اتفاقية سايكس بيكو جديدة
هل الوطن العربي إزاء اتفاقية سايكس بيكو جديدة؟ الداخلون فيها هذه المرة أمريكا، الصين، الهند، إضافة إلى السابقين. وهل فعلاً ثمة أجندة خفية يتم تسريب مفاعيلها شيئاً فشيئاً؟
من الصعب جداً التغاضي عما يحدث على أرض العرب من تفتيت وتمزيق وحروب، فالعراق لم يعد ذلك البلد الموحد مركزياً وباتت ''الفيدرلة'' شعاراً يجهر بنفسه في السجال السياسي داخل العراق وخارجه وعلى الأرض أيضاً، كما أن الصومال ما زالت مفككة الأوصال ونهباً لصراعات منذ ربع قرن تقريباً، فيما لبنان يعاني تجاذبات طائفية وتتوازع مساحته الصغيرة مربعات أمنية لهذه الطائفة أو ذاك المذهب. أما اليمن فالشقاق بين شماله وجنوبه لم يهدأ منذ إعلان وحدته، ودخل على مشهده زمر الحوثيين بذيول ارتباطاتهم الإقليمية، كذلك يتململ المغرب العربي تحت وطأة التباسات السيادة والحدود بين بعض مناطقه، علاوة على عبث الإرهاب بأراضيه، فيما أصبح تقسيم السودان إلى دولتين، وربما أكثر، قاب قوسين أو أدنى.
هذا المشهد المزري للوطن العربي قد يُؤخذ على أنه ناتج التخلف في العقلية السياسية والإدارية العربية، وأنه تراكم سياق الإرث الاستعماري الذي دقت أسافينه الخبيثة اتفاقية سايكس بيكو سيئة الذكر، غير أنه تخريج ينزع العذر ويبرر ما يحدث أكثر مما يحلل ويشخص، بل هو تخريج يعفي إلى حد كبير العرب من مسؤولية ما يجري ليلقي بالتبعة على أكتاف الآخرين.
إن مجرد متابعة تحركات الدول الكبرى التي أشرنا إليها على الأرض العربية سواء على المسارات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية وملاحظة مدى حرص هذه الدول على التدخل في شؤون سيادات العرب على أوطانهم، خصوصاً في تلك المناطق القلقة، يجعل من الحديث عن أجندة خفية لهذه الدول حديثاً قد لا يحتاج إلى إثبات، ليس لأن هذه الدول تسعى إلى إعادة تطبيق نسخة الاستعمار القديم على طريقة سايكس بيكو، وإنما على طريقة وضع اليد على المصالح الاقتصادية الكامنة في الثروات الطبيعية لهذه البلدان التي لم تترك قط لحالها، وإنما ظل تسعير الخلاف وافتعال الإشكالات وتعقيدها هي العمل الدؤوب تحت غطاء المساعدة على إسداء النصح والمشورة وتقديم الحلول، وليس بالمجاهرة بمخطط وضع اليد على منجم الثراء الاقتصادي الذي تحتاج إليه هذه الدول المتنافسة في حيازة أكبر قدر من كعكة الثروة والمجال الاستراتيجي، وهو حتماً تنافس غير مسموح له بالتناحر والتقاطع، بل يتم إخضاعه لاتفاق وتوافق يسمح بالمناورة ظاهرياً لذر الرماد في عيون الكون .. وبالذات عيون أهل الوطن العربي.
هذا التنافس في ظل أجندة خفية هو قطعاً مما لا يخفى على قادة العرب وزعمائه السياسيين، غير أن ضعف النظام العربي وتداعيه يشكلان صخرة كأداء أمام فاعلية دور هذا النظام للوقوف أمام هذه التحديات الخطيرة، ولا أدل على ذلك من فقدان مؤتمرات القمة العربية وزنها وفاعليتها عند العرب أنفسهم أكثر منه في الخارج، الأمر الذي يشجّع اللاعبين بمصائر العرب على السعي إلى إنفاذ اتفاقية سايكس بيكو جديدة تؤمّن لهم من خلال مسلسل التمزيق والتفريق والإنهاك خلق بيئة تستجيب لما يراه هؤلاء حصصا مستحقة لهم في هذه الاتفاقية!!