النجاح. إن المدن الناجحة استطاعت أن تضاعف تدفق الاستثمارات إليها، والسبب هو كفاءة البنى التحتية المتطورة وتوافر الموارد البشرية التي تتناسب مع الاحتياجات الصناعية والاستثمارية، وهو ما يتوافر بكفاءة عالية في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ونذكر - على سبيل المثال - أن مركز هيئة المدن الاقتصادية يقدم الخدمات الذكية للمستثمرين والمقيمين، انطلاقا من الأرقام 60 - 24 - 7، أي تقدم الخدمة في 60 دقيقة على مدى 24 ساعة في سبعة أيام.
وهكذا يتضح لنا أن الارتياب الذي شكك في مستقبل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة حائل الاقتصادية والذي جاء في طروحات كثير من الصحافيين هو ارتياب في غير محله، والعكس صحيح، فإن مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تواصل تعزيز موقعها كبيئة مثالية جاذبة للاستثمار، وستسهم في إحداث نقلة نوعية في قطاع النقل البحري، ونذكر - على سبيل المثال - أن الوادي الصناعي الذي روعي في تصميمه أفضل المعايير العالمية يعتبر موقعا ملائما لكبرى الشركات والمصانع التي تبحث عن البنى التحتية لإقامة مشاريعها في مساحات شاسعة تتوافر فيها جميع المقومات التنافسية التي تجعل الوادي الصناعي كما لو كان مركزا عالميا للخدمات اللوجستية.
نحن نعتقد - بكل تواضع - أن عمرو بن عبد الله الدباغ استطاع أن ينجح في الدفاع بموضوعية عالية عن الهيئة العامة للاستثمار، ويقدم الأرقام التي ستضع المملكة ابتداء من عام 2015 في مصاف الدول الناشئة، إن لم تكن في مصاف الدول المتقدمة، وأمّا بالنسبة لصحافتنا المحلية فإنها مرت - للأسف - بتجربتين قاسيتين خسرت فيهما جانبا كبيرا من المصداقية والشفافية.