الغش التجاري.. أزمة أم غياب رقابة؟!
نشرت ''الاقتصادية'' قبل عدة أيام خبراً مفاده ''بأن 10 في المائة من الملابس الجاهزة المستوردة مسرطنة''. وهذا الخبر المقلق يعني أن البضائع المغشوشة (وغير المسرطنة) أكثر من ذلك بكثير! وحول هذا الموضوع، يشير مسؤول صيني مدافعاً عن بلده التي تصدر معظم هذه البضائع الرديئة إلى أسواقنا إلى أن التاجر السعودي هو الذي يطلب أرخص البضائع وأقلها جودة.
وكأني بالقارئ الكريم يقول: ليت الأمر يقتصر على الملابس الجاهزة، ولكن هناك بضائع مقلدة ومغشوشة في المواد الكهربائية التي قد تعرض الإنسان للخطر، وتتسبب في خسائر فادحة على مستوى الفرد والمجتمع. فالسوق مليئة ببضائع متشابهة من حيث الشكل، ولكنها مختلفة من حيث الجودة وجهة التصنيع.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تجد عجب العجاب عندما تذهب إلى محال قطع غيار السيارات. قطع غيار متشابهة من حيث الشكل والتغليف، ولكنها تختلف في الجودة كلية. في أغلب الأحيان تجد ثلاثة أصناف متشابهة بالكامل من حيث الشكل والتغليف: بضائع أصلية، وبضائع مقلدة ولكنها جيدة، وبضائع مقلدة رديئة. هذه البضائع لا تباع سراً، ولا توجد في السوق السوداء، بل في معظم محال بيع قطع الغيار في جميع المدن السعودية!
أما بشأن ألعاب الأطفال، فحدِّث ولا حرج! ألعاب مغشوشة وألعاب لا تنطبق عليها معايير السلامة. والغريب في الأمر أن البضائع الصينية الموجودة في الأسواق الأمريكية تُعد من أجود الأنواع، وقد أحضرت بنفسي بعض ألعاب الأطفال عند زيارتي للولايات المتحدة ففوجئت بوجودتها العالية ليمتد استخدامها لعدة سنوات، على النقيض تماماً من الألعاب التي تباع في أسواقنا ولا تعمر أكثر من يوم أو يومين، وإن طال بها العمر فستبقى لمدة أسبوع!
هذا الغش التجاري والبضائع المقلدة التي لا تنطبق عليها معايير السلامة والجودة تستنزف مقدرات الأفراد والمجتمع وتسهم في حوادث قاتلة أو إعاقات مؤلمة، ما يؤثر سلباً في التنمية في بلادنا. والمؤلم المبكي أن المصالح الشخصية هي التي تقف وراء هذه المشكلة، وأبناء الوطن هم من يتآمرون ويسهمون في انتشار هذا الغش؛ لأنهم هم من يستفيد ـــ ولو جزئياً ـــ من هذا الاستنزاف لثروات بلادنا. فلم يردعهم تحذير المصطفى ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ من الغش حين قال ''من غشنا فليس منا'' أو النهي عن أكل أموال الناس بالباطل.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل من المعقول أن ينتشر هذا الغش التجاري لهذه الدرجة، وأن تملأ البضائع المقلدة أسواقنا دون علم الجهات المسؤولة؟ أين وزارة التجارة؟ أين الجمارك؟ أين هيئة المواصفات والمقاييس؟ وأين جمعية حماية المستهلك؟ يبدو أن الجهات المسؤولة مشغولة بما تراه أكثر أهمية من وجهة نظرها، أما جمعية حماية المستهلك فهي غارقة في مشاكلها الإدارية، ما يجعلها أكثر حاجة من غيرها إلى جمعية مستهلك جديدة لتحميها من نفسها ومجلس إدارتها.